كيف لعبت مراكز البيانات المدنية دورا محوريا في ترسانة جيش الاحتلال؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

في العاشر من يوليو/تموز الماضي، وصفت راشيلي ديمبينسكي قائدة وحدة مركز الحوسبة ونظم المعلومات في الجيش الإسرائيلي ضمن محاضرة بعنوان “تكنولوجيا المعلومات لجيش الدفاع الإسرائيلي” الحرب على غزة بأنها “أول حرب تقنية في العالم”، وعزز هذا الوصف أحد أفراد جيش الاحتلال قائلًا إن هذه الحرب تشن من خلال شاشات الحواسيب المحمولة، في إشارة إلى التقنيات التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

بعد مضي أكثر من 14 شهرًا على بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، أصبح من الواضح أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يدخر سلاحًا في ترسانته أثناء شن الحرب، واستخدم كافة التقنيات الحديثة بدءًا من المسيرات المتطورة وحتى تقنيات الذكاء الاصطناعي والتجسس عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي ضمن حرب الإبادة، وبما أن الحرب استمرت لفترة طويلة.
ونظرًا للدمار الكبير الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي واعتماده على التقنيات الحديثة، وجدت قيادة الوحدات التقنية للجيش نفسها أمام تحد كبير، إذ أصبحت الآن تملك أطنانًا من المعلومات الرقمية التي تحتاج إلى تخزينها دون وجود أماكن كافية للتخزين، وهو ما تسبب في توقف أنظمة الأسلحة والاستخبارات التي اعتمد عليها الجيش بشكل مكثف، ومن أجل حل هذا التحدي، اتجه جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى الشركات المدنية، وتحديدًا “أمازون” و”مايكروسوفت” من أجل الاستفادة من خدماتها السحابية وتخزين هذه البيانات لديهم.

 

 

 

امتلاء خوادم الجيش الإسرائيلي والتوجه إلى الشركات المدنية

أشار تقرير نشره موقع “+972 مجازين” (+972 Magazine) إلى الدور الذي اتخذته شركات تخزين البيانات السحابية المدنية في حرب غزة الأخيرة، وكيف لعبت دورًا محوريًا في تخزين بيانات الجيش الإسرائيلي مما عزز من جهوده في الحرب وإصابة الأهداف بدقة.

يبدأ التقرير بالإشارة إلى المحاضرة التي ألقتها ديمبينسكي، وتحديدًا، الجزء الذي أكدت فيه أن الجيش الإسرائيلي اعتمدت على تقنيات مدنية للاستمرار في عملياته داخل قطاع غزة، كما ظهر في العرض التقديمي الذي استخدمته ديمبينسكي أن “أمازون” و”غوغل” و” مايكروسوفت” كانوا الشركاء المدنيين.

وبينما لا يعد تعاون هذه الشركات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي أمرًا مفاجئًا، إذ إنه كان معلومة مؤكدة منذ ظهور فكرة مشروع “نيمبس” الذي تضمن تعاقدًا بين هذه الشركات والجيش، فإن حجم هذا التعاون ومداه كان مجهولًا حتى الآن.

ومن أجل فهم هذا التعاون بشكل أدق، يجب العودة إلى محاضرة ديمبينسكي التي تسرب تسجيل منها في “يوتيوب”، وبحسب ما تضمنته المحاضرة، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي يملك مجموعة من الخوادم السحابية ومراكز البيانات المبنية داخل قواعده يطلق عليها “منصة الأسلحة” الداخلية أو “السحابة الداخلية”.

تعمل “منصة الأسلحة” هذه على جمع المعلومات وعرضها بشكل واضح فضلًا عن تحديد أماكن الأهداف وتوجيه المسيرات وإطلاق النيران وغيرها من الأمور، ويتاح الوصول إلى هذه المنصة عبر إنشاء مجموعة من الحسابات لأفراد جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومع بدء الحرب الأخيرة على غزة، قام الجيش الإسرائيلي باستدعاء جميع الجنود الموجودين في قوائم الاحتياط إلى جانب ازدياد حجم المعلومات الواردة من قطاع غزة والتي يحتاج الجيش لتخزينها والعودة إليها.

مما تسبب في استهلاك المساحة المتاحة في مراكز بيانات “السحابة الداخلية”، وهذا اضطر الجيش الإسرائيلي لإدخال المراكز الاحتياطية في الخدمة، ولكن الضغط كان كبيرًا لدرجة أن هذه المنصة كانت تتوقف بشكل مستمر.

في تلك اللحظة، قرر الجيش الإسرائيلي التوجه إلى شركات الاستضافة السحابية، وتحديدًا، إلى شركائه المتمثلين في “أمازون” و”غوغل” و”مايكروسوفت” من أجل نقل وتخزين جزء كبير من البيانات إلى قواعد البيانات الخاصة بهم فيما يعرف باسم “السحابة المدنية”، ورغم التأكيدات الرسمية من المتحدثين في هذه الشركات والجيش الإسرائيلي.

فإن المصادر التي تحدثت مع موقع “972+” أكدت أن جزءًا كبيرًا من “منصة الأسلحة” كانت مستضافة على الخوادم الخارجية، مما جعل استخدامها أكثر فعالية وسرعة من خوادم “السحابة الداخلية”.

وأضاف التقرير أيضًا وفق عدة مصادر في وحدة الاستخبارات التابعة للجيش الإسرائيلي، أن التعاون مع مراكز البيانات السحابية المدنية أتاح لهم الوصول إلى مزايا وتقنيات الذكاء الاصطناعي المتوفرة في هذه المراكز، مما سهل أعمالهم كثيرًا.

أبعد من مشروع “نيمبس”

ذاع صيت مشروع “نيمبس” الذي كان يجمع بين “أمازون” و”غوغل” والجيش الإسرائيلي في الشهور التالية لبدء حرب غزة، ورغم أن هذا المشروع توقف بعد التظاهرات والمعارضة الشديدة من العاملين في الشركتين، فإن التعاون السري بين جيش الاحتلال والشركات المدنية تخطى “نيمبس”.

تحدث العقيد أفي دادون الذي كان جزءًا من الفريق المسؤول عن التعاقد مع الشركات السحابية المدنية عن هذا الأمر مع موقع “+972″، وأشار إلى أن الشركات السحابية كانت تتسابق للتعاون مع الجيش الإسرائيلي لكونه يمثل دعاية قوية لهم، وأكد أنهم كانوا في محادثات لبناء مشروع جديد من أجل تخزين البيانات السرية في قواعد البيانات السحابية يدعى “مشروع سيريوس” (Project Sirius)، وهو ما تؤكده الصحيفة الاقتصادية الإسرائيلية “غلوبس” (Globes) في عام 2021، إذ أشارت للشروع بأنه مخصص لتخزين بيانات أكثر سرية من “نيمبس” بما فيها بيانات “منصة الأسلحة” المستخدمة للاستهداف.

مشروع “سيريوس” هو جزء من توفير قوة حوسبية أعتى للجيش الإسرائيلي، وهي قوة تمكنه من استخدام العديد من التطبيقات التي قام بتطويرها من أجل تحديد أهدافه والتسبب في أضرار أكثر عبر الهجمات، وربما كان تطبيق “لافندر” الذي استخدمه الجيش في مطلع الحرب من أجل جمع بيانات حساسة عن مواطني غزة أحد هذه التطبيقات.

وذلك إلى جانب تطبيق آخر يدعى “زي-تيوب” (Z-Tube)، وهو تطبيق أشبه بمنصة “يوتيوب” ولكن يعرض ملايين المشاهد والمقاطع الملتقطة باستخدام أدوات المراقبة المطبقة ضد قطاع غزة، بما فيها مشاهد من المسيرات المسلحة التي يطلقها الجيش والدبابات وغيرها من مصادر التجسس المعتادة.

أحد التطبيقات الأخرى التي استخدمها جيش الاحتلال تدعى “ماب إت” (MapIT) وهو تطبيق يسمح لجنود الاستخبارات بوضع علامات على الأهداف الخاصة بهم من أجل استهدافهم لاحقًا من قبل وحدات أخرى، وهناك أيضًا تطبيق “هانتر” (Hunter) الذي كان يستخدم الذكاء الاصطناعي لتتبع الأهداف والأنماط في غزة من أجل استهدافهم في الاغتيالات لاحقًا.

وهناك العديد من التطبيقات الأخرى التي استخدمها الجيش من أجل توسيع دماره بشكل كبير بما فيها تطبيقات التجسس والتعرف على الأوجه المقدمة من “مايكروسوفت” كما وضح إيتاي بنيامين خبير الذكاء الاصطناعي في “مايكروسوفت آزور” سابقًا، وحاليًا يعمل مع “أمازون إيه دبليو إس” وهو أيضًا أحد المتعاونين مع وحدة ديمبنسيكي في الجيش الإسرائيلي.

وقد وضح بنيامين لمجموعة من المتدربين في الجيش الإسرائيلي كيف يمكنهم استخدام تطبيق التعرف على الأوجه المطور من قبل “مايكروسوفت” للتعرف على الأهداف واستعرض استخدامه للبحث عن إسماعيل هنية قائد حماس الذي استشهد في الشهور الماضية.

بالطبع لم يكن الوصول إلى هذه التطبيقات ممكنًا دون الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والقوة الحوسبية العملاقة لمراكز البيانات من “أمازون” و”مايكروسوفت” و”غوغل”، وهي التي تحاول من جانبها تطوير بيئات عمل آمنة من أجل تخزين البيانات الحساسة للاستخدامات العسكرية، وهي بيئات عمل تتيح للجيش الإسرائيلي الوصول إلى كافة قدرات الخوادم السحابية المقدمة من هذه الشركات بعيدًا عن أعين السلطات وإدارة هذه الشركات.

وهو الأمر الذي يعد محوريًا في تأمين الجيش الإسرائيلي ضد أي ملاحقات قانونية في المحاكم الدولية، وذلك لأن هذه الخوادم على الأغلب تضم معلومات تدين الجيش الإسرائيلي وتؤكد ارتكاب مجازر عرقية داخل غزة واستهداف المدنيين.

مدونات - تجسس

بدون خوادم الشركات السحابية المدنية.. هل يتغير مجرى الحرب؟

لا يمكن التيقن من أثر غياب خوادم الشركات السحابية، ولكن المؤكد أن هذه الخوادم يسرت الوصول إلى العديد من المعلومات المتعلقة بالمدنيين في قطاع غزة فضلًا عن الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي في التجسس وتوجيه الأسلحة الفتاكة، وذلك حتى إن استُخدمت لمجرد تخزين البيانات الصوتية والمرئية الناتجة عن عمليات التجسس على القطاع.

ومن جانب آخر، إن كان الجيش الإسرائيلي يملك كل هذه البيانات التي تعزز من استهدافه وتحصر أهدافه العسكرية، ورغم هذا تسبب في تدمير القطاع بشكل كبير واستهداف العديد من المدنيين وسط عملياته العسكرية، فلا يسعنا إلا التساؤل عن النتيجة لو لم يكن يمتلك هذه البيانات فضلًا عن كون هذا الأمر بمفرده يثبت للمحاكم الدولية بما لا يدع مجالًا للشك أن الهدف من الحرب كان تطهيرًا عرقيًا لسكان قطاع غزة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *