العقبة- ينظر كثير من الناس للرياضات الإلكترونية (e-sport) باستخفاف، بينما يرى آخرون أنها مضيعة للوقت، إلا أن قطاع الرياضات الإلكترونية شهد خلال فترةٍ قصيرة نمواً هائلاً ومتسارعاً حول العالم، وشيئاً فشيئا أصبحت صناعة الرياضات الإلكترونية تمثل واحدةً من أهم المجالات الاستثمارية للدول، تدر عليها دخلاً مادياً بملايين الدولارات.
كما أن دولاً أخرى وجدت أن الرياضات الإلكترونية توفر فرص عمل للشباب، سيما وأنها باتت تستقطب أعداداً متزايدة من اللاعبين والمحترفين والمستثمرين والمبتكرين على حدٍ سواء، مما دفع بعض الحكومات إلى دعم قطاع التقنيات وبرمجة الألعاب عبر توفير البنية التحتية المناسبة لهذه الرياضات.
الملتقى الأكبر عربيا
انطلقت في الأردن القمة الختامية لمستقبل الرياضات الإلكترونية بتنظيمٍ من مختبر الألعاب الأردني، وبالتعاون مع صندوق الملك عبد الله الثاني، ووزارة الاقتصاد الرقمي، وبمشاركة ما يزيد على ألف شاب وشابة من المهتمين بصناعة الرياضات الإلكترونية، كواحدةٍ من أكبر ملتقيات الألعاب والرياضات الإلكترونية في المنطقة.
وعلى مدى الأيام الماضية، احتضنت عدة مدن أردنية فعاليات المؤتمر، كأم قيس (شمال) وصولاً إلى العاصمة عمان، ومدينة البتراء الأثرية (جنوب) واختتمت الفعالية الرئيسية والختامية في مدينة العقبة (325 جنوب عمان) والتي حظيت بمشاركة عربية ودولية، رافقها انعقاد العديد من المسابقات والجلسات وورش العمل التعليمية والتثقيفية للجمهور في كيفية صناعة ألعاب الرياضات الإلكترونية، ومن أبرزها:
تصميم وتطوير الألعاب الإلكترونية لطلبة الجامعات الأردنية، البحث في أهمية الرياضات الإلكترونية على المستوى الاقتصادي، وكيفية الاستفادة منها استثمارياً، وربطها بالمجال الثقافي والسياحي على مستوى الدول، بناء إستراتيجيات ناجحة للرياضات الإلكترونية، والبحث في سبل جعل الأردن موطنا ومركزا إقليميا لهذا النوع من الصناعات.
اهتمام رسمي
رئيس الاتحاد الأردني للرياضات الإلكترونية الأمير عمر بن فيصل ركز -في كلمة الافتتاح- على أهمية تطوير الرياضة الإلكترونية، من خلال حديثه عن ضرورة تدريب الرياضيين الأردنيين في مجال الألعاب الإلكترونية بأفضل الطرق لتطوير مهاراتهم وتحسين أدائهم، وتجهيز مراكز تدريبية بأحدث التقنيات، وأفضل المعدات والأجهزة.
وهو ما أكد عليه الشريك التقني لمختبر الألعاب الأردني المهندس نور خريس بأن المملكة تشهد تحولا كبيرا نحو التكنولوجيا والابتكار، واعتبر في حديثه للجزيرة نت أن صناعة الألعاب والرياضات الإلكترونية واحدة من القطاعات الواعدة في الصناعات الإبداعية التي يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على تطوير مهارات الشباب، ورفد الاقتصاد الوطني من خلال الآتي:
توفير فرص عمل جديدة للشباب، من خلال تعزيز مهاراتهم الإبداعية والإلكترونية، التركيز على ورش العمل المتخصصة بتصميم وتطوير الألعاب الإلكترونية، العناية بقطاع الرياضات الإلكترونية، وتطويره مستقبلا، ودعم محترفي الأردن والوطن العربي في هذا المجال، العمل على الترويج للأردن ومناطقه السياحية عبر الفعاليات الإقليمية والعالمية التي يمكن تنظيمها مستقبلاً.
ولفت خريس إلى أن الدراسات العالمية تتوقع أن يصل سوق الألعاب العالمي، بما في ذلك الرياضات الإلكترونية، إلى 200 مليار دولار العام الحالي، مع تجاوز جمهور الرياضات الإلكترونية نصف مليار شخص، معظمهم من الجيل الشاب.
طموحات شبابية
الجزيرة نت تابعت يوميات المؤتمر في مدينة العقبة، والتقت عدداً من الطلبة والمطورين للألعاب الإلكترونية حيث قال الطالب الجامعي يزن صالح (21 عاماً) إن المؤتمر يمثل بارقة أمل للعديد من الشباب بمستقبلٍ اقتصادي أفضل.
وأكد صالح للجزيرة نت أنه قام مع مجموعة من الطلبة بتطوير عددٍ من الألعاب الإلكترونية، مشيراً إلى أن هذا النوع من الألعاب يعتبر شغفاً منذ الطفولة بالنسبة له، ويضيف أن قطاع الألعاب الإلكترونية ينتظره مستقبل مشرق، حيث ستكون هناك العديد من البطولات العربية والدولية، والتي تعني مزيداً من الخبرات والتخصص في هذا المجال الحيوي.
أما الطالبة الجامعية ياسمين دويحان (20 عاما) من جامعة الحسين التقنية في عمان، فقد أشارت للجزيرة نت إلى دراستها وتخصصها الأكاديمي في مجال تصميم وتطوير الألعاب الالكترونية، وقالت إنها وزميلاتها يستمتعن في صناعة الألعاب الإلكترونية، وأضافت مستدركةً أن هذا يحدث رغم عدم إدراك الكثيرين لأهمية هذا النوع من التكنولوجيا المتقدمة والمتطورة.
وحول الدور الذي تلعبه المسابقات المحلية والدولية للرياضات الإلكترونية في التأثير على قطاع الصناعة والتكنولوجيا والاقتصاد، أكد أليكس زيسكا الخبير الألماني في مجال تطوير الألعاب الإلكترونية، والمدير التنفيذي لشركة زيسكا المتخصصة في مجال التعليم والرياضات الإلكترونية، أن تطوير مستقبل الألعاب الإلكترونية من شأنه أن يعود بالنفع والفائدة على الأردن، لا سيما على النمو الاقتصادي للمملكة.
وقال زيسكا في حديثه للجزيرة نت إن مجال الرياضات الإلكترونية سيضع الأردن على خريطة العالم، وسيحقق مكاسب كثيرة للاستثمار فيها، معرباً عن أمله في أن يكون للرياضات الإلكترونية تأثير إيجابي على الأردن، وأضاف “سمعنا بوجود خطط طموحة وواقعية للتطوير”.
وفي نهاية المؤتمر، أعلنت هيئة مكافحة الفساد نتائج المسابقة التي أشرفت عليها، من خلال مشاركة مجموعة من الطلبة في مسابقة تصميم لعبة إلكترونية لتشجيع مبرمجي الألعاب الشباب وعشاق التحديّات من الفئة العمرية (18- 25) وإتاحة الفرصة أمامهم للمنافسة في المسابقة إلكترونية، وتقوم فكرة المسابقة على أن يقوم اللاعب بتقمّص دور المواطن أو الموظف أو المحقق، بهدف اكتشاف أفعال الفساد ويبحث عن الأدلة، ليتمكن من تصويب الأخطاء، واتخاذ القرارات الصحيحة.
وفاز بالمركز الأول فريق “إكس بي” (XP) من جامعة الحسين التقنية، وذلك عن تصميمه اللعبة الإلكترونية (خلف الأبواب) بينما حصل فريق (The Butterfly Effect) على المركز الثاني لتصميمه اللعبة الإلكترونية (The Butterfly Effect) في حين حصل فريق (Space) على المركز الثالث عن اللعبة الإلكترونية (Pass or Pass).
مستقبل استثماري واعد
وبحسب خبراء، فإن الأردن يعتبر من الدول الرائدة في مجال صناعة الألعاب الإلكترونية، ويرون أن أمامه فرصة حقيقية للاستفادة من نمو قطاع الرياضات الإلكترونية لتصبح المملكة مركزاً إقليميا على مستوى المنطقة، نتيجة تميزه وتفوق شبابه وشاباته بعد أن حققوا العديد من الإنجازات والجوائز العربية والعالمية.
وعام 2020، حصل الاتحاد الأردني للرياضات الإلكترونية على الاعتراف الرسمي من الاتحاد الدولي للرياضات الإلكترونية، والاتحاد العالمي للرياضات الإلكترونية، ومع مرور الوقت أصبحت الرياضات الإلكترونية تحظى باهتمام كبير في الأردن، الأمر الذي ساهم في تشكيل منتخبات وطنية مثلت الأردن في كبرى البطولات العالمية أسفرت عن تحقيق إنجازات متميزة.
وتعرف الرياضات الإلكترونية بأنها أحد أشكال المنافسة الرياضية التي تعتمد على اللعب من خلال الأجهزة الالكترونية، وأجهزة الواقع الافتراضي، مع عدد من اللاعبين المحترفين من مختلف الأماكن والدول، وهي لا تحتاج إلى حركة أو نشاط بدني، بقدر اعتمادها على النشاط الذهني للاعبين. ومؤخراً أصبح هناك العديد من البطولات الدولية للألعاب الإلكترونية، وأصبحت محط اهتمام الدول والأندية والأفراد، وتحظى برعايةٍ رسمية، وحضورٍ جماهيري من خلال المسابقات المحلية والدولية.