تحدثت كاتبة أميركية في صحيفة “نيويورك تايمز” تُدعى كشمير هيل؛ عن تجربتها مع تغيير هاتفها الذكي إلى هاتف بدائي لمدة شهر بهدف الحد من إدمانها على الهاتف الذي كانت تقضي في استخدامه أكثر من خمس ساعات في اليوم.
وذكرت الكاتبة أن ندمها الأكبر في عام 2023 كان علاقتها بهاتفها الذكي الذي كان يسجل بانتظام وقت شاشة يفوق خمس ساعات يوميا، وهو وقت تقضيه في العديد من الأنشطة المهمة مثل: العمل، والرسائل النصية العائلية، وقراءة الأخبار ومراسلة الأصدقاء البعيدين.. لكن هذا النشاط كان مصحوبا بشكل متزايد بنوع من الندم المزعج الذي يرتبط بالسلوك غير الصحي.
وقالت الكاتبة إنها قررت أن تُحدث تغييرا كليا في شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، وذلك بالتخلي عن هاتف آيفون 15 الذي تبلغ قيمته 1300 دولار مقابل هاتف أوربيك الذي تبلغ قيمته 108 دولارات، وهو هاتف قابل للطي لا يمكنه سوى إجراء مكالمات هاتفية وإرسال رسائل نصية.
كلما كان مملا أكثر كان ذلك أفضل
أشارت الكاتبة إلى أن هذا التغيير لم يكن سهلا ولا سريعا، ومن الواضح أن قرار “الترقية” إلى الهاتف القابل للطي كان غير معقول لدرجة أن شركة الاتصالات الخاصة بها لم تسمح لها بالقيام بذلك عبر الهاتف إذ كان عليها الذهاب إلى المتجر.
وقالت الكاتبة إن عمر بطارية هاتفها البدائي القابل للطي لم يكن قصيرا بشكل مثير للضحك فحسب، بل يفقد الاتصال عندما تكون في حالة تنقل ويجب إعادة تشغيله لإعادة الاتصال، ولكنه كان الهاتف الوحيد من الحد الأدنى الذي يدعمه مشغل شبكة الجوال منخفض الميزانية. لذلك، نصحت الكاتبة بالاستفسار من شركة الاتصالات الخاصة بك عن النماذج التي تدعمها إذا أردت خوض تجربة مماثلة.
وأفادت الكاتبة أن هناك خيارات متميزة مع خدمة موثوقة متاحة، وبعضها يتمتع بقدرات رسم الخرائط ومشغل الموسيقى وتحويل الصوت إلى نص. وقال خوسيه بريونيس الذي أنشأ “مكتشف الهواتف الغبيّة” لمساعدة الناس على الاختيار من بين 98 طرازا جربها: إن سوق هواتف الحد الأدنى توسعت في السنوات الأخيرة.
وحسب بريونيس (28 عاما) الذي لا يزال متصلا بالإنترنت بما يكفي لإدارة موقع “دامب فون” الفرعي ونشر مراجعات للأجهزة على موقع يوتيوب: “لقد سئم الناس الأجهزة الرقمية بعد الوباء، بعد أن اضطروا إلى الاتصال بالإنترنت طوال الوقت”.
ويستخدم بريونيس الهاتف الذكي أثناء ساعات العمل، ولكنه يتحول إلى هاتف لايت فون 2 بقيمة 299 دولارا في الليل وفي عطلات نهاية الأسبوع والإجازات.
صُمم هذا الجهاز ليُستخدم لأقل وقت ممكن من قبل مؤسسَين تم التخلص منهما من قبل مطوري التكنولوجيا الذين يقيسون النجاح بعدد الساعات التي يقضيها المستخدمون ملتصقين بتطبيقاتهم. ويمكن للهاتف الذي بحجم بطاقة الائتمان إرسال الرسائل النصية وإجراء المكالمات والاحتفاظ بالتقويم وتشغيل الموسيقى والبودكاست، لكنه لا يفعل أكثر من ذلك.
وذكرت الكاتبة أن كلا من هاتف “لايت فون” وهاتف بريونيس الذكي “هاي سينس إيه 9” الذي تبلغ قيمته 480 دولارا مزودان بشاشات رقمية مثل شاشات كيندل. وقال بريونيس: “لقد وجدت شخصيا أنه كلما كانت الشاشة مملة، كان من الأسهل عدم الإدمان عليها”.
وأشارت الكاتبة إلى أن الأبحاث تؤكد ذلك، إذ أظهرت إحدى الدراسات أن مجرد تحويل الهاتف الذكي إلى وضع الشاشة الرمادي ساعد الأشخاص على تقليل الوقت الذي يقضونه أمام الشاشة بنسبة 18%.
وأضافت أن مستوى الملل في هاتفها البدائي القابل للطي كان مطمئِنا، فقد كانت شاشته الرئيسية صغيرة ومملة، كما أنها واجهت مشكلة في تحويل الخدمة من بطاقة شريحة الاتصالات الإلكترونية الخاصة بجهاز آيفون إلى الخدمة الفعلية للهاتف القابل للطي، ولكن سرعان ما بدأت تكتب النصوص والرموز التعبيرية ببطء باستخدام 9 مفاتيح فقط.
وتابعت أن كتابة أي شيء أطول من جملتين يتطلب قدرا هائلا من الضغط على الأزرار، لذلك استبدلت الرسائل بالاتصال، وكانت هذه مشكلة لأن معظم الناس لا يريدون أن يعمل هاتفهم كهاتف مكالمات. وعندما قام الأصدقاء والعائلة بالرد على الهاتف، كانت المحادثات أعمق بكثير من مجرد تبادل الرسائل النصية، وتكون العواطف كلها واضحة ومباشرة فلا يوجد رمز تعبيري معقد تحتاج لفك شفرته.
سلبيات ولكن
أظهر استطلاع أجرته مؤسسة بيو للأبحاث عام 2021 أن 31% من البالغين أفادوا بأنهم “متصلون بالإنترنت بشكل شبه دائم”، وهو أمر لم يكن ممكنا إلا بسبب وجود الهاتف الذكي.
وردت الكاتبة على سؤال من أحد الزملاء “هل تشعرين بأنك أقل اطلاعا؟”، بالقول: إن ذلك ليس حقيقيا حيث وصلت المعلومات إليها، ولكن بشكل أقل سرعة، وذلك من خلال جهاز الحاسوب الخاص بها الذي يعرض المواقع الإخبارية والنشرات الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأقرت الكاتبة ببعض سلبيات الحرمان من الهاتف الذكي وتطبيقاته في بعض الأحيان بأنها لم تستطع شحن سيارتها الكهربائية بدون تطبيق الهاتف الذكي. كان التخطيط المسبق ضروريا بدون خرائط غوغل لأنها عادة ما تستخدمه للوصول إلى أي مكان على بعد أكثر من 15 دقيقة. وكان عليها أن تبحث عن الطرق مسبقا وتحفظ الاتجاهات، وتعيد تنشيط الجزء الملاحي من ذهنها الذي كان مهملا منذ فترة طويلة.
كما لم تتمكن من إعداد مكنسة كهربائية روبوتية لا تعمل إلا باستخدام تطبيق آيفون، ولم تستطع مراقبة حسابها البنكي على تطبيق الهاتف الذكي الخاص بها الذي كان يمكّنها من تحويل الأموال من حساب توفير عالي العائد عندما ينخفض.
ولم تتمكن أيضا من تسجيل الدخول للعديد من حساباتها على الإنترنت، بما في ذلك حساب صحيفة “نيويورك تايمز” الذي يسمح لها بتسجيل الدخول إلى نظام إدارة المحتوى الخاص بها لصياغة القصص الإخبارية؛ إذ يتطلب تصديقا ثنائيا عبر تطبيق الهاتف الذكي.
ورغم هذه التحديات، تمكنت من التخلي عن الهاتف الذكي خلال الشهر. لقد كان من المريح أن تفصل عقلها عن الإنترنت بشكل منتظم ولساعات في المرة الواحدة، الأمر الذي مكنها من قراءة أربعة كتب والقيام برحلات طويلة مع زوجها، والتحدث خلالها بدلا من الاستمرار في عوالم صوتية منفصلة مع الإيربودز. لقد شعرتْ أن لديها المزيد من الوقت والمزيد من السيطرة على ما يجب فعله به.
وبعد نحو أسبوعين، لاحظَتْ أنها فقدت “رعشة الإبهام”؛ وهي رغبة جسدية في التحقق من الهاتف في الصباح، أو عند الوقوف في إشارات المرور، أو انتظار المصعد، أو في أي لحظة فراغ أخرى.
وقالت الكاتبة إن زوجها لاحظ أن “وجهها أصبح أقل إرهاقا”؛ حيث كانت تعاني من الاستيقاظ في منتصف الليل، بينما لم يكن يحمل هاتفها القابل للطي أي إغراءات في منتصف الليل؛ لذلك تحسن نومها بشكل كبير.
ونقلت الكاتبة عن أستاذ علوم الحركة في جامعة ولاية أريزونا د. ماثيو بومان قوله “إن صحتنا تتنافس مع العديد من هذه الخدمات والشركات التي تتنافس على وقتنا وطاقتنا واهتمامنا”.
وقد أكمل الدكتور بومان للتو دراسة مولتها المعاهد الوطنية للصحة عن إستراتيجيات إبعاد الأشخاص عن الشاشات والتحرك أكثر من خلال الرسائل التحفيزية عندما يبقون على الشاشة لفترة طويلة، وذلك بمنح وقت استخدام الشاشة بناء على تحقيق أهداف التمرين.
ويأمل بومان أن تعمل شركتا الهواتف الذكية العملاقة آبل وغوغل على جعل وقت الشاشة وتطبيقات الرفاهية أكثر فعالية من خلال دمج الإستراتيجيات التي ثبت نجاحها. وساعد برنامج د. بومان في تقليل الوقت الذي يقضيه 110 أشخاص أمام الشاشات في الدراسة التي استمرت عامين، لكنه ما زال يقوم بتقييم النتائج لمعرفة الإستراتيجيات الأكثر فعالية.
وتعليقا على تجربة الكاتبة قال د. بومان إن ذلك ربما جعل عقلها يشعر بمزيد من الحرية كما لو كان لديها المزيد من الوقت (كلاهما صحيح)، ولكن “في مجتمعنا، من الصعب الحفاظ على ذلك على المدى الطويل”.
كسر العادات السيئة
ذكرت الكاتبة أن طفلتها البالغة من العمر 7 سنوات، عبّرت عن حبها للهاتف البدائي القابل للطي حيث جعل والدتها لا تنظر كثيرا إلى هاتفها وتقضي وقتا أطول في اللعب معها.
وأضافت الكاتبة أن رغبتها في مشاركة كل لحظة لطيفة مع بناتها على إنستغرام تلاشى على مدار الشهر؛ حيث يمكنها فقط الاستمتاع بتلك اللحظات بدلا من محاولة التقاط صور من أجل الآخرين، كما أن دائرتها الاجتماعية تقلصت لهذا الشهر، حيث لم ترسل مجموعة كبيرة من الرسائل النصية “سنة جديدة سعيدة”، إذ كان من الصعب جدا القيام بذلك باستخدام هاتفها البدائي القابل للطي.
وبينت الكاتبة أنها بقدر ما أحبت حياتها في استخدام الهاتف البدائي القابل للطي وإعادة الضبط الذهني التي يوفرها، اعتقدت أنها قد تطرد من العمل إذا فشلت في الرد في الوقت المناسب على رسائل سلاك ورسائل البريد الإلكتروني بنفس القدر الذي كانت تفعله خلال الشهر.
ونقلت الكاتبة عن الأستاذة المساعدة في كلية آي إي للأعمال في مدريد لورا زيمرمان، قولها: إن ما لا يساعد الأشخاص على التحكم في الوقت الذي يقضونه أمام الشاشة هو ببساطة تتبعه. ووأضافت أن الكثير من استخدامنا للهواتف الذكية اعتباطي حيث نفتح الهاتف للقيام بشيء واحد، ثم ينتهي بنا الأمر إلى التحقق من خمسة تطبيقات في حلقة متواصلة، ثم نقوم بكل ذلك مرة أخرى بعد بضع دقائق. وتابعت لورا: “أنت تريد حقا معالجة عملية تكوين العادة”.
وذكرت الكاتبة أنها خصصت مكانا لهاتفها في المنزل (طاولة قهوة صغيرة عليها نبات وشاحن)، إذ تحتفظ به هناك عندما لا تعمل بحيث لا يكون في متناولها طوال الوقت، وتضعه هناك طوال الليل، لذا فهو ليس بجانب سريرها حتى لا يعطل نومها.
ونقلت الكاتبة تصريحات كاميل كارلتون مديرة السياسات في مركز التكنولوجيا الإنسانية، وهي منظمة غير ربحية في كاليفورنيا أسسها موظفون سابقون في مجال التكنولوجيا لرفع مستوى الوعي بشأن الآثار السلبية لأنواع المنتجات التي يعملون عليها: “لقد بدأ المزيد والمزيد من الناس يرون أن هذه المنصات، وهذه المنتجات مصممة عمدا للإدمان”. وقارنت كاميل كارلتون الهواتف الذكية وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي بالوجبات السريعة والتبغ، واقترحت أن يقوم المشرعون بتنظيم تصميم هذه المنتجات لحماية صحتنا.