يعتقد العلماء أن المنطقة المحيطة مباشرة بالثقب الأسود مضطربة، وتحتوي على غاز ممغنط ساخن يلتف حول الثقب الأسود بسرعات ودرجات حرارة هائلة. وتُظهر الأرصاد الفلكية أنه داخل هذا القرص تحدث توهجات غامضة عدة مرات في اليوم، وتضيء مؤقتا ثم تتلاشى.
ففي دراسة جديدة نشرت يوم 22 أبريل/ نيسان الماضي بمجلة “نيتشر أسترونومي”، استخدم الباحثون بيانات التلسكوب وتقنية الرؤية الحاسوبية المعتمِدة على الذكاء الاصطناعي لاستعادة أول فيديو ثلاثي الأبعاد يُظهر الشكل الذي يمكن أن تبدو عليه هذه التوهجات حول الثقب الأسود الهائل الموجود في قلب مجرتنا درب التبانة.
القرص التراكمي
تشير عمليات المحاكاة الحاسوبية العملاقة إلى أن المادة التي تدور حول الثقب الأسود -في بنية تعرف باسم القرص التراكمي- يمكن أن تندلع بشكل دوري في حدث نشط يسمى “التوهج”، ويمكن رؤيته بالأشعة السينية والأشعة تحت الحمراء والضوء الراديوي. ومع ذلك فإن إعادة بناء البنية ثلاثية الأبعاد لهذه التوهجات من البيانات المرصودة يمثل تحديا.
وفي الدراسة اقترح الباحثون تقنية تصوير جديدة تشبه الطريقة المستخدمة في التصوير المقطعي الطبي والمعروفة أيضا باسم الأشعة المقطعية، والتي يطلقون عليها اسم “التصوير المقطعي الاستقطابي المداري”، واستخدم الباحثون ملاحظات من مصفوفة “أتاكاما” المليمترية الكبيرة “إيه إل إم إيه” لدراسة المظهر ثلاثي الأبعاد للتوهج عند الأطوال الموجية الراديوية، وفقا للبيان الصحفي المنشور عن الدراسة على موقع “يوريك آلارت”.
وعلى الرغم من صعوبة إعادة بناء صورة ثلاثية الأبعاد من مجموعة البيانات هذه بسبب المسافة والتفاصيل الدقيقة للتغيرات في السطوع، فإن الباحثين استخدموا تقنية حسابية جديدة تعتمد على الشبكة العصبية، والتي كانت مقيدة بالفيزياء المتوقعة للثقوب السوداء وعمليات الإشعاع الكهرومغناطيسي.
وتُظهر الصورة الناتجة أن التوهج نشأ على الأرجح من نقطتين مضيئتين على القرص التراكمي، والذي يوجد تقريبا وجها لوجه مع الأرض. وتدور البقع في اتجاه عقارب الساعة حول الثقب الأسود في نصف قطر مداري يبلغ نصف المسافة بين الأرض والشمس (نحو 75 مليون كيلومتر). ويشبه هيكل التوهج عمليات المحاكاة الحاسوبية السابقة، مما يؤكد صحة فهمنا العام للبيئات القاسية المحيطة بالثقوب السوداء.
(شاهد: فيديو قصير ثلاثي الأبعاد يوضح محيط الثقب الأسود من كل الجوانب)
توهج ثلاثي الأبعاد
ويتميز هيكل التوهج ثلاثي الأبعاد بميزتين ساطعتين ومدمجتين تقعان على بعد نحو 75 مليون كيلومتر (أو نصف المسافة بين الأرض والشمس) من مركز الثقب الأسود، ويستند إلى البيانات التي جمعتها مصفوفة أتاكاما المليمترية الكبيرة “إيه إم إل إيه” في تشيلي على مدى 100 دقيقة مباشرة بعد الثوران الذي شوهد في بيانات الأشعة السينية في 11 أبريل/ نيسان 2017.
تقول الباحثة المشرفة على الدراسة “كاتي بومان” الأستاذة المساعدة في علوم الحوسبة والرياضيات والهندسة الكهربائية وعلم الفلك في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، في حديث مع “الجزيرة نت”: إن معرفة الهيكل ثلاثي الأبعاد للتوهج تطلّب تطوير نسخة محدثة من طريقة عمل هذا التوهج حول الثقب الأسود.
وتضيف: “في هذه التقنية يجري تمثيل كل بنية توهّج محتملة كحجم مستمر باستخدام الشبكة العصبية، مما يسمح للفريق بإحراز تقدم حسابي في البنية الأولية ثلاثية الأبعاد للنقطة الساخنة مع مرور الوقت أثناء دورانها حول الثقب الأسود لإنشاء منحنى ضوئي كامل. وبعد ذلك يمكننا التوصل إلى أفضل بنية أولية ثلاثية الأبعاد، والتي تطابق -عند التقدم بمرور الوقت وفقا لفيزياء الثقب الأسود- ملاحظات مصفوفة أتاكاما”.
وأسفرت نتيجة عمل الفريق عن إنتاج مقطع فيديو يُظهر الحركة في اتجاه عقارب الساعة لمنطقتين مشرقتين مدمجتين ترسمان مسارا حول الثقب الأسود. وتعلق “بومان” على هذه النتيجة بالقول: “هذا أمر مثير للغاية. لم يكن من الضروري أن يخرج بهذه الطريقة. من الممكن أن يكون هناك سطوع عشوائي منتشر في جميع الأنحاء. وحقيقة أن هذا يشبه إلى حد كبير التوهجات التي تنبأت بها المحاكاة الحاسوبية للثقوب السوداء هو أمر مثير للغاية”.