يمكن لتقنيات التحليل البصري والتعلم الآلي اكتشاف المواد البلاستيكية الدقيقة في البيئات البحرية وبيئات المياه العذبة بسهولة باستخدام ركائز معدنية مسامية غير مكلفة، وذلك وفقا للدراسة التي نشرت يوم 28 مايو/أيار الجاري في مجلة “نيتشر كوميونيكيشنز”.
ويقول الباحثون إن اكتشاف وتحديد المواد البلاستيكية الدقيقة في عينات المياه أمر ضروري للمراقبة البيئية، ولكنه يمثل تحديا. ويرجع هذا التحدي جزئيا إلى التشابه الهيكلي للمواد البلاستيكية الدقيقة مع المركبات العضوية الطبيعية المشتقة من الأغشية الحيوية والطحالب والمواد العضوية المتحللة.
المواد البلاستيكية الدقيقة
طُرح مصطلح التلوث بالنفايات البلاستيكية الدقيقة في الأدبيات العلمية بداية من عام 2004 في دراسة نشرت بمجلة “ساينس”، واستُخدم المصطلح منذ ذلك الحين لوصف التلوث الناجم عن الأجزاء البلاستيكية في البيئة البحرية التي عادة ما تكون أصغر من 5 مليمترات. ووفقا لدراسة أجريت عام2017 نشرت في المجلة ذاتها، فإن أكثر من 90% من البلاستيك لا يُعاد تدويره، لذا فإن إيجاد طرق لزيادة حجم البلاستيك المعاد تدويره يعد هدفا مهما.
ويُعد البحر الأبيض المتوسط -الذي تطل عليه مصر بواجهة تصل إلى 1050 كيلومترا- من أكثر البيئات البحرية تأثرا بالتلوث الناجم عن النفايات البلاستيكية الدقيقة، فهو يمثل شبه بحيرة، وليس له إلا منفذ واحد ضيق في غربه هو مضيق جبل طارق الذي يربطه بالمحيط الأطلنطي.
وتتخلص خُمس دول من معظم مخلفاتها البلاستيكية في البحر المتوسط، وهي بالترتيب تركيا (144 طنا/ يوميا)، وإسبانيا ( 126 طنا/ يوميا)، وإيطاليا (90 طنا/ يوميا)، ثم مصر (77 طنا/ يوميا)، تليها فرنسا (66 طنا/ يوميا)، وذلك وفق تقرير أصدره الصندوق العالمي للطبيعة (دبليو دبليو إف) في يونيو/حزيران 2018.
وتتطلب طرق الكشف الحالية عن الملوثات البلاستيكية الدقيقة تقنيات فصل معقدة تستغرق وقتا طويلا وتكاليف باهظة. وتوضح الباحثة في من المعهد الوطني لعلوم المواد في النمسا -وهي الباحثة الرئيسية في الدراسة- “أولجا جوسيلنيكوفا”، أنه يمكن للطريقة المقترحة فصل وقياس وفرة ستة أنواع رئيسية من المواد البلاستيكية الدقيقة في وقت واحد هي: البوليسترين، والبولي إيثيلين، والبولي ميثيل ميثاكريلات، والبولي تترافلوروإيثيلين، والنايلون، والبولي إيثيلين تيريفثاليت.
وتضيف جوسيلنيكوفا في حديث مع “الجزيرة نت”، أن التقنية المقترحة تستخدم رغوة معدنية مسامية لالتقاط واكتشاف المواد البلاستيكية الدقيقة بصريا باستخدام عملية تسمى “مطياف رامان المحسَّن السطح” (إس إي آر إس) التي توفر بيانات واضحة يمكن تفسيرها باستخدام تقنيات التعلم الآلي الحديثة.
استخدام التعلّم الآلي
لتحليل البيانات أنشأ الفريق خوارزمية حاسوبية تعمل بالذكاء الاصطناعي تسمى “سبيكات نت”، وتتعلم هذه الخوارزمية كيفية تفسير الأنماط الموجودة في القياسات البصرية للكشف عن المواد البلاستيكية الدقيقة بسرعة أكبر وبدقة أعلى من الطرق التقليدية، وذلك بحسب البيان الصحفي الذي نشرته جامعة ناجويا اليابانية المشاركة في الدراسة.
تقول الباحثة: “إن تقنيتنا تحمل إمكانات هائلة لمراقبة المواد البلاستيكية الدقيقة في العينات التي حصلنا عليها مباشرة من البيئة دون الحاجة إلى معالجة مسبقة، في حين لا تتأثر بالملوثات المحتملة التي يمكن أن تتداخل مع الطرق الأخرى”.
ويتوقع الباحثون أن يساعد ابتكارهم المجتمع بشكل كبير في تقييم خطورة التلوث البلاستيكي الدقيق على الصحة العامة وصحة جميع الكائنات الحية في البيئات البحرية وبيئات المياه العذبة. ومن خلال إنشاء أجهزة استشعار غير مكلفة للمواد البلاستيكية الدقيقة وخوارزميات مفتوحة المصدر لتفسير البيانات، يأملون أن يتمكنوا من الكشف السريع عن المواد البلاستيكية الدقيقة، حتى في المختبرات المحدودة الموارد.
وبالإضافة إلى ذلك، يتطلع الباحثون إلى توسيع قدرة الشبكة العصبية “سبيكات نت” لاكتشاف نطاق أوسع من المواد البلاستيكية الدقيقة، وحتى قبول أنواع مختلفة من البيانات الطيفية بالإضافة إلى بيانات “مطياف رامان”.