ينعقد المؤتمر الـ28 للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28) بدولة الإمارات بداية من اليوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني ولمدة أسبوعين، وذلك في ظل ظروف استثنائية تقتضي من دول العالم تجاهل أي تداعيات سياسية تؤثر على مخرجات القمة. ومع ذلك، فإنه رغم تلك الظروف، لا يزال العمل المناخي مقيدا بنظرة البعض له على أنه “تضحية”.
وطالب خبراء وفاعلون في العمل المناخي بضرورة تنحية حالة الاستقطاب السياسي الحادة التي أثارتها المواقف الدولية من القضايا المختلفة، وآخرها الحرب في غزة، والعمل على تحقيق إنجاز مناخي في “كوب 28″، بعد أن أشار أول تقييم لما أحرزه نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ لعام 2015 إلى أن العالم الذي واجه هذا العام درجات حرارة استثنائية، أصبح بعيدا كل البعد عن تحقيق هدف الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية ليكون معدل الزيادة السنوية في حدود 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
وبينما تحوم شكوك حول إمكانية تجاوز حالة الاستقطاب السياسي، فإنه حتى في حالة تجاوزها هناك مشكلة أخرى رصدتها دراسة لباحثين من جامعات أميركية وكندية وبريطانية، وهي تلك التي تتعلق بالنظر إلى الجهود المناخية على أنها “تضحية”.
وانتقد الباحثون في مقال نشروه نشروه عن تلك الدراسة بموقع “ذا كونفرسيشن”، تركيز العمل المناخي على الإقناع بتقديم التضحيات لإنقاذ كوكب الأرض، واعتبروا أن هذا الأسلوب هو أسوأ ما يمكن فعله لتحفيز العمل المناخي قائلين: “من الطبيعي أنك عندما تطلب من شخص ما أن يضحي، فمن المرجح أن يقدم لك قائمة بالأسباب التي تمنعه من القيام بذلك”.
واقترح الباحثون في دراستهم المنشورة بدورية “إس إيه جي إي جورنال” نهجا بديلا، وأشاروا إلى أنه “عوضا عن شرح لماذا يجب عليك التضحية من أجل المناخ، وضّح لماذا يعتبر العمل المناخي واجبا وليس تضحية”.
لا مكان آمن
ويجادل من يعتبرون أن العمل المناخي “تضحية”، بأن الدول الغنية المسؤولة عن الانبعاثات ليس لديها ما تخشاه من تغير المناخ، ولكنها قد تخسر الكثير اقتصاديا نتيجة للاستجابة للضغوط التي تمارس عليها في قمم المناخ بشأن خفض الانبعاثات، وبالتالي تكمن المشكلة في إقناع الدول الغنية بالتضحية من أجل الدول الأكثر فقرا والتي هي أكثر عرضة للخطر.
ويرى الباحثون في دراستهم، أن تبني هذا “الوهم” يعني أن أصحابه يغضون الطرف عن حالات مناخية قاسية وقعت عام 2023 وطرقت بقوة جرس إنذار مناخي مؤداه أنه “لا يوجد مكان آمن من تغير المناخ”.
وشهدت قارة أوروبا حالات جفاف اسثنائية، وكانت كندا على موعد مع مشهد غير مسبوق من حرائق الغابات، وحطم الطقس القاسي الأرقام القياسية في الولايات المتحدة، حتى إن الرابطة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بأميركا قالت في تقرير أصدرته في سبتمبر/أيلول الماضي، إن “عام 2023 تجاوز قبل نهايته بأربعة أشهر الرقم القياسي السابق البالغ 22 حدثا مناخيا متطرفا والذي شوهد في عام 2020 بأكمله”.
وخلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 شهدت الولايات المتحدة 23 كارثة جوية ومناخية منفصلة بخسائر قدرت بمليار دولار، وهو أكبر رقم منذ بدء السجلات.
ووفقا لذلك، فإن الرسالة الأولى التي يؤكدها الباحثون إزاء مفهوم العمل المناخي “واجب” وليس “تضحية”، هي أن الظواهر المناخية المتطرفة لا تفرق بين غني وفقير ودول نامية وأخرى متقدمة.
عدم تمرير المسؤولية
ويستند مفهوم “التضحية” في العمل المناخي أيضا إلى اعتقاد سائد بأن تغير المناخ يحدث ببطء شديد بحيث لا يمكن لخفض الانبعاثات أن يحدث فرقا في حياتنا، ومن هذا المنطلق يرون أن أي تضحية تؤدي لخفض الانبعاثات ستدفع ثمنها الأجيال الحالية، ولكن كل الفوائد تذهب إلى المستقبل.
وعلميا، لا يستند هذا المنطق إلى أي حقائق، فقد توصلت الأبحاث إلى أن تأثيرات التبريد الناجمة عن تخفيف الانبعاثات ستبدأ في غضون عقدين من الزمن من بداية التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، كما أن العديد من الفوائد المشتركة للتخفيف مثل تحسين نوعية الهواء، هي أيضاً فوائد فورية، فوفقا لتقدير حديث فإن تلوث الهواء الناجم عن حرق الوقود الأحفوري يقتل ما يقرب من 8.7 ملايين شخص سنويا.
وإذا كان من الصعب إقناع هؤلاء بالعلم وما توصلت له الدراسات من نتائج، فإنه من منطق “الواجب” الذي تدعمه الدراسة، ستكون الرسالة الثانية التي يؤكدها الباحثون لدعم مفهوم “الواجب”، إقناع هؤلاء الناس بعدم “تمرير المسؤولية” إلى الأجيال التي لم تولد بعد.
منع “الركوب المجاني”
وتظهر نزعة المصلحة الذاتية في منطق آخر يستند إليه مفهوم “التضحية” في العمل المناخي، وهو أن أي استثمار يتم تنفيذه لخفض الانبعاثات سيكون بمثابة “تضحية”، لأن الفائدة ستعود على الجميع بغض النظر عن حجم المشاركة في خفض الانبعاثات.
وتدفع النزعة “الأنانية” التي يستند إليها هذا المنطق الحكومات إلى التراجع عن أي استثمارات، والإصرار على أن يتحمل الآخرون أيضا تكاليف خفض الانبعاثات، وهذا يشير إلى أن المشكلة تكمن في منع “الركوب المجاني”.
ولا يستند هذا المنطق هو الآخر إلى العلم، حيث تشير دراسات إلى أن “التحول إلى الطاقة المتجددة والذي يمكن أن يساهم في خفض الانبعاثات، هو استثمار من المرجح أن يحقق وفورات اقتصادية أكبر كلما تم البدء فيه مبكرا”.
ويقول الباحثون في دراستهم إن “التحول الأخضر له تكاليف أولية، وستكون له في المستقبل القريب فوائد اقتصادية مباشرة، وأخرى غير مباشرة تتمثل في تقليل فاتورة الأمراض الناتجة عن تلوث الهواء”.
لذلك، فإن الرسالة الثالثة التي يحاول الباحثون تمريرها من خلال دراستهم هي أن أي استثمار داخلي في “الاقتصاد الأخضر” سينعكس على مناخ العالم، ولكن ستستفيد منه الدول محليا بشكل كبير من الناحية الاقتصادية والبييئة.
إدارة مختلفة لملف المناخ
وتجد هذه الرسائل الثلاث التي أرسلها الباحثون من خلال دراستهم، قبولا وتأييدا لدى حسن أبو النجا نائب رئيس منتدى الشرق الأوسط للمياه، والذي أوضح في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”، أن إدارة ملف المناخ تحتاج إلى الخروج عن إطار العمل المعتاد وصياغة نظام جديد تشارك فيه كل الدول.
وقال: “تغير المناخ مشكلة عالمية يجب أن يتكاتف الجميع لحلها، ولن يحدث ذلك إلا من خلال صياغة نظام جديد بالتزامات وأفكار جديدة، ويكون الاقتصاد الأخضر أحد أبرز بنوده”.
وأضاف: “هناك عقبات تحول دون التحول للاقتصاد الأخضر، ولكن في المقابل هناك تحديات تفرض علينا ضرورة العمل على تذليل تلك العقبات، فمثلا في دولة مثل ألمانيا التي واجهت العام الماضي فيضانات تسببت بوفاة 100 شخص بإحدى القرى، بدأت تدرك أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر لمحاولة السيطرة على تغيرات المناخ ضرورة وجودية”.
ولكن، حتى يكون هناك تأثير فعال لهذا التوجه، يجب أن يكون هناك إجماع عالمي على تنفيذه، وما يعوق هذا الإجماع ما يلي:
- العقبات السياسية: حيث يمكن أن يؤدي عدم كفاية الإرادة السياسية والافتقار إلى سياسات متسقة والخلافات بين صناع السياسات، إلى إبطاء تنفيذ المبادرات الخضراء.
- عوامل اقتصادية: قد تؤدي التكاليف الأولية المرتفعة المرتبطة بالبنية التحتية وتقنيات الطاقة المتجددة إلى إعاقة الاستثمار.
- القيود التكنولوجية: قد لا تكون بعض التقنيات الخضراء قد تم تطويرها بالكامل أو لم تكن فعالة من حيث الكلفة مقارنة بالبدائل التقليدية الأكثر تلويثا، مما يحد من اعتمادها على نطاق واسع.
- البنية التحتية والخدمات اللوجستية: غالبا ما يتطلب التحول إلى الاقتصاد الأخضر تغييرات كبيرة في البنية التحتية، مثل تحسين وسائل النقل العام، وإنشاء شبكات شحن للسيارات الكهربائية، وتحديث شبكات الطاقة، ويمكن أن يكون هذا مكلفا ويستغرق وقتا طويلا.
- التعاون العالمي: تغير المناخ والقضايا البيئية هي مشاكل عالمية، ومن الممكن أن يؤدي الافتقار إلى التعاون والاتفاقات الدولية إلى إعاقة التقدم نحو الاقتصاد الأخضر، حيث إن الإجراءات في إحدى المناطق قد تتأثر بالأنشطة في أماكن أخرى.
ويحمل بيان أصدرته منظمة “غرين بيس” قبل ساعات من عقد مؤتمر الأطراف “كوب 28″ تأكيدا أن حلول كثير من هذه العقبات أصبحت متاحة الآن، وأن الكثير من تقنيات التحول نحو الاقتصاد الأخضر أصبحت أرخص من أي وقت مضى”.
وقالت المنظمة في بيانها الذي تلقت “الجزيرة نت” نسخة منه إنه “بعد انقضاء عام آخر من درجات الحرارة القياسية، سيكون تأخير العمل المناخي كارثيا بالنسبة للمجتمعات التي تواجه آثار أزمة المناخ بشكل يومي”.