كما غيّر الإنترنت في التسعينيات شكل سوق العمل، فإن الذكاء الاصطناعي سيغير تعريف العمل جذريا، ورغم أن أي تغيير جديد قد يكون مخيفا بالنسبة لنا، فإن ما تعلمناه خلال السنوات الثلاث الماضية هو أن التغيير قد يمنحنا فرصة لإعادة ابتكار الأساليب التي ننفذ بها مهام وظائفنا.
في تقرير له على موقع وايرد، يرى رايان روزلانسكي، الرئيس التنفيذي لمنصة لينكدإن، أن أفضل طريقة لإدارة التغييرات المقبلة للموظفين وأصحاب العمل على حد سواء هي تبني منهج يرتكز على تطوير مهارات الموظفين في المقام الأول.
تغير في طبيعة الوظائف
بالنسبة للموظفين، سيعني ذلك تفكيرهم في وظيفتهم كمجموعة من المهام، بدلا من اعتبارها مجرد مسمى وظيفي، مع إدراك أن تلك المهام ستتغير بانتظام مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي أكثر.
يمكنهم حينها تقسيم الوظيفة إلى مهام يتولاها الذكاء الاصطناعي بالكامل، ومهام أخرى يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين كفاءة الموظف بها، بجانب المهام التي تتطلب مهارات الموظف الفريدة، وبهذا سيتمكن من تحديد المهارات التي ينبغي له الاستثمار فيها، ليحافظ على فرصه في وظيفته الحالية.
يشير رايان في تقريره إلى تغير المهارات المطلوبة للعديد من الوظائف بنسبة كبيرة بلغت 25% منذ عام 2015، ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 65% على الأقل بحلول عام 2030، بفضل التطور السريع للتقنيات الجديدة مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ولا يقتصر الأمر على المهارات المتعلقة بتعلم الذكاء الاصطناعي فحسب، بل هنا ستزداد أهمية المهارات الشخصية للموظف، إذ تظهر بيانات منصة لينكدإن أن أبرز المهارات التي يرى الخبراء أن أهميتها سترتفع أكثر، مع استخدامنا أدوات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في العمل، هي مهارات حل المشكلات والتفكير الإستراتيجي وإدارة الوقت.
التركيز على المهارات
أما بالنسبة لأصحاب العمل، فإن صعود تقنيات الذكاء الاصطناعي سيزيد أهمية اتباعهم نهجا يعتمد على اختيار المهارات عند التوظيف وتطوير المواهب، حيث يتعلم الأشخاص حاليا مهارات الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة للغاية، إذ ارتفع عدد الأشخاص الذين يتمتعون بمهارات الذكاء الاصطناعي الآن تسعة أضعاف ما كان عليه في عام 2016، وفقا للتقرير.
يظهر هذا الأمر في الرغبة القوية لتطبيق تلك المهارات المكتسبة حديثا، خلال العامين الماضيين، فقد شهدت إعلانات الوظائف على منصة لينكدإن، التي تذكر كلمات الذكاء الاصطناعي أو الذكاء الاصطناعي التوليدي، نموا في عدد المتقدمين للوظيفة بنسبة 17%، مقارنة بإعلانات الوظائف التي لا تذكر تلك التقنيات.
يرى رايان أن القادة ممن يركزون على تلك المهارات في عملية التوظيف، بدلا من التركيز على الشهادات العلمية التي حصل عليها الشخص أو الوظائف التي شغلها سابقا، سيكشفون عن المزيد من الإمكانات، ويتمتعون بمرونة أكبر مع استمرار تغيّر أسلوب إنجازنا لأعمالنا في المستقبل.
ويؤكد رايان أن الأمر نفسه ينطبق على عملية تطوير المواهب، لأننا سنشهد بصورة مستمرة تحول أصحاب العمل إلى معلمين، ومدربين لموظفيهم ليعملوا في وظائف دائمة التغير عبر برامج التمهيد والتدريبات المختلفة، وكذلك يدربون موظفيهم للترقية في مناصب تتغير باستمرار عبر تعزيز المهارات والجولات الوظيفية، التي تأخذ الموظف إلى أدوار جديدة، وربما حتى مهنة جديدة بالكامل.
وهذا ينطبق على المهارات الأساسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، لكن ربما الأهم هي المهارات الشخصية أيضا، إذ تُظهر بيانات لينكدإن أن 92% من المديرين التنفيذيين في الولايات المتحدة يؤمنون بأن المهارات الشخصية أصبحت أكثر أهمية مما مضى.
عالم جديد من الأعمال
يرى رايان أن عام 2024 سيقدم لنا عالما جديدا من الأعمال، تصبح فيه المهارات الشخصية، مثل حل المشكلات والتفهم والإنصات للآخرين، على سبيل المثال لا الحصر، مهارات جوهرية أكثر لنجاح الموظف في حياته المهنية، ويصبح التعاون بين أفراد الفريق أكثر أهمية لنجاح الشركة بأكملها.
لذا، يجب على القادة والموظفين التفكير في الذكاء الاصطناعي كأداة واحدة ضمن مجموعة من الأدوات، فهو لا يهدف إلى استبدال البشر، بل يزيد فعالية أداء وظائفهم، مما يتيح لهم الوقت للتركيز على مهام وظيفتهم التي تحمل قيمة أكبر، وتحتاج إلى الجانب الإنساني أكثر.
على سبيل المثال، يمكن لمهندس البرمجيات أن يستعين بالذكاء الاصطناعي في الأعمال الروتينية أو المتكررة التي تتطلبها عملية البرمجة بانتظام، مما يمنحه المزيد من الوقت لابتكار أفكار جديدة في مجال عمله، أو بإمكان مسؤول التوظيف في الشركة توفير وقته، والتركيز على الجوانب الإستراتيجية من عملية التوظيف، مثل التحدث إلى مرشحي الوظيفة وبناء العلاقات معهم، عبر ترك مهمة صياغة إعلانات الوظائف لنماذج الذكاء الاصطناعي.
يؤكد رايان أنه خلال عام 2024، سيعتمد القادة على هذه التقنيات الجديدة المتطورة باستمرار مع تقديم الدعم لموظفيهم في الوقت نفسه، وسيعمل الموظف على تطوير مهاراته وتعليمه المستمر بما يتناسب مع مهارات الذكاء الاصطناعي والمهارات الشخصية العملية، وستكون النتيجة خلق عالم جديد من الأعمال أكثر إنسانية وأكثر إرضاء للموظفين.