تحت المجهر الرقمي.. هل تعيد إيران تشكيل قواعد اللعبة العالمية عبر الذكاء الاصطناعي؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 18 دقيقة للقراءة

على الرغم من القيود الدولية المفروضة عليها في مختلف جوانب البحث العلمي والتكنولوجي خلال العقود الماضية، حققت إيران تقدما ملحوظا في بعض المجالات مثل تكنولوجيا النانو.

ومنذ العام 2000 بدأت طهران تتفوق في هذا المجال، ووفقا لشبكة العلوم “ويب أوف ساينس” (web of science) تحتل إيران المرتبة الرابعة عالميا في تكنولوجيا النانو، وقد نشرت 8791 مقالا في هذا المجال.

لكنّ هذه القدرات العلميّة يقابلها في الجهة الأخرى التأخر التكنولوجي للبلاد، حيث صارت تسعى إيران جاهدة لإبراز نفسها في مجال الذكاء الاصطناعي ودمجه في الحكم والحياة اليومية.

محاولة اللحاق بالركب التكنولوجي

تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى أبرز الموضوعات المدرجة على أجندة القادة الإيرانيين الذين أظهروا اهتماما أكثر من الماضي بهذا المجال، وحسب المعهد السياسي والاقتصادي للشرق الأوسط (MEPEI) اعتمدت طهران وثيقة إستراتيجية وطنية شاملة بشأن هذا الأخير.

في السياق نفسه، نشرت وكالة الأنباء الإيرانية أن طهران قد افتتحت المنظمة الوطنية للذكاء الاصطناعي في يوليو/تموز 2024، حيث تهدف هذه المبادرة إلى وضع إيران بين أفضل 10 دول تسخّر الذكاء الاصطناعي للحوكمة والاقتصاد الرقمي بحلول عام 2034.

وتؤكد وثيقة الإستراتيجية الوطنية على ضرورة تحويل إيران إلى دولة ذكية، مشيرة إلى أنّ الرقمنة وحدها غير كافية، وأن التحول الحقيقي يتطلب الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي الكاملة.

ويعتبر إطلاق البلاد للمنظمة الوطنية للذكاء الاصطناعي بشكل رسمي حقبة جديدة في التطورات الرقمية والذكاء الاصطناعي، وقد حضر هذه المبادرة الرئيس الإيراني المؤقت محمد مخبر، الذي كُلف بالبدء التشغيلي للمنظمة التي تقع بالأساس تحت رعاية الرئاسة.

ونصت المادة الخامسة من وثيقة الإستراتيجية الوطنية على أن تقوم مختلف الوزارات والهيئات الحكومية بوضع الأطر التقنية والقانونية والتنظيمية اللازمة لتوجيه وتعجيل اعتماد الذكاء الاصطناعي، حيث سيتم تنظيم تعليم هذا المجال لتعزيز مهارات القوى العاملة، وبناء رأس المال البشري، وتعزيز التعاون مع البلدان ذات التفكير المماثل.

هل تمتلك إيران ما يلزم لتعزيز قدراتها في الذكاء الاصطناعي؟

  • دراسة للبنية التحتية السيبرانية لطهران

تمتلك إيران قدرات علمية متقدمة، لكن التأخر التكنولوجي في القطاعات الصناعية والعسكريّة يجعلها تبدو ضعيفة أمام خصومها المتفوقين في الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسهم إسرائيل التي تستفيد من تصدرها في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري وتجميع وتحليل بيانات ضخمة في الوقت الفعلي لاتخاذ قرارات سريعة ودقيقة، ونذكر على سبيل المثال هجماتها الأخيرة كاغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وتفجير مئات أجهزة النداء الآلي “البيجر”.

ولكن هذا الوضع لا يعكس الصورة الكاملة، فعلى الرغم من أن إيران يُنظر إليها على أنها دولة ذات بنية تحتية هشّة يمكن استهدافها بسهولة باستخدام التكنولوجيا الحديثة عن طريق الهجمات السيبرانية أو الهجمات العسكرية المدعومة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، فإنها وعلى مدى العقود القليلة الماضية كانت تبني وراء الستار قدراتها السيبرانية في ظل القوى العظمى، وتعتبر الأنشطة السيبرانية الإيرانية جزءا من إستراتيجية هجينة تجمع بين القوة العسكرية التقليدية والحرب السيبرانية.

ومع وجود معلومات وفيرة عن الوكالات الإيرانية التقليدية، فإن وكالاتها السيبرانية غالبا ما تمر في الظلّ، حيث إنّ اتباعها نهجا متعدد الأبعاد في المجال السيبراني يسمح لها بإظهار القوة والنفوذ في الشرق الأوسط، مع تجنب المواجهات العسكرية التقليدية المباشرة مع الخصوم الأكثر قوة.

وتستخدم طهران عملياتها السيبرانية لتكملة إستراتيجياتها الجيوسياسية الأوسع، وغالبا ما تلجأ للتجسس السيبراني للحصول على مزايا إستراتيجية أو للرد على العقوبات والتهديدات العسكرية، ومع ازدياد دمجها تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملياتها السيبرانية، تزداد احتمالية حدوث أنشطة أكثر ضررا، ممّا يشكل تحديا للاستقرار الإقليمي والأمن العالمي.

  • إستراتيجية هجينة

وحسب تقرير لموقع “لاو فار” (LAWFARE) المتخصص في قضايا الأمن القومي، فإن إيران تنتهج إستراتيجية سياسة خارجية هجينة تُعرَف بـ”الدفاع المتقدم” (Forward Defense)، حيث تسعى لحماية نفسها من خلال معالجة التهديدات قبل أن يتم التسلل إلى حدودها.

وتوسعت هذه الإستراتيجية في السنوات الأخيرة لتشمل تنفيذ عمليات سيبرانية هجومية ودفاعية للنظام، وقد أنشأ الحرس الثوري الإيراني إستراتيجية أمن قومي هجينة تسمى “الدفاع الفسيفسائي” (Mosaic Defense)، والتي تستفيد منذ عقود من عدم الثقة الإيرانية تجاه القوى الأجنبية، وتستخدم تكتيكات الحرب غير المتناظرة لإبطاء قوة الخصوم، وهي واحدة من الأبعاد المهمة في إستراتيجية إيران السيبرانية، خاصة في ظل القوة العسكرية التقليدية المتواضعة مقارنة بخصومها.

ويقول المصدر نفسه إنّ تنظيم المهام السيبرانية للحكومة الإيرانية غير محدد بشكل جيد، ويعمل عبر كيانات حكومية متعددة، ولربما يعود هذا لحداثة العمليات السيبرانية في حكومة طهران.

من جهة أخرى، ونظرا لطبيعة النظام الإيراني المغلقة، فإن الكيانات السيبرانية المحددة داخل الحكومة ليس من السهل التعرف عليها، وتركز بعض الكيانات داخل الحكومة بشكل خاص على الدعاية والهجمات المعلوماتية (IO) المدعومة سيبرانيا.

وحسب “مركز موارد أمن الحاسوب” (CSRC) تتمثل عمليّات (IO) في التوظيف المتكامل للقدرات المتعلقة بالمعلومات خلال العمليات العسكرية، وذلك بالتنسيق مع خطوط العمل الأخرى، للتأثير أو زعزعة الاستقرار، أو الاستيلاء على اتخاذ القرار لدى الخصوم والخصوم المحتملين.

وتقول الهيئة الحكومية الأميركية للأمن السيبراني “سيزا” (CISA) إن موقف طهران قد تطور في مجال الأمن السيبراني بشكل كبير، وواصلت تعزيز قدراتها السيبرانية مستفيدة من مجموعات مدعومة من الدولة وبروكسيات سيبرانية (cyber proxies)، وهي عبارة عن شبكات افتراضية خاصة ذات نطاق ترددي غير محدود، تتيح للمستخدمين تصفح الإنترنت بهوية مجهولة وتغيير موقع الوصول إلى الإنترنت الخاص بهم إلى نقطة أخرى على الكوكب، لتجنب القيود الجغرافية، وأي نوع من الرقابة في بلدهم لتنفيذ عمليات سيبرانية متطورة، ومن خلال استخدام هذه الشبكات يمكن للهجمات أن تبدو وكأنها آتية من دول أخرى غير إيران، ما يجعل تعقبها أو إيقافها أكثر صعوبة.

في السياق نفسه، شكّلت وفاة اللواء قاسم سليماني نقطة تحول كبيرة في منهجية إيران السيبرانية، وهو ما دفع طهران إلى تأكيد قوتها ونفوذها من خلال زيادة العمليات السيبرانية الموجهة نحو الولايات المتحدة وحلفائها، حيث تهدف هذه العمليات ليس فقط إلى تعطيل الأنظمة، لكن أيضا لإظهار براعة إيران التكنولوجية وقدراتها في الفضاء السيبراني لإقامة ردع ضد خصومها الرئيسيين، وتظهر الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والبرمجيات الخبيثة المخصصة والثغرات في هذه العمليات الاتجاه نحو قدرات سيبرانية أكثر تطورا، وربما أكثر خطورة.

AI Artificial Intelligence 3d rendering, Computer mother board chip with AI sign and glowing circuit background, Central Computer Processors CPU, AI machine learning concept.; Shutterstock ID 1726993618; purchase_order: aljazeera ; job: ; client: ; other:

دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات السيبرانية الإيرانية.. أدوات جديدة للصراع

في السنوات الأخيرة بدأت إيران الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتطوير أنظمة معقدة تمكّنها من تحسين عملياتها السيبرانية، وذكر موقع “لاو فار” (LAWFARE) أنّ طهران تستخدم العمليات الإلكترونية لاستكمال إستراتيجياتها الجيوسياسية الأوسع، حيث تلجأ للمراقبة الإلكترونية للحصول على مزايا إستراتيجية، وقد ساهم دمجها تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد خلال عملياتها السيبرانية في تعزيز أنشطتها الهجومية.

أبرز الهجمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي

في أواخر يونيو/أيار وأوائل يوليو/تموز 2024 سرق هاكرز إيرانيون معلومات من حملة دونالد ترامب الرئاسية وأرسلوها إلى مسؤولي حملة بايدن، ووفقا لمكتب مدير المخابرات الوطنية ومكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية “سيزا” (CISA)، لم يكن هذا حدثا عابرا.

وزادت طهران في الآونة الأخيرة ميزاتها من خلال استغلال القدرات السيبرانية عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أفادت “أوبن إي آي” (OpenAI) في 3 حالات هذا العام بأنّ فاعلي هجمات إلكترونيّة بما في ذلك فاعلون مرتبطون بإيران قاموا باستخدام “شات جي بي تي” لأغراض خبيثة ومضللة.

وفي فبراير/شباط 2024 أبلغوا عن اثنين من الفاعلين الإلكترونيين الإيرانيين، بالإضافة إلى آخرين من الصين وكوريا الشمالية وروسيا استغلوا “شات جي بي تي” في مراحل مختلفة من عملياتهم الإلكترونية، حيث يوضح التقرير كيفية استخدام الفاعل الإيراني “عاصفة القرمزي” لشات جي بي تي” لإنشاء محتوى احتيالي عبر البريد الإلكتروني، بما في ذلك رسالة تدعي أنها من وكالة تطوير دولية، وهو ما يشير إلى أنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي لدعم كتابتهم باللغة الانجليزية.

الذكاء الاصطناعي في عمليات التأثير والمعلومات المدعومة من إيران

من خلال عملياتها السيبرانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تسعى إيران للتأثير ليس فقط على الأنظمة التقنية والشبكات الإلكترونية، ولكن أيضا على المناقشات السياسية والاقتصادية العالمية، حيث يقوم فاعلو الهجمات بإنتاج محتوى مزيف أو مضلل موجّه إلى جمهور مستهدف.

على سبيل المثال، اكتشفت “أوبن إي آي” مجموعة نشاط تهديد إيراني تسمى “ستورم-203” (Storm-203) كانت تستخدم “شات جي بي تي” لصياغة مقالات إخبارية حول الانتخابات الرئاسية الأميركية والحرب في غزة، ومشاركة إسرائيل في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024، ونشرها في وسائل الإعلام التقدمية والمحافظة.

وأفاد تقرير نشره معهد الأمن والتكنولوجيا في الولايات المتحدة بأن هذه المقالات التي قد تبدو في ظاهرها شرعية وتحتوي على سياق ذي صلة وفي الوقت المناسب، إلا أنها تحتوي أيضا على قدر من المحتوى التحريضي المقصود منه إثارة العواطف السياسية من كلا الجانبين.

وفي حالة أخرى، حثّ فاعلو “ستورم-2035” (Storm-2035) نماذج “أوبن إي آي” على التعلم من التعليقات الحالية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتوليد تعليقات جديدة بالأسلوب نفسه باللغتين الإنجليزية والإسبانية، حيث يمكن استخدامها لتوسيع نطاق عملياتهم المعلوماتية، وحسب المصدر ذاته، فإنّ كلا هذين الاستخدامين يسهلان تقنين المحتوى التحريضي، ويجعلانه أقل قابلية للاكتشاف من خلال نماذج الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها عملية شائعة تستدعي القلق.

كما تستخدم مجموعات “البروكسي السيبراني” (cyber proxy) (من هؤلاء نحتاج تعريف) تكتيكات متنوعة لخلق تأثيرات نفسية سلبية بين الخصوم.

على سبيل المثال، تستخدم مجموعات التهديد المتقدمة “إي بي تي إس” (APTs) مثل “عاصفة النعناع الرملية” استهدافا دقيقا لإحداث شعور بعدم الارتياح بين مجموعة معينة من الناس.

تستخدم إيران أيضا “النشطاء المزيفين” وهم مجموعات ترتكب هجمات سيبرانية من أجل قضية معينة، مثل الناشطين الإلكترونيين، ولكنها تنشأ من حدث جيوسياسي محدد، وتشكّل بواسطة دولة قومية لتعزيز السرديات التي تدعم قضيتها.

ويمكن أن يكون النشطاء المزيفون من الفاعلين الدوليين أو مجموعات بروكسي مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني ووزارة الاستخبارات والأمن، والهدف من هذه المجموعات هو نشر “نجاحها” وإحداث الاضطراب بغض النظر عن النجاح التشغيلي الفعلي.

وذكر تقرير موقع “لاو فار” تعاون الفاعلين السيبرانيين المرتبطين بوزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية (MOIS) مع بروكسيات هجومية لإطلاق هجمات أكثر استهدافا.

حيث قامت شركات تابعة لمجموعة التهديد “عاصفة الوردية” باختراق شبكات المستشفيات الإسرائيلية وتطبيقات المواعدة الخاصة بالمثليين، للكشف عن معلومات حساسة تتعلق بالسجلات الطبية الشخصية، ونشر تفاصيل حول ميول الأفراد الجنسية حسب ما ورد في التقرير.

وعلى عكس الحرس الثوري الإيراني الذي يطلق هجوما، ثم يعززه بحسابات وهمية، فإن مجموعات التهديد التابعة لوزارة الاستخبارات والأمن تنفذ مناورات أكثر تدخلا وتدميرا داخل الخوادم.

وتميز هذه الاختلافات وزارة الاستخبارات والأمن عن الحرس الثوري الإيراني، وتوضح أن الوزارة تستفيد من خبرتها في عملية جمع المعلومات الاستخباراتية لتعزيز عمليات التأثير المدعومة بالسيبرانية ولإخفاء فاعليها بشكل أكثر تعمدا.

بالإضافة إلى ذلك، يُستخدم الذكاء الاصطناعي ضمن العمليات المعلوماتية المدعومة من قِبل إيران في المجال السيبراني، فمنذ هجمات السابع من أكتوبر، استخدمت مجموعات إلكترونية مختلفة مدعومة من إيران الذكاء الاصطناعي لتوليد دعاية عبر الإنترنت، وفي إحدى الحالات استخدمت شخصية “ستورم-1364 دموع الحرب” (Storm-1364 Tears of War) الذكاء الاصطناعي لتوليد صور تهدف إلى إجبار المواطنين الإسرائيليين على التجمهر ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

التكتيكات السيبرانية الإيرانية في صراعها مع إسرائيل وحلفائها

  • تهديدات سيبرانية متقدمة

يعتبر الهدف الرئيسي للوكالات الإلكترونية الإيرانية هو التجسس الإستراتيجي والاستطلاع لدعم أولويات الدولة وتنفيذ عمليات تأثير مدعومة بالفضاء السيبراني.

وبالتزامن مع تصعيد الصراع السيبراني بين إيران وإسرائيل، تمكن قراصنة إيرانيون نهاية العام الماضي من اختراق مكونات مصنوعة في إسرائيل تستخدم أنظمة المياه الأميركية، حيث قالت وكالات الأمن السيبراني الأميركية إن مجموعة قراصنة مرتبطة بإيران تستهدف وتقوم باختراق العديد من المنشآت الأميركية بسبب استخدام نظام حاسوب من صُنع إسرائيل.

كما أعلنت وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية “سيزا” (CISA) أن القراصنة المعروفين باسم “سايبر آف 3 نغر” “CyberAv3ngers” قد قاموا باختراق شاشات الفيديو برسالة تقول “لقد تم اختراقكم، الموت لإسرائيل، كل معدات مصنوعة في إسرائيل هدف قانوني (CyberAv3nger).

وقالت وكالة “سيزا” (CISA) إن الهجمات السيبرانية قد شملت عدة ولايات، وأضافت “كانت هذه الأجهزة المخترقة معرضة علنا للإنترنت بكلمات مرور افتراضية”.

وبالرغم من أن هذه الهجمات لم تتسبب في اضطرابات كبيرة في إمدادات المياه، فإن الحادثة كشفت عن مدى ضعف البنية التحتية الحيوية في البلاد أمام الهجمات الإلكترونية.

كومبو للعلم الإيراني والصيني
  • التعاون التكنولوجي مع الحلفاء 

١- التعاون الصيني الإيراني في مجال التكنولوجيا.. ماذا يخفي وراءه؟

تُعد الصين شريكا إستراتيجيا لإيران في عدة مجالات، لا سيما التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا السيبرانية، حيث تسعى الدولتان إلى تعزيز قدراتهما في هذه المجالات، لتوسيع نطاق النفوذ الجيوسياسي، خاصة في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها.

وكجزء من التعاون الإستراتيجي الممتد لـ25 عاما بين إيران والصين، وقّع البلدان اتفاقية تعاون في مارس/آذار 2021، وكانت الصين أكبر مستثمر في التكنولوجيا الإيرانية، وزودت إيران بتقنيات التعرف على الوجه المدعومة بالذكاء الاصطناعي لاستخدامها في القمع والمراقبة.

في سياق متصل، حسنت إيران منذ سنة 2010 أنظمة المراقبة الحكومية لمواجهة تزايد المعارضة والاحتجاجات الواسعة، ووفقا لتقرير من “رويترز”، باعت شركة الاتصالات الصينية “زي تي إي” (ZTE) نظام مراقبة قويا قادرا على مراقبة الاتصالات الهاتفية الثابتة والمحمولة والإنترنت لوكالة الاتصالات الحكومية الإيرانية، كما تقدم الصين لإيران أيضا تعليما في مواضيع مثل “التلاعب بالرأي العام”.

وحسب تقرير نشره معهد الشرق الأوسط في واشنطن (MEI)، قال خبير الأمن السيبراني روبرت بوتر إن الصين تبني محليا دولة استبدادية تعتمد على المراقبة التكنولوجية.

وتتحكم الحكومة الصينية تماما فيما يراه مواطنوها على الإنترنت، وهو احتكار معلومات يطلق عليه اسم “السور العظيم”، وسيرا على خُطا الصين صارت إيران تنتهج الطريق نفسه من خلال تقييد استخدام الإنترنت، وجمع وتخزين بيانات المواطنين، حسب ما جاء في التقرير نفسه.

وبالرغم من أن الشركات التكنولوجية الصينية تنفي جميع هذه الاتهامات، فإنها لا يمكنها حجب البيانات عن حكومتها، إذ تقول المادة 7 من قانون الاستخبارات الوطني الصيني إن على المنظمات والمواطنين دعم ومساعدة عمل الدولة الاستخباراتي، ناهيك أن الصين تستطيع الوصول إلى الاتصالات التجارية والاستخباراتية والعسكرية الإيرانية من خلال البنية التحتية السيبرانية التي بنتها.

وذكر معهد الشرق الأوسط في واشنطن (MEI) أيضا أن التصور الشائع في إيران يرى أن الاتفاق الصيني الإيراني الممتد لـ25 عاما يعزز فقط النظام الإيراني، من خلال مساعدته على فرض تدابير قمعية جديدة والتحكم في المعلومات، ونشر الدعاية، والتجسس على المعارضين وعائلاتهم، أمّا الصين فهي المستفيد الرئيسي حيث ستستمر في القضاء على الحرفية الإيرانية بفيض سلعها الرخيصة وتدمير البيئة بمشاريع بنية تحتية ضخمة تحقق الربح للصين بدل إيران.

٢- التعاون التكنولوجي بين روسيا وإيران

تعد روسيا من الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتسعى إيران إلى تعزيز قدراتها في هذا المجال حتى تتمكن من التكيف مع التطورات العالمية.

في فبراير/شباط 2024 وقّع كل من منفذ طهران لتطوير الذكاء الاصطناعي والروبوتات وممثل موسكو للجنة تنفيذ مدونة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي مذكرة تفاهم للتعاون في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.

ويشير البيان الرسمي الصادر عن الهيئة الحاكمة للذكاء الاصطناعي في روسيا إلى أن توقيع المذكرة يمثل خطوة جديدة في الحوار التكنولوجي والثقافي بين روسيا وطهران، ويؤكد الثقة التي يضعها الجانب الإيراني في روسيا في الأمور المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

ويشير تبادل الخبرات والقدرات التقنية بين البلدين إلى أن روسيا وإيران يمكن أن توسعا عمليات نقل التكنولوجيا المتقدمة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بالتعاون في تطوير تقنيات الدفاع العسكرية وتحديدا تقنيات الدفاع الجوي.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنّ المسؤولين الإيرانيين طلبوا المعدات، وأن روسيا قد بدأت بالفعل في التسليم، ولم يحدد التقرير النوع الدقيق للمعدات التي تقدمها روسيا، ولكنّ إيران مهتمة بالحصول على نظام صواريخ الدفاع الجوي الإستراتيجي بعيد المدى (S-400 Triumf).

والجدير بالذكر أيضا أن إيران في عام 2016 حصلت على أنظمة (S-300PMU-2) متقدمة من موسكو، ولديها أيضا أنظمة “بوك” (Buk) و”تور”(Tor) الروسية قصيرة ومتوسطة المدى.

ماذا بعد؟

بالنظر إلى المستقبل، وإلى الأحداث على مستوى العالم، سيتحول الذكاء الاصطناعي إلى العنصر الحاسم في تحديد نتائج الصراعات العسكرية وقوة الجيوش التي صارت تعتمد على هذا الأخير لتحليل ساحة المعركة.

وستصبح الهجمات السيبرانية جزءا لا يتجزأ من هذه الصراعات، إذ يمكن للخصوم استهداف البنية التحتية الحيوية لأعدائهم باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وأمام هذا التحول السريع وغير المسبوق للحروب في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي، من الضرورة بمكان تكيف الجهات الفاعلة الدولية مع هذا التحوّل، والعمل على تغيير قواعد اللعبة غير المتكافئة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *