“حمض نووي” لتحلية مياه البحر واستخراج “اليورانيوم” منها

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

الشكل الطبيعي للحمض النووي الذي يحمل المعلومات الوراثية في الكائنات الحية، يشبه مجموعة مكعبات “الليغو” القياسية التي نشتريها من المتجر وتحتوي على قطع وألوان محددة يمثل كل منها وحدة بناء.

ولكن ماذا لو صُنع الحمض النووي في المختبر عبر تحديد ترتيب وبنية وحدات البناء (النيوكليوتيدات) بطريقة تخدم وظيفة معينة؟ سيكون الأمر أشبه بمن يقوم بتصميم قطع “الليغو” في ورشة خاصة به، بحيث يمكنه اختيار اللون والشكل والحجم لكل مكعب، وإنشاء مجموعته الفريدة المختلفة عن تلك الموجودة في المتجر، وهذه هي فلسفة “الحمض النووي الاصطناعي” الذي قام علماء صينيون بتصميمه لتحقيق وظيفتي تحلية مياه البحر واستخراج معدن اليورانيوم منها.

من “التصميم” إلى “استخراج المعادن”

وفي الدراسة التي نشرتها دورية “ساينس أدفانسيس”، قام الباحثون بتفصيل طريقتهم الجديدة للتحلية، مع تحقق وظيفة إضافية وهي استخلاص معدن اليورانيوم،  وذلك عبر عده خطوات:

  • أولا: تصميم التسلسل

يتكون الحمض النووي من “النيوكليوتيدات”، ويتكون كل “نيوكليوتيد” من جزيء سكر ومجموعة فوسفات، وواحدة من أربع قواعد نيتروجينية: الأدينين والثايمين والسيتوزين أو الجوانين، ويحمل تسلسل هذه القواعد على طول شريط الحمض النووي؛ معلومات وراثية.

وفي الحمض النووي الاصطناعي، يمكن للباحثين معالجة هذه التسلسلات وهندستها لتحقيق وظائف محددة، مثل الارتباط بمعادن معينة أو تسهيل بعض العمليات الكيميائية، لذلك فإن الخطوة الأولى في هذا العمل، كانت وصف  تسلسل الحمض النووي المحدد اللازم للوظيفة المطلوبة.

  • ثانيا: التخليق الكيميائي

باستخدام التفاعلات الكيميائية، قام العلماء ببناء سلاسل الحمض النووي ذرة بعد ذرة، وعن طريق آلات وكواشف متخصصة أضافوا وحدات بناء النوكليوتيدات بالترتيب الصحيح وباتباع التسلسل المصمم.

  • ثالثا: التنقية

حيث يُنقى الحمض النووي المركب لإزالة أي شوائب أو منتجات ثانوية غير مرغوب فيها من التركيب الكيميائي.

وبعد ذلك يجري التحقق من الحمض النووي المركب للتأكد من مطابقته للتسلسل المقصود، وذلك باستخدام تقنيات مختلفة مثل تسلسل الحمض النووي.

  • خامسا: الدمج في الهيدروجيل

فبمجرد أن أصبح الحمض النووي الاصطناعي جاهزا، يُدمج في مادة الهيدروجيل (جيل مائي)، ليصبح جزءا من نظام هيدروجيل مصمم لتبخير الماء بكفاءة عند تعرضه للطاقة الشمسية.

  • سادسا: التعزيز بأكسيد الغرافين

يُدخل أكسيد الغرافين (وهو مادة معروفة بخصائصها الممتازة في امتصاص الضوء) في الهيدروجيل المدعم بالحمض النووي، وتعزز هذه الإضافة قدرة الهيدروجيل على امتصاص الطاقة الشمسية، مما يجعل عملية تبخر الماء أكثر كفاءة.

  • سابعا: استخراج المعادن الانتقائية

فأثناء تبخر الماء، أظهر هيدروجيل الحمض النووي الذي يُزود عند التصميم  بإنزيم الحمض النووي الخاص بـ”اليورانيل”؛ قدرة عالية على استخلاص المعادن بشكل انتقائي -مثل اليورانيوم- من مياه البحر.

وإنزيم الحمض النووي لـ”اليورانيل” هو نوع من الحمض النووي التحفيزي الذي يُظهر تقاربا محددا لـ”أيونات اليورانيل”، وهي شكل من أشكال اليورانيوم الموجود بشكل شائع في مياه البحر، ويلعب هذا الإنزيم دورا حاسما في استخلاص اليورانيوم، لأنه يُصمم ليكون له خصوصية عالية لالتقاط “أيونات اليورانيل”، وهذا يعني أنه يمكن أن يرتبط بشكل انتقائي بها، حتى في وجود أيونات أخرى في مياه البحر، وهذه الخصوصية ضرورية لاستخراج اليورانيوم بكفاءة دون التقاط مواد غير مرغوب فيها.

جراف يوضح نتائج استخراج اليورانيوم من مياه البحر أثناء الحصول على المياه العذبة (ساينس أدفانسيس)

العمل تحت الإضاءة الشمسية

ويعمل النظام بأكمله تحت الإضاءة الشمسية التي تدفع عمليات تبخر الماء واستخراج المعادن. وكشفت عمليات المحاكاة والتجارب المعملية أن التدرج في درجة الحرارة الناتج عن الإضاءة الشمسية يزيد من نقل الأيونات، مما يزيد من تعزيز كفاءة تحلية المياه واستخراج المعادن بشكل عام.

واختبر الباحثون أداء النظام في مياه البحر الطبيعية، وأظهر قدرة على تبخير المياه بسرعة واستخراج المعادن بشكل انتقائي، مما يوفر حلا مستداما لتحلية مياه البحر.

وأظهر النظام قدرة التقاط عالية تبلغ 5.7 ملغ لكل غرام لليورانيوم من مياه البحر الطبيعية، بسبب النقل الأيوني السريع الناتج عن التبخر البيني الذي يعمل بالطاقة الشمسية والانتقائية العالية.

ويقول الأستاذ بكلية الكيمياء وعلوم المواد في الصين، والباحث الرئيسي بالدراسة، هانكسو ليانغ، في تقرير نشره موقع “تيك إكسبلور”: إن نظامهم الجديد يمكن أن يتيح أجهزة سهلة الاستخدام مناسبة لمعالجة مياه البحر في المستقبل، وهو الحل الذي ينبغي التوسع في تنفيذه بسبب تزايد ندرة المياه العذبة، والتي تمثل تهديدا للمجتمعات بسبب النمو السكاني والاقتصادي السريع.

ولتسهيل الوصول إلى المياه العذبة، ظهرت الحاجة إلى تحلية مياه البحر والتي تمثل ما يصل إلى 97% من إجمالي محتوى الماء على الأرض.

وبينما طور باحثون تقنيات لتحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية كوسيلة واعدة لإنتاج مياه البحر دون استهلاك إضافي للطاقة، يؤكد ليانغ أن طريقتهم واعدة، لأنها  توفر إلى جانب تحلية مياه البحر، استخراج أحد المعادن الثمينة وهو اليورانيوم.

Top view The largest water desalination facility in the world, Hadera Israel

نتائج إيجابية ينتظرها تحدي التطبيق

ومن جانبه، يفرق أستاذ كمياء المياه بجامعة جنوب الوادي المصرية خالد عبد الظاهر، بين ما توصلت له الدراسة على المستوى الصغير، وبين تحدي التطبيق على نطاق واسع.

ويوضح في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”، أن الدراسة تكشف عن تجربة مبتكرة في التحلية تحقق وفق التجارب التي أجريت على النطاق الصغير مجموعة من الفوائد البيئية والاقتصادية، منها:

  • تقليل استهلاك الطاقة:

فهندسة هيدروجيل الحمض النووي لامتصاص الطاقة الشمسية بكفاءة في عملية تحلية المياه، تساعد على تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، مما يقلل من التأثير البيئي المرتبط بطرق تحلية المياه التقليدية التي غالبا ما تتطلب مدخلات كبيرة من الطاقة.

  • الحد من التأثير البيئي:

فالطبيعة الانتقائية لهيدروجيل الحمض النووي، وخاصة في استخراج المعادن، قد تقلل من التأثير البيئي لتحلية المياه عن طريق تقليل استخراج المواد غير المرغوب فيها، ويمكن أن تؤدي هذه الانتقائية إلى عمليات أكثر صداقة للبيئة وتقليل الضرر المحتمل على النظم البيئية.

  • الاستخدام المستدام للموارد:

فالقدرة على استخراج المعادن الثمينة مثل اليورانيوم من مياه البحر باستخدام الحمض النووي الاصطناعي، قد تساهم في استخدام أكثر استدامة للموارد، ويمكن أن يقلل ذلك من الحاجة إلى أساليب التعدين التقليدية، والتي يمكن أن يكون لها عواقب بيئية كبيرة.

  • فعالية التكلفة:

إذ يمكن أن تكون تحلية المياه بالطاقة الشمسية باستخدام الحمض النووي الاصطناعي حلا فعالا من حيث التكلفة، خاصة في المناطق التي تتمتع بوفرة في ضوء الشمس.

لكن رغم اعتراف خالد عبد الظاهر بهذه الفوائد التي تبدو ظاهريا من نتائج التجارب التي شملتها الدراسة، يظل السؤال المهم الذي يطرحه هو: “هل ستظل تلك الفوائد قائمة عند التطبيق على نطاق أوسع؟”.

ويشير في هذا الإطار إلى مجموعة من التحديات التي يجب حسمها للانتقال من مستوى التجارب إلى التطبيق، وهي:

  • أولا: قابلية التوسع، حيث يُعد ضمان بقاء الطريقة فعالة من حيث التكلفة على نطاقات أوسع أمرا بالغ الأهمية للتنفيذ العملي.
  • ثانيا: كلفة تخليق الحمض النووي، فيمكن أن يكون تخليقه مكلفا، وبالتالي فإن معالجة الجدوى الاقتصادية لهذه العملية على نطاق واسع أمر مهم بالنسبة للجدوى التجارية لهذه التكنولوجيا.
  • ثالثا: المتانة وإمكانية إعادة استخدام هيدروجيل الحمض النووي، فيجب دراسة طول عمره وقابلية إعادة استخدامه في عملية تحلية المياه، حيث قد يؤثر التعرض المستمر لمياه البحر وأشعة الشمس على السلامة الهيكلية وأدائه مع مرور الوقت.
  • رابعا: اختبار العالم الحقيقي، فرغم أن الباحثين أجروا تجربة ميدانية صغيرة، فإنه يجب التحقق من الفعالية في تجارب ميدانية واسعة النطاق وتشكل مناطق مختلفة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *