عندما كشفت “آبل” في العام الماضي عن نظاراتها للواقع الافتراضي والمعزز معًا تحولت الأنظار إلى المنافس الأكبر في هذا المجال وهو شركة “ميتا” التي طالما تغنى مديرها التنفيذي ومبتكرها مارك زوكربيرغ عن أهمية الواقع الافتراضي والواقع المعزز لدرجة أنه أطلق هذا الاسم على شركته.
ولكن في ذلك الوقت، لم تملك “ميتا” ردًا واضحًا على “آبل” وهذا ما أكده تصريح زوكربيرغ عن نظارة “آبل” للواقع الافتراضي والمعزز حيث بدأ بالدفاع عن نظارته الرائدة “كويست 3” (Quest 3) واصفًا إياها بالمنتج الأقوى والأفضل قيمة عبر مقطع نشره في “إنستغرام”، وبعد سنة و3 أشهر تقريبًا، جاء رد زوكربيرغ واضحًا عبر الكشف عن نظارة “أوريون” الجديدة للواقع المعزز من “ميتا”.
نموذج توضيحي لمستقبل نظارات الواقع المعزز
كشفت “ميتا” عن نظارة “أوريون” الجديدة وهي نموذج أولي يستعرض القدرات التقنية للشركة في تطوير وتشغيل نظارات الواقع المعزز، ورغم أننا قد لا نراها كمنتج نهائي، فإنها كشفت عن نية “ميتا” المستقبلية في هذا القطاع والتقنية التي يمكن استخدامها لتشغيل نظارات الواقع المعزز.
سعت “ميتا” مع النظارة الجديدة لتقديم ابتكار جديد تمامًا بالاعتماد على الخبرة التي اكتسبتها طوال العقد الماضي من تجاربها مع نظارات “كويست” المختلفة، وعبر مجموعة كثيفة من الاختبارات والتجارب تمكنت الشركة من مزج عدة عوامل نجاح فريدة في النظارة الجديدة، وفي مقدمتها يأتي الحجم الجديد الذي لا يختلف كثيرا عن النظارات المعتادة فضلا عن آلية التحكم الجديدة في النظارة أو نماذج التفاعل بين الإنسان والحاسوب كما وصفتها الشركة في التدوينة الرسمية للإعلان عنها.
جاءت نظارة “أوريون” الجديدة مع إطار أسمك قليلا من نظارة “راي بان الذكية” التي قدمتها “ميتا” سابقا في تعاون مع “راي بان”، ومن المتوقع أن يصبح الإطار أكثر نحافة مستقبلا عند وصول النظارة إلى المرحلة النهائية.
ومن أجل التحكم في “أوريون”، كل ما عليك فعله هو توجيه الأوامر الصوتية والتحكم فيها عبر حركة العين والذراع فضلًا عن سوار كهربائي يتم تثبيته في الذراع من أجل تتبع حركتها ونقلها إلى النظارة، وبدلًا من الاعتماد على الأسلاك لتوصيل النظارة مع وحدة المعالجة الخارجية، فإن “ميتا” اعتمدت على وحدة معالجة خارجية لاسلكية تتصل مباشرة بالنظارة.
عدسات مبتكرة
اعتمدت “ميتا” على الابتكار في كافة جوانب “أوريون”، بدءًا من التصميم وحتى العدسات، وبدلًا من أن تعتمد على عدسات زجاجية أو بلاستيكية كما جرت العادة مع النظارات المعتادة، فقد اعتمدت الشركة على مركب كيميائي يدعى “كربيد السيليكون”، وهو مزيج من الكربون والسليكون يتمتع بالعديد من الخواص الفريدة من نوعها ويمكن أن يعمل بدلًا من أشباه الموصلات ذات فجوة النطاق العريض فضلًا عن تمتعه بمؤشر انكسار عال يتيح له عرض الصورة الناتجة من أجهزة العرض الصغيرة الموجودة في النظارة.
يعني هذا أن النظارة تمتلك مجموعة من أجهزة العرض الصغيرة المثبتة بها، ثم تطلق هذه الأجهزة شعاعًا يصعب رؤيته بالعين المجردة ناحية العدسات التي تقوم -بدورها- بعكس الصورة بشكل واضح للغاية أمام العين، ورغم هذه الآلية المبتكرة، فإن العدسات ليست مظلمة بالكامل، بل هي داكنة بعض الشيء بشكل يتيح للمستخدم رؤية الطريق أمامه أو تعابير وجوه الأشخاص المحيطين به.
كما تملك النظارة زاوية رؤية تصل إلى 70 درجة، وهذا يعد أفضل كثيرا من المنافسين مثل “كويست 3 إس” (Quest 3s) الجديدة التي كشفت عنها “ميتا” مؤخرًا، وهي تتمتع بزاوية رؤية 96 درجة، إذ إن زاوية الرؤية كلما انخفضت ضمنت مساحة عرض ورؤية أكبر، وهذا يجعل زاوية الرؤية الخاصة بها أقرب إلى العدسات واسعة الزاوية للغاية.
نظام تشغيل مبتكر
في الأشهر الماضية، قامت “ميتا” بإتاحة نظام التشغيل الخاص بنظارات الواقع الافتراضي لها بشكل مفتوح المصدر، ورغم هذا، فقد احتفظت بنظام تشغيل “أوريون” سرًا لم تكشف عنه، إذ تحدث زوكربيرغ بكثافة عن ما يمكن القيام به عبر النظارة دون التطرق إلى اسم نظام التشغيل أو نوعه.
نشر موقع “سي إن بي سي” (CNBC) تجربة حية للنظارة، وخلالها وصفت جوليا بورستين الصحفية في الموقع هذه التجربة، وأشارت إلى أن النظارة تملك مجموعة من الأيقونات لتطبيقات مثل “فيسبوك” و”إنستغرام” فضلا عن متصفح للإنترنت وبعض الألعاب، وهذه الأيقونات لم تكن تغطي على البيئة المحيطة بها بشكل كامل، بل كانت مندمجة معها كليا كأنها شفافة.
وصفت بورستين هذه التجربة بأنها أقرب لرؤية “الهولوغرام” محيطا بها، دون أن يكون خارجا عن البيئة المحيطة به أو دخيلا عليها، وأتبعت وصفها قائلة بأنها تجربة طبيعية للغاية وليست غريبة، كما تمكنت النظارة من التعرف على بعض مكونات الطعام الموجودة أمام بورستين في التجربة ثم عرض وصفة ملائمة لاستخدام هذه المكونات، وفضلا عن ذلك قامت بتجربة لعبة “بينغ بونغ” وكانت تبدو واقعية للغاية وثابتة فوق الطاولة الموجودة أمامها.
ولكن التجربة التي أكدت تفرد النظارة كانت محادثات الفيديو، إذ تقدم تجربة محادثات فيديو ثلاثية الأبعاد فريدة من نوعها وواضحة للغاية كأن الشخص الآخر يجلس أمامك، وهذا كان أحد الجوانب التي أكد عليها زوكربيرغ في كشفه عن النظارة مشيرا إلى كونها من أهم المزايا فيها.
بالطبع يمكن استخدام النظارة لمشاهدة مقاطع الفيديو والاستماع للموسيقى أو حتى قراءة الصحف والأخبار اليومية بشكل طبيعي للغاية، ويمكن التحكم فيها بكل سهولة عبر سوار الذراع الكهربائي.
متى تصدر “أوريون”؟
لم توضح “ميتا” موعد صدور النظارة، وبما أنها نموذج أولي لما تبدو عليه النظارة النهائية، فقد لا تخرج “أوريون” بشكلها الحالي إلى النور أبدا، وبدلا من ذلك تطلق الشركة نموذجا أكثر نحافة وأفضل.
وفي الوقت الحالي، تظل “أوريون” نموذجا أوليا وعُدة اختبار للمطورين حتى يتمكنوا من تجربة نظام تشغيل النظارة الجديد وآلية العمل الخاصة بها، وكيف يمكن لهم استخدامها بشكل مناسب مع تطبيقاتهم.
وبناء على هذا، فمن الصعب توقع سعر النظارة النهائية على الإطلاق، ولكن الشركة أكدت أنها لن تزيد عن سعر هاتف “آيفون 16 برو ماكس” أو حاسوب محمول رائد.
منافس شرس أمام “آبل”
أذهلت “آبل” في العام الماضي العالم عندما كشفت عن نظارتها للواقع الافتراضي والمعزز بفضل البرمجيات الفريدة الخاصة بها والتصميم المميز للغاية، ولكن ظل سعر النظارة حاجزا كبيرا أمام العديد من المستخدمين فضلا عن حجمها الكبير.
ولكن إن صدقت “ميتا” في تجربتها للنظارة وقدمت منتجًا نهائيا بسعر مناسب وحجم يمكن استخدامه بسهولة، فإن هذا يضع نظارة “آبل” للواقع الافتراضي في موقع محرج للغاية بفضل وجود منافس أكثر قوة وأقل سعرا وأخف وزنا.
هذه المزايا بمفردها تجعل الوصول إلى النظارة وانتشارها في مختلف المجتمعات أمرا سهلا، ويمكن تشبيه هذا الأمر بامتلاك هاتف ذكي ذي سعر مناسب ومزايا قوية مما يجذب إليه المستخدمين من كافة الفئات.
ويظل السؤال الحقيقي الذي يحدد مستقبل النظارة، هل تنجح “ميتا” في تقديم ما وعدت به؟