اهتم علماء المسلمين في عصرهم الذهبي بشكل أكبر بالظواهر الدورية، وبرعوا في فهم حركات النجوم ومنها تمكنوا من بناء أدق الأزياج في عصرهم، والأزياج هي الجداول الفلكية التي تشرح مواعيد الشروق والغروب وحركة الأجرام السماوية كالشمس والقمر والنجوم التي أطلقوا عليها اسم الكواكب الثابتة، أما الكواكب كالمشتري وزحل فأطلقوا عليها اسم الكواكب السيارة.
لكن رغم ذلك، فإن تراث علم الفلك عالميا شهد كذلك مساهمات لعلماء مسلمين في رصد الظواهر المفاجئة أو العابرة، ومنها دون شك المستعر الأعظم الذي انفجر ولمع في السماء الجنوبية (في كوكبة السبع أسفل العقرب) في ربيع عام 1006 ميلادية.
علي بن رضوان
وممن سجلوا هذه الظاهرة الفلكي المصري علي أبو الحسن علي بن رضوان في تعليقه على كتاب “تيترابيبلوس” (أي الكتب الأربعة) من تأليف الفلكي كلاوديوس بطليموس الذي عاش في الإسكندرية خلال القرن الثاني بعد الميلاد، ويناقش الكتاب جوانب من الفلسفة والتنجيم.
فقد قال بن رضوان إنه سيصف مشهدا غريبا حصل بينما كانت الشمس في ذلك اليوم عند 15 درجة في برج الثور، وكان المشهد في الدرجة 15 من برج العقرب. وأضاف أنه “نيزك عظيم مستدير الشكل يكون عظمه قدر الزهرة مرتين ونصف أو ثلاث مرات. وكان نوره يضيء منه الأفق، ويلمع لمعانا شديدا، ومقدار ضيائه ربع ضياء القمر وأكثر قليلاً”.
وتعطي هذه الملامح بيانات واضحة عن مستعر أعظم قيل في هذه الفترة إنه لمع ليلا لدرجة أن البعض تمكن من القراءة على ضوئه في السماء. وبحسب دراسة من جامعة أكسفورد فإن المصادر العربية والصينية واليابانية تتفق في أوصافها على هذا المشهد، والذي ربما كان ألمع ما سجلته البشرية.
ابن سينا
وفي عام 2016 كشف فريق بحث ألماني عن أدلة ترجح بقوة أن العالم العربي “ابن سينا” شاهد وسجل بيانات عن المستعر الأعظم نفسه في أبريل/نيسان من عام 1006.
واشتهر ابن سينا أساسا في دراسة الطب والفلسفة، وتشير الدراسة إلى أن أحد النصوص في “كتاب الشفاء” خاصته كانت عن الفيزياء والأرصاد الجوية وتبحث بشكل خاص في علم الفلك. وما لفت انتباه الباحثين هو نص يصف جسما لامعا ظهر في السماء عام 1006، وظن الباحثون التاريخيون من قبل أنه وصفٌ لمذنب، لكن الدراسة تؤكد أنه كان وصفا لظهور جرم مفاجئ يتغير لونه بمرور الوقت قبل أن يتلاشى، وهذا لا يسري على المذنبات، بل المستعرات العظمى.
قال ابن سينا في النص سالف الذكر: “كالذي ظهر في سنة سبع وتسعين وثلاثمائة للهجرة، فبقي قريبا من ثلاثة أشهر يلطف ويلطف حتى اضمحل، وكان في ابتدائه إلى السواد والخضرة، ثم جعل كل وقت يرمي بالشرر، ويزداد بياضا ويلطف حتى اضمحل”.
ويعرض هذا الفيديو الصادر عن مرصد شاندرا للأشعة السينية تاريخ هذا المستعر الأعظم في 60 ثانية.
أرصاد حديثة
ومع حلول عصر الفضاء في الستينيات من القرن الفائت، تمكن العلماء من رصد جوانب السماء بالأشعة السينية، وكان المستعر الأعظم 1006 واحدا من أضعف مصادر الأشعة السينية التي اكتشفها الجيل الأول من الأقمار الصناعية التي ترصد الأجرام السماوية في نطاق الأشعة السينية.
ويقترح العلماء الآن أنه كان مستعرا من النوع “آي إيه”، وهو حالة خاصة يدور فيها نجمان أحدهما عملاق أحمر والآخر قزم أبيض يسحب من مادته، وحينما يزيد حجم المادة المنقولة من العملاق الأحمر إلى رفيقه الأبيض عن حد معين فإنه ينفجر محدثا مستعرا أعظم.
ويُستخدم هذا النوع من المستعرات العظمى في تحديد توسع الكون، وقد حصل كل من الأميركيَّين سول بيرلموتر وآدام ريس والأميركي الأسترالي بريان شميت على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2011 عن استخدامهما لهذا النوع من الانفجارات النجمية في المجرات الأخرى لتأكيد توسع الكون بشكل متسارع.
ونعلم اليوم أن قُطر المستعر الأعظم 1006 يبلغ نحو 60 سنة ضوئية، ولا يزال يتوسع بسرعة 9 ملايين كيلومتر في الساعة تقريبا نتيجة لهذا الانفجار الذي سجله العلماء المسلمون وغيرهم قبل أكثر من ألف سنة.