في عام 1964 وضع العالم الفلكي الروسي نيكولاي كارداشيف مقياسا عُرف باسمه، لوصف مستوى تطور الحضارات بناءً على مقدار الطاقة التي تستخدمها. يتكون المقياس من 3 أنواع رئيسة، هي:
الأول: حضارة تستخدم كل موارد الطاقة المتاحة على كوكبها (وخصوصا الطاقة الشمسية الساقطة على الأرض بالنسبة لكوكبنا).
الثاني: حضارة قادرة على استخدام طاقة النجم الذي تدور حوله بالكامل (الشمس في حالة الأرض)، عبر بناء غلاف كروي، أو شبكة من الألواح تدور حول النجم، لتجميع الطاقة بشكل فعال من دون تضييع أي شعاع.
الثالث: حضارة تستخدم طاقة المجرة بأكملها (درب التبانة في حالة الأرض).
تُصنّف الحضارة البشرية الحالية بين النوع 0 والنوع الأول على مقياس كارداشيف، فهي لا تستخدم سوى نسبة ضئيلة جدا من طاقة النوع الأول وفق تقديرات العلماء.
استلهم إيلون ماسك رؤية كارداشيف للحضارات، فكتب حديثا على منصة إكس (X): “بمجرد فهم مقياس كارداشيف وإجراء الحسابات، يصبح من الواضح تماما ضرورة أن يتم توليد الطاقة بالكامل من الأشعة الشمسية”.
كمية الأشعة الشمسية التي تسقط على الأرض
تشير تقديرات معهد “إس بي سي” (SBC) للطاقة إلى أن التقاط وتخزين أشعة الشمس الواصلة إلى الأرض خلال عام واحد، سيلبي احتياجات البشر من الطاقة لمدة 6 آلاف سنة، حسب معدلات الاستهلاك الحالية.
وبعبارة أخرى الطاقة القادمة من الشمس خلال يوم واحد تكفي الأرض لمدة 16.4 سنة (6 آلاف تقسيم 365)، وبالتالي 82 سنة خلال 5 أيام وهذا يعادل تقريبا كل موارد الأرض واحتياطاتها المؤكدة من الطاقة الأحفورية التي تشير التقديرات إلى أنها تكفي لمدة 80 إلى 85 سنة أخرى تقريبا.
إذن لماذا لا يستخدم البشر الأشعة الشمسة لتلبية كافة احتياجاته من الطاقة؟
ولادة الخلية الكهروضوئية
في عام 1839 لاحظ الفيزيائي الفرنسي ألكسندر إدموند بيكريل أن بعض المواد تنتج تيارا كهربائيا عند تعرضها للضوء. وكانت هذه نقطة البداية للأبحاث المرتبطة بالطاقة الشمسية، لكن العلم تأخر نحو 115 عاما قبل أن يتمكن من إنتاج خلية كهروضوئية عملية قادرة على تشغيل الأجهزة الكهربائية.
ففي عددها الصادر في 25 أبريل/نيسان 1954، أعلنت صحيفة نيويورك تايمز عن نجاح مختبرات بيل (Bell) بتطوير خلية شمسية من السيليكون قادرة على تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء بكفاءة تبلغ حوالي 6%.
اليوم وبعد مضي أكثر من 70 عاما على ذلك، لم تتجاوز حصة الطاقة الشمسية 2.5% من إجمالي الطاقة المستخدمة عالميا. أما بالنسبة إلى كفاءة الخلايا الشمسية في تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء فوصلت عام 2024، عبر الخلايا الشمسية المصنوعة من السيليكون البلوري التقليدي (c-Si) إلى 27.1%، وأعلنت شركة “لونج آي” (LONGi) الصينية عن تحقيق كفاءة بلغت 30.1% للخلايا الترادفية (Tandem Solar Cells) المصنوعة من السيليكون والبيروفسكايت، والتي تم تطويرها باستخدام رقاقات تجارية بحجم 6 مليمترات (رقاقات سيليكونية مربعة بأبعاد تقارب 166 مليمترا × 166 مليمترا)، وذكرت الشركة أن هذه الخلايا باتت متاحة تجاريا على نطاق واسع، وأن كفاءتها ترتفع إلى حوالي 40% تحت ضوء الشمس المركز.
وأظهرت الأبحاث المخبرية للخلايا الكهروضوئية متعددة التقاطعات (Multi-Junction Photovoltaic Cells) كفاءات عالية جدا تصل إلى 47.6% تحت ضوء الشمس المركز.
التطورات في مجال الخلايا الشمسية مستمرة بوتيرة سريعة، والتقنيات المستقبلية مثل الخلايا الترادفية وخلايا البيروفسكايت تحمل وعدا كبيرا في تحسين كفاءة الطاقة وتقليل التكلفة. ويرافق ذلك أيضا تطور كبير في التقنيات المساعدة، كبطاريات الليثيوم والكبريت التي تسمح بتخزين الطاقة الشمسية بشكل أفضل، ما يسمح باستخدامها حتى في غياب الشمس.
الصين تهيمن على صناعة الطاقة الشمسية
تهيمن الصين على كافة حلقات سلسلة التوريد العالمية لصناعة الطاقة الشمسية، من البولي سيليكون إلى المنتج النهائي. وبلغت الطاقة الإنتاجية لوحدات الطاقة الشمسية في الصين ما يزيد على 610 غيغاواتات عام 2023، أي ما يقرب من 43% من إجمالي الإنتاج العالمي، وبفارق كبير عن الطاقة الإنتاجية التي سجلتها الولايات المتحدة الأميركية في نفس العام والبالغة 129 غيغاواتا.
وركزت الصين فيما مضى على 3 صناعات هي الملابس، والأثاث، والأجهزة المنزلية. واليوم استبدلت ذلك بثلاثي جديد هو الألواح الشمسية، والسيارات الكهربائية، وبطاريات الليثيوم.
وتتمتع الصين بميزة التكلفة التي تقل كثيرا عما هو في البلدان المتقدمة، فوفق تقرير أصدرته وحدة أبحاث تابعة للمفوضية الأوروبية في يناير/كانون الثاني 2024، بلغت تكلفة صناعة الألواح الشمسية في الصين ما يتراوح بين 16 و18.9 سنتا لكل وات من قدرة التوليد، مقابل 24.3 إلى 30 سنتا للشركات الأوربية، ونحو 28 سنتا للشركات الأميركية.
السعي لزيادة استغلال الطاقة الشمسة لا يرتبط فقط بحجمها الهائل، بل بكونها نظيفة بخلاف الطاقة الأحفورية (نفط وغاز وفحم حجري) التي تشكل اليوم 82% من استهلاك العالم مقابل 18% لجميع أنواء الطاقة المتجددة بما في ذلك الطاقة النووية.
وتبلغ حصة الطاقة الشمسة 2.5% فقط من إجمالي الطاقة المستهلكة في العالم، في حين تبلغ حصة الطاقة الكهرومائية 6.5%، والطاقة النووية 4% وطاقة الرياح 3.5%، وأشكال أخرى من الطاقة المتجددة 1.5%.
أما حصص الطاقة الأحفورية فهي: النفط 32% والفحم الحجري 26.5% والغاز 23.5%. الأرقام السابقة تعود لنهاية عام 2023، ونشرها موقع “عالمنا في بيانات”، وقمنا بتدويرها فقط.
الذكاء الاصطناعي والطاقة الشمسية
يسهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تسريع تطوير تقنيات الاستفادة من الطاقة الشمسية، وذلك من خلال تحليل البيانات المتعلقة بمواد الألواح الشمسية (تركيبها الفيزيائي وتفاعلاتها الكيميائية)، ما يساعد العلماء على تطوير خلايا شمسية جديدة بأعلى كفاءة، كما يساعد، من خلال التعلم الذاتي، على اكتشاف مواد جديدة وتحسين المواد الحالية المستخدمة في تصنيع خلايا شمسية أكثر فعالية.
ويساعد الذكاء الاصطناعي أيضا، في التنبؤ بمستويات الإشعاع الشمسي بناءً على تحليل بيانات الطقس، ما يسمح بإدارة أكثر فعالية لأنظمة الطاقة الشمسية، وتقليل الفاقد الناتج عن التغيرات الجوية، ويسهم في اكتشاف الأعطال المحتملة في أنظمة الطاقة الشمسية بشكل مبكر من خلال تحليل البيانات الناتجة عن أجهزة الاستشعار والأنظمة المتصلة بها، كما يضبط زاوية الميلان واتجاه الألواح الشمسية آليا بحيث تتبع الشمس طوال اليوم، ما يزيد من كمية الطاقة التي يتم جمعها.
ويحسن الذكاء الاصطناعي عملية توزيع الطاقة الناتجة من الألواح الشمسية على الشبكة الكهربائية، من خلال التنبؤ بالاستهلاك وضبط الإمدادات بناء على ذلك، ويساعد في تنظيم عمليات التخزين والتوزيع لتقليل الفاقد وضمان الاستفادة القصوى من الطاقة المولدة.
ويضاف إلى ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي في الطائرات المسيرة المزوّدة بكاميرات وأجهزة استشعار، لمسح الألواح الشمسية والتعرف على الشقوق والأوساخ، من خلال تحليل الصور، ما يقلص وقت الفحص البشري ويحسن جودة الصيانة.
الجانب السلبي للذكاء الاصطناعي
يستهلك الذكاء الاصطناعي التوليدي كمية كبيرة من الطاقة، فقد توصل شاولي رين، الباحث في جامعة كاليفورنيا إلى أن رسالة بريد إلكتروني مكونة من 100 كلمة يكتبها شات جي بي تي، تستهلك زجاجة ماء كاملة، وطاقة كافية لإضاءة 14 مصباح ثنائي (LED) لمدة ساعة واحدة.
ومع تزايد عدد مستخدمي شات جي بي تي إلى أكثر من 200 مليون، ونموه السريع المستمر، ونمو الطلب أيضا على التقنيات المشابهة، تتزايد الطاقة اللازمة لتلبية احتياجات المستخدمين، ما يزيد من انبعاث الغازات الملوثة للجو بسبب استخدام الطاقة الأحفورية، وهذا ما دفع غوغل للإعلان عن نيتها استخدام الطاقة النووية لتشغيل مراكز بياناتها، ومواجهة تزايد استهلاك الطاقة الناجم عن انتشار الذكاء الاصطناعي وزيادة القدرات الحاسوبية.
ويرى بعض المفكرين أن تطوير الطاقة الشمسية أهم من تطوير الذكاء الاصطناعي، نظرا لكونها تحد من تلوث البيئة وتجنب العالم الكثير من الكوارث، وعلى الرغم من انخفاض تكاليفها بنسبة 89% على مدى العقد الماضي، لم تحظ بنفس الاهتمام العالمي الذي حظي به الذكاء الاصطناعي.