نقلت “آبل” منذ الجيل السابق من هواتف “آيفون” بشكل جزئي عمليات تصنيع هاتفها الرائد إلى المصانع الجديدة التي أنشأتها في الهند، وهي خطوة للابتعاد عن الصين التي تعرضت للعديد من المشاكل في السنوات الماضية، ورغم مخاوف العديد من الخبراء من الانتقال إلى مصانع الهند فإن “آبل” مضت في خطتها مع “آيفون 15″ و”آيفون 16”.
لكن يبدو أن هذه الخطة لا تسير على ما يرام، إذ خرجت الإصدارات الأولى من الجيل السابق لأجهزة “آيفون 15” مع العديد من المشاكل، وهي المشاكل التي استمر ظهورها أيضا في الإصدارات الأولى من “آيفون 16″، والآن احترق مصنع شركة “تاتا”، وهو أكبر مصانع الهند التي تتعامل مع “آبل”.
هذه المشاكل والأزمات جميعا تدفعنا إلى التساؤل، هل تنجح “آبل” حقا في الانتقال بعيدا عن الصين؟ أم يظل مستقبل منتجات التفاحة الأميركية رهنا في أيدي العمالة الصينية؟
لماذا تحاول “آبل” الابتعاد عن الصين؟
تتنوع الأسباب التي قد تجعل شركة “آبل” تحاول الهرب من الصين ومصانعها إلى أي مكان آخر في العالم، وربما تبدأ هذه التحديات والمشاكل عند القوانين والعقوبات التي تطبقها الحكومة الأميركية على الشركات التي تتعامل مع الصين، فضلا عن المنتجات المصنوعة هناك.
ورغم أن وضع “آبل” باعتبارها شركة أميركية كان كفيلا بحمايتها في السنوات الماضية فإن الحكومة الأميركية قد تصدر قانونا في أي وقت يمنع صادرات الشركة من الصين أو يحظر تعاملها مع المصانع الصينية، وهو ما يؤدي إلى انقطاع سلاسل الإمداد المسؤولة عن تسليم هواتف “آيفون” إلى مختلف بقاع العالم مؤثرة بالسلب على قيمة الشركة وأرباحها.
وعلى الجانب الآخر، يجب عدم إهمال القوانين الصينية التي أثرت سابقا في عمليات تصنيع هواتف “آيفون 14″، إذ تسببت هذه القوانين مثل قانون “زيرو كوفيد” في توقف مصنع تشنغتشو الذي يعد أكبر مصنع لأجهزة “آيفون” في العالم، ويمكن القول إن هذا المصنع يمثل مدينة كاملة مسخّرة لإنتاج هواتف “آبل” الرائدة.
وهناك أيضا المشاكل المعتادة التي تلحق بالمصانع الصينية بشكل عام من وضع العمالة السيئة وظروف العمل غير الآدمية، وهي جميعا أمور تؤثر سلبا في صورة الشركة التي تسعى إلى خفض بصمتها الكربونية وترك أثر إيجابي في الكوكب.
وقد تضافرت كل هذه العوامل معا ودفعت الشركة إلى البحث عن موقع جديد لبناء مصانع “آيفون” أو التعاقد مع مصانع موجودة سابقا، لذا بدأت الشركة رحلة إيجاد أماكن مناسبة ذات عمالة ماهرة منخفضة التكاليف.
الاستثمار في الهند بكثافة
وجدت “آبل” في الهند حلا مثاليا للمشكلة التي تواجهها الشركة، إذ تملك الهند عددا كبيرا من مصانع الإلكترونيات ذات المستوى المرتفع والعاملة في قطاعات مختلفة مثل أجهزة التلفاز والهواتف والحواسيب فضلا عن السيارات، كما أن العمالة الهندية تتمتع بمستوى حرفي يقترب من مثيلاتها في الصين وتكاليف منخفضة أيضا.
لذا، بدأت الشركة في الاستثمار بالمصانع الهندية، ومن ضمنها مصنع شركة “تاميل نادو” الذي حاز على استثمار وصلت قيمته إلى 4.4 مليارات دولار وفق تقرير “رويترز”، وذلك بهدف رفع كفاءة المصنع وإضافة مبانٍ جديدة له حتى يتناسب مع اشتراطات “آبل” المعقدة في عملية تصنيع الهواتف.
وفضلا عن ذلك أعلنت الشركة عن خطة لتصنيع أكثر من 50 مليون جهاز “آيفون” في مصانع الهند مع نهاية عام 2023، ومن المفترض أن يتم بناء هذه الهواتف وشحنها خلال العامين التاليين، أي حتى نهاية عام 2025، وهذا يشمل فترة الإنتاج لهواتف “آيفون 15″ و”آيفون 16″ و”آيفون 17”.
يذكر أن الشركة بدأت بالفعل في تنفيذ هذه الخطة، إذ صنعت أكثر من 7% من هواتف “آيفون” في المصانع الهندية، ولكن لم توضح الشركة عدد الهواتف المصنوعة في الهند أو إن كان الطراز بأكمله انتقل للصناعة في الهند، إذ ظلت مبيعات الهاتف مختلطة بين المصانع الهندية والصينية.
بداية المتاعب مع “آيفون 15” ثم “آيفون 16”
كان جيل هواتف “آيفون 15” أحد أوائل أجيال الهواتف التي تطلقها “آبل” بشكل كبير من المصانع الهندية، وتزامنا مع هذا الإطلاق واجه الهاتف العديد من مشاكل التصنيع المختلفة، ولكن أبرزها كان ارتفاع درجة حرارة الهاتف بشكل كبير بعد الاستخدام، إذ ظهرت مجموعة متنوعة من الشكاوى عبر منتديات الشركة الرسمية و”ريديت”.
ولم تقتصر مشاكل الإطلاق في “آيفون 15” على الحرارة فقط، بل امتدت إلى الهيكل الذي كان يسهل تحطيمه والإطار من التيتانيوم الجامع للبصمات، فضلا عن وجود ذرات من التراب تحت غطاء العدسات للهواتف التي تم شراؤها للتو، وهي جميعا مشاكل تشير إلى تحديات في ضمان الجودة والرقابة على خطوط التصنيع الخاصة بالهاتف.
يشار إلى أن هذه المشاكل لم تكن موجودة سابقا مع هواتف “آيفون 14″، فضلا عن أن “آيفون 15” صنع بشكل كامل في الهند، وهو ما ينذر بوجود متاعب في مصانع الهند.
واستمرت هذه المتاعب مع “آيفون 16” الذي عانى من مشاكل الحرارة ذاتها الموجودة في “آيفون 15” رغم أن “آبل” استخدمت أسلوب تبريد جديدا وزادت حجم الهيكل ليستطيع توزيع الحرارة بشكل أفضل، لكن استمرت معاناة الهواتف من هذه المشكلة.
كذلك، عانت الهواتف من بعض المشاكل في الشاشة التي تم تركيبها بشكل خاطئ متسببة في ظهور خطوط خضراء فور تشغيل الهاتف إلى جانب المشكلة الكبرى، والتي تمثلت في مسافة فارغة كبيرة بين حد الشاشة السفلية وهيكل الهاتف، وهي مسافة كبيرة تكفي لأن يتم إدخال ورقة فيها، مما يعني أنها تجمع الكثير من الأتربة والمياه وربما تسبب تلف الشاشة كليا.
وحتى تكتمل المشاكل فقد احترق مصنع “تاتا” التابع لشركة “تاميل نادو”، والذي استثمرت فيه “آبل” أكثر من 4 مليارات دولار، وبحسب التقرير الذي نشره موقع “بيزنس ستاندرد” فإن هذا الحريق يخفض إنتاج “آيفون 16” بمعدل 15% تقريبا.
ماذا بعد؟
لم تكن علاقة “آبل” والمصانع الصينية مثالية بسبب العديد من التحديات المختلفة، والتي تنبع من الخلافات السياسية إلى جانب خلافات القوانين، ولكنها في النهاية كانت تضمن إنتاج هواتف “آيفون” ذات جودة عالية، سواء كان عبر الفحص الذي يتم على خط الإنتاج مباشرة أو عبر معامل الفحص التي تمولها “آبل” مباشرة.
لذا، هل تستمر “آبل” في دعم خطتها للانتقال إلى المصانع الهندية هربا من الصين؟ أم نرى عودة مؤقتة للصين لتجنب التحديات والمشاكل التي ظهرت في المصانع الهندية؟