الأرز الأفريقي.. هل يحميه التحرير الجيني من فيروس التبقّع الأصفر؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

منذ الإعلان عن تطوير تقنية تحرير الجينوم (كريسبر/كاس 9) في 2010، بدت تلك التقنية التي تكتسب أرضا جديدة يوم بعد آخر وكأنها عصا سحرية قادرة على تقديم حلول لمشاكل زراعية مستعصية، وكان آخر ما قدمته من حلول يتعلق بإعطاء نتائج تشير إلى أنها قد تكون الحل لتخليص مزارعي الأرز في أفريقيا من مشكلة فيروس التبقع الأصفر.

وينتقل فيروس التبقع الأصفر عن طريق الخنافس عبر الاتصال المباشر بالأوراق، ويشكل تهديدا كبيرا على زراعة الأرز في أفريقيا، حيث يتسبب بظهور بقع صفراء على الأوراق، مما يؤدي إلى انخفاض “الكلوروفيل” والتأثير على عملية التمثيل الضوئي. وتؤدي العدوى الشديدة إلى توقف نمو النبات، وانخفاض الغلة، وفي بعض الحالات موت النبات.

وفي أفريقيا، حيث يمتلك معظم المزارعين قطع أراض صغيرة، يُفقد ما بين 10% و100% من محصول الأرز بانتظام بسبب هذا الفيروس، مما يشكل مشكلة تهدد إنتاجية أفقر المزارعين.

والحماية الفعالة الوحيدة ضد الفيروس، هي تطوير أصناف من الأرز تحمل جينا مقاوما، غير أن إدخال الجين مباشرة أمر صعب بسبب مشكلات “العقم في الهجينة” بين الأنواع. وهنا يأتي الدور الذي يمكن أن تلعبه تقنية تحرير الجينوم (كريسبر/كاس 9).

العقم في الهجينة.. ماذا يعني؟

ويشير “العقم في الهجينة” إلى عدم القدرة على إنتاج ذُرية قابلة للحياة، ففي سياق الهجين بين الأنواع، غالبا ما يؤدي تزاوج الأفراد من أنواع مختلفة إلى مشاكل في الخصوبة في النسل الهجين، ويمكن أن يحدث ذلك بسبب الاختلافات في عدد أو بنية الكروموسومات، أو عدم التوافق الجيني، أو الاضطرابات في العمليات الإنجابية.

وبالتطبيق على السعي نحو إنتاج أرز مقاوم لفيروس التبقع الأصفر، فإن نوع الأرز الآسيوى (أوريزا إنديكا) يُزرع عادة في أفريقيا بسبب إنتاجيته العالية، غير أنه يفتقد لجينات المقاومة لفيروس التبقع الأصفر التي عثر عليها في بعض أحد أنواع الأرز البرية الأفريقية مثل “أوريزا غلابريما”.

وعند محاولة إدخال جين المقاومة من الأرز البري مباشرة إلى الأرز المزروع، فإن النباتات الناتجة (الهجينة بين الأنواع) قد تواجه مشاكل العقم، حيث تؤدي الاختلافات الجينية بين النوعين إلى مشاكل أثناء الانقسام الاختزالي (انقسام الخلايا لتكوين الخلايا التناسلية)، وقد تُنتج النباتات الهجينة الأمشاج التي تكون عقيمة أو منخفضة الخصوبة، مما يجعل من الصعب عليها التكاثر.

وللتغلب على مشاكل العقم، يأتي دور تقنية تحرير الجينوم (كريسبر/كاس 9) التي يمكن أن تكون من خلال نقل الجين المطلوب من “أوريزا غلابريما” إلى “أوريزا إنديكا” مع الحفاظ على الخصوبة.

التبقع الأصفر يؤثر على التمثيل الضوئي، ويوقف النمو، ويتسبب في موت النبات ببعض الحالات (أن سبلاش)

تقنية تحرير الجينوم.. كيف استخدمها الباحثون؟

ويعتمد استخدام تلك التقنية على عده خطوات، فُصلت في دراسة نشرتها دورية “بلانت بيوتكنولوجي جورنال”، وضمت باحثين من الأعضاء في مبادرة المحاصيل الصحية (مبادرة دولية تضم باحثين من دول العالم المختلفة)، وهذه الخطوات هي:

  • أولا- تحديد جين المقاومة:

فقد حدد الباحثون جين المقاومة الطبيعية ريمف2 من نوع الأرز البري (أوريزا غلابريما) والذي يوفر مقاومة لفيروس البقعة الصفراء.

  • ثانيا- تصميم إستراتيجية تحرير الجينوم (كريسبر/كاس 9):

فباستخدام “كريسبر/كاس9” صمم الباحثون إستراتيجية لإدخال جين المقاومة لفيروس البقعة الصفراء إلى نوع الأرز “أوريزا ساتيفا جابونيكا” الياباني، وذلك لاستكشاف ما إذا كان يمكن أن ينجح في أصناف “إنديكا” الآسيوية في أفريقيا.

  • ثالثا- تسليم مكونات (كريسبر/كاس 9):

إدخال مكونات كريسبر/كاس9، بما في ذلك بروتين كاس 9 والحمض النووي الريبوزي الموجه المصمم خصيصا لجين المقاومة ريمف2، في خلايا نبات “أوريزا ساتيفا جابونيكا”، ويمكن تحقيق ذلك بطرق مختلفة.

  • رابعا- التحرير المستهدف لجين المقاومة:

يستحث كريسبر/كاس9 تعديلات مستهدفة في جين المقاومة، وقد يتضمن ذلك إدخال طفرات أو تعديلات محددة لتقليد المقاومة التي تحدث بشكل طبيعي.

  • خامسا- التحقق من نجاح التحرير الجيني:

أكد الباحثون نجاح تحرير كريسبر/كاس9 عبر تحليل الحمض النووي الجينومي للنبات. وباستخدام تقنيات مثل تسلسل الحمض النووي أو طرق البيولوجيا الجزيئية الأخرى، تحققوا من وجود التعديلات المطلوبة في جين المقاومة.

  • سادسا- توليد النباتات المعدلة وراثيا:

نمت نباتات “أوريزا ساتيفا جابونيكا” التي خضعت لتحرير كريسبر/كاس9 بنجاح، وحملت جين المقاومة المعدل ريمف2 حتى مرحلة النضج.

  • سابعا- تقييم مقاومة الفيروسات:

عُرّضت  نباتات “أوريزا ساتيفا جابونيكا” المعدلة لفيروس التبقع الأصفر لتقييم مقاومتها، وذلك عن طريق التلقيح الخاضع للرقابة بالفيروس.

  • ثامنا- الانتقال لأفريقيا:

بعد نجاح التجربة المحدودة مع نوع “أوريزا ساتيفا جابونيكا” الياباني، والتي أثبت من خلالها الباحثون نجاح فكرتهم، يخططون حاليا لاستكشاف ما إذا كانت طريقتهم يمكن أن تنجح في أصناف “إنديكا” الموجودة بأفريقيا، مثل “كومبوكا” في كينيا.

مخاوف مشروعة.. رسائل مطمئنة

ولا تزال تلك التقنية رغم ما حققته من نجاح، تثير مخاوف ذكر بعضها الباحث بمركز البحوث الزراعية المصري خالد باهي، ومنها أنها قد تؤدي إلى “تأثيرات غير مستهدفة”.

يقول باهي في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”: “يمكن أن تحدث تعديلات جينية غير مقصودة في مواقع أخرى غير الموقع المستهدف، وهو ما يؤدي إلى عواقب غير مرغوب فيها، مما يؤثر على الوظيفة الطبيعية للنبات أو يؤدي إلى إدخال سمات غير متوقعة”.

ويعزو باهي حدوث ذلك إلى أن “فسيولوجيا النبات معقدة”، وهذا يعني أنه حتى التعديلات الدقيقة قد يكون لها عواقب غير مقصودة، حيث يمكن أن تؤثر التغييرات في أحد الجينات على التعبير عن جينات أخرى أو تغير المسارات الأيضية، مما قد يؤثر على صحة النبات ونموه بشكل عام”.

ويضيف أن استخدام تلك التقنية أيضا في الزراعة يثير أسئلة أخلاقية، منها ما يتعلق بملكية الموارد الوراثية التي تحتوي على الجينات المرغوب فيها، والمخاوف بشأن سيطرة الشركات على الممارسات الزراعية.

ومن جانبها، عرضت “الجزيرة نت” هذه المخاوف المشروعة، على اثنين من كبار الباحثين المشاركين بالدراسة، وهما البروفيسور وولف فرومر من معهد الفسيولوجيا الجزيئية بجامعة “هاينريش هاينه دوسلدورف” الألمانية، ولورانس ألبار من معهد صحة النبات في مونبلييه بفرنسا، فحصلنا على ردود مطمئة تؤكد وعيهما بهذه التخوفات وحرصهما على تبديدها.

يقول فرومر: “نحن أجرينا تجربة محدودة على صنف الأرز في اليابان (أوريزا ساتيفا جابونيكا)، وبعد أن أثبتنا نجاح الفكرة، نخطط للتوسع لنقل جين مقاومة المرض لأصناف الأرز الآسيوي السائد زراعتها في أفريقيا، وسنبدأ بصنف كومبوكا في كينيا، وهذا يعني أن خطواتنا ليست متعجلة”.

ونفى المخاوف من تأثيرات غير مستهدفة، وقال “استخدمنا النهج الأساسي لتقنية كريسبر/كاس9، ويؤدي ذلك إلى طفرات صغيرة غير موجهة في موضع محدد في الجينوم، ونحن الآن قادرون على القيام بذلك بشكل أكثر دقة، ولم نرصد أي عيوب أخرى في النبات المنتج”.

وأضاف أن “الطفرات تحدث بشكل طبيعي طوال الوقت، لذلك لا أرى في الوقت الحاضر أي مخاوف أخلاقية أو بيئية، لا سيما وأننا علماء غير ربحيين تماما، وليس لدينا مصالح تجارية”.

ويؤكد ألبارعلى ما قاله زميله فرومر، ويقول: “الطفرات التي أدخلها تحرير الجينوم في تجربتنا تشبه إلى حد كبير الطفرات الموجودة بشكل طبيعي في بعض أصناف أوريزا غلابريما البرية الأفريقية، وبالتالي فإن مثل هذه الطفرات لا يمثل مشكلة في حد ذاتها”.

ويضيف: أنه “مع ذلك، لا يزال استخدام الأصناف التي طورتها تقنية كريسبر/كاس9 خاضعا للتنظيم في بعض البلدان، لكن عددا متزايدا من البلدان يعتبر الآن أن هذه التكنولوجيا لا تثير قضايا أخلاقية أو بيئية، وسمحت بالنباتات التي تم الحصول عليها بهذه الطريقة، فعلى سبيل المثال، يُسمح بالنباتات المعدلة بالجينوم في كينيا ونيجيريا”.

ويوضح أن الخطوة التالية لهم هي استخدام هذه التكنولوجيا لنقل المقاومة في صنف الأرز الذي يستخدمه المزارعون الأفارقة بالفعل ويقدرونه، بالإضافة إلى ذلك، سيتم إجراء تجارب ميدانية في النظم الإيكولوجية الزراعية ذات الصلة قبل نشر التقنية للتأكد من أن الطفرة التي تم إدخالها لا ترتبط بآثار جانبية سلبية وأنها تستهدف سلالات الفيروس الموجودة محليا”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *