كان ريان لاستيموزا يمر بفترة نقاهة بمنزله بعد أن أجرى عملية جراحية عندما تلقى رسالة نصية من رئيسه في العمل بشركة “ريسبون إنترتينمنت” لإنتاج الألعاب الإلكترونية، يخبره فيها بأنهما بحاجة إلى التحدث.
وعند محادثته أبلغ رئيس الشركة لاستيموزا -وهو مدير قسم الابتكار- بأن الشركة ألغت لعبة إلكترونية يؤديها لاعب بمفرده، وذلك بعد مرور نحو عام ونصف العام على تطويرها لصالح الشركة التي مقرها ضاحية تشاتسوورث بمدينة لوس أنجلوس، وبالتالي تعرض لاستيموزا وفريقه المكون من 47 فنيا لفقدان وظائفهم، بعد أن عمل مع الشركة منذ تأسيسها قبل 13 عاما.
وذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز أنه من ناحية أخرى، أعلنت شركة “إلكترونيك آرتس” -ومقرها مدينة ريدوود شمالي ولاية كاليفورنيا- في مارس/آذار الماضي أنها ستقلص العمالة فيها بنسبة 6%، وهو ما يعني إلغاء 800 وظيفة، إلى جانب خفض مساحة مكاتبها، وذلك وسط عملية لإعادة الهيكلة من أجل التركيز على “الأولويات الإستراتيجية”.
ويقول الخبراء إن صناعة ألعاب الفيديو صححت مسارها، على مدى العام الماضي بعد أن نعمت بفترة من النمو السريع، حيث تكيف الناشرون والمطورون مع انخفاض الطلب عقب انتهاء جائحة كورونا، إلى جانب ارتفاع كلفة الإنتاج وتزايد المنافسة في هذا القطاع.
وتشير تقديرات صناعة الألعاب الإلكترونية إلى أنه سُرّح نحو 6500 من العاملين في هذا المجال على مستوى العالم منذ يناير/كانون الثاني الماضي، ومنهم مئات من الشركات العاملة في كاليفورنيا. ويجزم عدد من المراقبين أن الرقم الحقيقي قد يكون أكبر بكثير من الرقم المعلن، لأن عددا من الشركات لم تفصح عن الوظائف التي خفضتها.
وأثّر إلغاء هذه الوظائف سلبا في شركات ألعاب الفيديو والتكنولوجيا، وعلى الرغم من أن خفض العمالة يمثل جزءا صغيرا من إجمالي قوة العمالة بهذه الصناعة، يرى كثير من الخبراء أن تقليص العاملين الذي حدث العام الماضي، كان حادا بشكل خاص بالنسبة لعام كان يمكن في ظروف مختلفة أن يسوده النجاح لألعاب الفيديو.
ويعلق كبير واضعي الإستراتجيات على المستوى العالمي بمعهد ميلكن للدراسات الاقتصادية بكاليفورنيا كيفين كلودن، على هذا التطور فيقول: “إننا نرى موجة من الشركات التي توسعت بشكل مبالغ فيه، أو وظفت مبرمجين استنادا إلى توقعات بحدوث توسع، وفي كل مرة يحدث فيه اندماج كبير بين الشركات يكون هناك تأثير ملحوظ على التوظيف”.
وفي هذا الشهر خفضت شركة “نيوزو” للبيانات -ومقرها أمستردام- توقعاتها لإيرادات شركات ألعاب الفيديو على المستوى العالمي لعام 2023، لتصل إلى 184 مليار دولار، بزيادة نسبتها 0.6% مقارنة بالعام السابق، ولكن بانخفاض من الإيرادات التي توقعتها الشركة في وقت سابق لعام 2023 وبلغت 187.7 مليار دولار.
وذكرت شركة “نيوزو” أنه من المتوقع أن تجني السوق العالمية للألعاب الإلكترونية إيرادات سنوية تصل إلى 205.7 مليارات دولار عام 2026.
وتقول الرابطة التجارية لشركات صناعة ألعاب الفيديو في الولايات المتحدة، إن خفض الكلفة بإلغاء الوظائف، كان له تأثير مضاعف في كاليفورنيا التي يوجد بها نحو 720 شركة لإنتاج ألعاب الفيديو، منها نحو 700 شركة تعمل في مجال نشر وتطوير الألعاب الإلكترونية والبرمجيات، ويوجد العديد من الشركات الكبيرة لنشر الألعاب بالقطاع الجنوبي من كاليفورنيا، من بينها أكتيفزيون وبليزارد إنترتينمنت وريوت جيميز، إلى جانب مقر شركة سيغا لأميركا الشمالية.
وتشير البيانات المتاحة لعام 2022 إلى أن عدد العاملين بصناعة ألعاب الفيديو في ولاية كاليفورنيا، بلغ أكثر من 152 ألف موظف، وبلغ حجم التأثير الاقتصادي لهذه الصناعة في ذلك العام 54.1 مليار دولار.
وتوضح أوبري كوين النائب الأول لرئيس رابطة شركات صناعة ألعاب الفيديو في الولايات المتحدة، أنه “في الولايات المتحدة وحدها نما حجم هذه الصناعة بمعدل ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي من 15.2 مليار دولار عام 2012 إلى 56.6 مليارا عام 2022، ولم تشهد أية صناعة أخرى في مجال الترفيه هذا القدر من النمو”. وتقول إنه رغم التخفيضات في الوظائف، لا تزال ألعاب الفيديو صناعة آخذة في النمو.
وتضيف كوين أن “أجور هذه الوظائف عالية، وتمثل ضعف متوسط المرتبات على مستوى الولايات المتحدة، ويمارس أكثر من 212 مليون أميركي ألعاب الفيديو بانتظام، وبالتالي فإن الطلب على الألعاب الرائعة والجذابة لا يتراجع”.
وفي حالة لاستيموزا، يقول إنه استطاع أن ينسق مع إدارة الشركة للعثور على وظائف لكثير من أفراد فريقه. وهو يرى أن النمو المبالغ فيه لهذه الصناعة الذي شهدته فترة تفشي جائحة كورونا، يعد أحد أسباب التخفيضات في الوظائف خلال العام الحالي.
ويضيف: “لدينا كثير من المستثمرين، وكثير من النماذج المختلفة من الأموال التي يتم استثمارها بكثافة في تطوير الألعاب في حالة ملاحظة المستثمرين الزيادة الهائلة في عدد الأشخاص الذين يرغبون في ممارسة هذه الألعاب ويبقون في المنازل ويشترون كثيرا من الأشياء من المواقع الرقمية”.
وردا على الاضطراب الذي شاب هذه الصناعة، دشن أمير ساتفات -الذي يعيش في ولاية كونيتيكت الأميركية- على الإنترنت سبعة من مصادر التوظيف في مجال الألعاب الإلكترونية تتضمن دليلا للوظائف ومكانا لتسجيل الراغبين في التوظيف، بحيث يمكنهم عبرها التواصل مع أصحاب الشركات.
ويقول ساتفات إن عدد العاملين في مجال الألعاب الإلكترونية على مستوى العالم يبلغ 350 ألف شخص، ويشير في تقدير له إلى أن إلغاء 6500 وظيفة يمثل فقط ما نسبته نحو 2% من إجمالي العاملين في هذه الصناعة، ويضيف أنه مع ذلك لا تزال هذه التخفيضات “تثير القلق إلى حد كبير”، حتى لو كانت نسبتها صغيرة.
ويوضح أن ثمة عدة عوامل أسهمت في خفض الوظائف، فبالإضافة إلى عدم اليقين الذي أعقب انتهاء جائحة كورونا، وما نجم عن عمليات الاستحواذ بين هذه الشركات، نجد سببا آخر يتمثل في التزايد الكبير في عدد الشركات التي تحاول أن تجد لها مكانا في مجال البث المباشر لهذه الألعاب، وكذلك تزايد المنافسة من وسائل الترفيه الأخرى التي تجذب ممارسي الألعاب الإلكترونية الذين ليس لديهم مزيد من الوقت يقضونه أمام الشاشات.