أظهرت دراسة حديثة أن نحل العسل أثناء حمله للرحيق يتمتع بقدرة مذهلة على ضبط سلوك طيرانه لتجنب ارتفاع درجة حرارة جسمه عند ارتفاع درجات حرارة الهواء، وذلك عن طريق خفض تردد ضربات أجنحته وزيادة سعة ضربة الجناح. وكانت الدراسة تهدف إلى تحديد مدى تأثير ارتفاع درجات حرارة الهواء على قدرة نحل العسل على البحث عن الرحيق.
وتشير الدراسة التي أجريت على نحل العسل الغربي أن الباحثين قاسوا درجات حرارة عضلات الطيران لدى النحل، والتمثيل الغذائي، ومدى فقدان نحل العسل الذي يحمل الرحيق للماء، وجرت هذه التجارب داخل غرفة طيران يمكن التحكم بدرجة حرارتها لتحديد قدرة الحشرات على الطيران في درجات حرارة الهواء المرتفعة.
ولتحديد كيف يمكن لحامل الرحيق أن يغير سلوك الطيران، استخدم العلماء أيضا مقاطع فيديو عالية السرعة للنحل الطائر لقياس التغيرات في كيفية رفرفة أجنحته قبل وبعد ارتفاع درجات الحرارة.
وأظهر النحل الذي يطير عند حرارة هواء تقدر بـ40 درجة مئوية؛ أن متوسط ترددات ضربات جناحه ومعدلات استقلابه أثناء الطيران وإنتاج حرارة استقلابية؛ أقل من النحل الذي يطير عند حرارة تقدر بـ25 درجة مئوية.
كما وجد الباحثون أن درجات حرارة عضلات الطيران تزداد خطيا مع وجود وزن زائد على النحلة من أحمال الرحيق عند درجات حرارة الهواء البالغة 20 أو 30 درجة مئوية، ولكن اللافت للنظر أنه لم يكن هناك أي تغيير في درجة حرارة العضلات مع زيادة أحمال الرحيق عند درجة حرارة الهواء البالغة 40 درجة مئوية، فقد كان النحل الطائر المحمل بالرحيق قادرا على تجنب ارتفاع درجة الحرارة عند 40 درجة مئوية عن طريق تقليل معدلات التمثيل الغذائي أثناء الطيران، وزيادة التبريد التبخيرى عند ارتفاع درجة حرارة الجسم.
وظهر هذا بوضوح عند تحليل مقاطع الفيديو عالية السرعة لنحل العسل وهو يطير في درجات حرارة الهواء المرتفعة، حيث بدا أن النحل يزيد من كفاءة الطيران عن طريق خفض تردد ضربات أجنحته وزيادة سعة ضربة الجناح لتعويض القوة الانتقالية، مما يقلل الحاجة إلى التبريد عن طريق تبخير الماء من الجسم والذي قد يؤدي إلى الجفاف.
كيف يمكن للحشرات الكبيرة أن تنظم حرارتها؟
وتستطيع الحشرات الطائرة الكبيرة أن تنظم حرارتها إلى حد كبير، إلا أن درجات حرارة أجسامها عادة ما تستمر في الارتفاع مع ارتفاع درجة حرارة الهواء الخارجي.
ويمكن أن تؤدي درجات حرارة الجسم المرتفعة إلى تقليل فترات بحث الحشرة عن الطعام والطيران، أو حتى موت الحشرات. لذا تتجنب معظم الحشرات الإجهاد الحراري عن طريق تغيير الوقت من اليوم الذي تنشط فيه. ومع ذلك فإن العديد من الحشرات الاجتماعية بما فيها نحل العسل يجب أن تبقى نشطة بغض النظر عن الإجهاد الحراري، وذلك لضمان نمو وبقاء المستعمرة. كما يمكن لبعض الحشرات أن تبرّد أجسامها بتبخير الماء لتفادي الإجهاد الحراري، ولكن هذا قد يؤدي إلى الجفاف.
وهنا تأتي هذه الطريقة لتنظيم الحرارة والتي ركزت عليها الدراسة، حيث يمكن للعديد من أنواع الحشرات تجنب ارتفاع درجة الحرارة عن طريق خفض ترددات ضربات أجنحتها وبالتالي تقليل إنتاج الحرارة الأيضية عند الطيران في درجات حرارة الهواء المرتفعة.
وتقلل هذه الإستراتيجية السلوكية الأخيرة من خطر الجفاف، لكن خفض تردد ضربات الجناح دون تغيير الجوانب الأخرى من حركيات الجناح سيقلل من الرفع الديناميكي الهوائي للحشرة وتوليد الطاقة الميكانيكية، ويحد من قدرتها على نقل كميات كبيرة من الرحيق وحبوب اللقاح إلى الخلية، لذا فإن النحلة بجانب تقليل ضربات الجناح تعمل على زيادة سعة الضربة.
وأظهر تصوير فيديو عالي الدقة أن النحل الذي يطير عند درجة حرارة هواء تبلغ 40 درجة مئوية، كان متوسط سعة ضربة الجناح لديه أعلى من النحل الذي يطير عند درجة حرارة 25 درجة مئوية، مما يزيد توليد القوة الانتقالية. وهكذا كان النحل قادرا على حمل نفس الكتلة الإجمالية (كتلة الجسم بالإضافة إلى حمل الرحيق) عند الطيران في درجات حرارة مختلفة عن طريق ضبط حركتين أساسيتين: تردد ضربات الجناح وسعة الضربة.
ما تأثير الجفاف على نحل العسل؟
على الرغم من أن نتائج هذه الدراسة تظهر أن النحل يستطيع تلافي أضرار ارتفاع درجة حرارة المناخ عن طريق تقليل إنتاج الحرارة الأيضية أثناء الطيران، فإن مشكلة الجفاف قد تسبب أضرارا لا يمكن تلافيها.
وتشير البيانات أنه في ظروف المراعي الجافة والفقيرة قد يحد الجفاف من نشاط النحل، مما يقلل من خدمات التلقيح المهمة التي يقدمها النحل للنباتات، كما أن الجفاف يحد من قدرة النحل على البحث عن الغذاء والرحيق.
ما خطورة تناقص الملحقات الحشرية؟
وتجدر الإشارة إلى أن الملقّحات الحشرية كنحل العسل من أهم وسائل تلقيح النباتات، ويمثل تناقصها خطرا كبيرا على نمو النبات.
وليس خافيا أن الملقحات الحشرية تتناقص بمعدل ينذر بالخطر، وأحد أسباب ذلك هو تغير المناخ . فالأحداث المناخية المتكررة والمتزايدة الشدة مثل ارتفاع درجة حرارة الكوكب وموجات الحرارة، قد تدفع الملقحات الحشرية -بما في ذلك النحل- بعيدا عن حدودها الحرارية، مما قد يؤدي إلى تناقص هذه الملقحات.
وإذا استمرت الملقحات الحشرية في التناقص، فمن المرجح أن نشهد تأثيرات كارثية على النظم البيئية والزراعة البشرية التي تعتمد بشكل كبير على الخدمات التي تقدمها هذه الكائنات.