من أعظم الاكتشافات العلمية التي توصّل لها العلم الحديث في القرن الماضي توسع الكون المستمر منذ بدء الخليقة، انطلاقا من نظرية الانفجار العظيم التي تنص على أنّ الكون بدأ في نقطة ما وطفق يتوسّع بسرعات تتجاوز سرعة الضوء، وذلك منذ نحو 13.8 مليار سنة على أقلّ تقدير.
ومن أكبر المعضلات والأسئلة التي كان الفلكيون وما زالوا يبحثون عن إجابات مُرضية لها؛ وصفُ شكل الكون هندسيا وفهم طوبولوجيته (خصائصه ومعالمه) المعقدة.
وتشير آخر الدراسات المنشورة في مجلة “فيزيكال ريفيو لترز” في هذا الصدد إلى أنّ الكون قد يحمل نماذج هندسية عديدة ومختلفة، فعلى سبيل المثال قد يسير الفرد في خط مستقيم في الكون فيجد نفسه عائدا إلى نقطة البداية بعد حين من الزمن.
وأشار عالم الكونيات في جامعة “ميشيغان” الدكتور “دراغان هوتيرر”، إلى أنّ الدراسات السابقة حاولت العثور على أنماط في “الخلفية الميكروية الكونية” الشهيرة، وهي أقدم أشعة ملتقطة للكون ويرجع تاريخها إلى 380 ألف عام بعد الانفجار العظيم، إلا أنّ هذه المحاولات فشلت في العثور على رابطٍ يفسر طوبولوجية الكون المعقدة، في حين توضح الدراسة الحديثة أنّ الأبحاث السابقة لم تكن شاملة بما فيه الكفاية.
ويتوقع أحد النماذج الهندسية المستخلصة من الدراسة أنّ للكون شكلا ثلاثي الأبعاد مغلقا على نفسه، بحيث تنطوي أطراف الكون وتلتقي بعضها ببعض، فتكون بذلك حلقة موصولة أشبه بحلوى الدونت الشهيرة.
ويقول عالم الفيزياء النظرية “غلين ستاركمان” إنّ هذا الشكل الحلقي يمكن أن يتشكل بطرق عديدة لم يجرِ اكتشافها بعد، كما لاحظ “ستاركمان” في الدراسة أنّ الكون يغيب عنه الاتساق في جميع الاتجاهات، ووصف ذلك بأنّه لغز كوني عميق ومثير.
وعلى الرغم من أنّ الكون مسطح في ظاهره، فإنّ هناك أشكالا مختلفة من التسطح، فالورقة المسطحة المستقيمة يمكن جعلها أسطوانة إذا ما ثُنيت، مع حفاظها على الخطوط المتوازية التي تبقيها مسطحة هندسيا، والأمر كذلك ينطبق على شكل الكون لكنْ على نطاق أكثر تعقيدا.
ويهدف الباحثون إلى استخدام التعلّم الآلي لتحليل بيانات المجرات الجديدة وعمليات المسح الحديثة، مثل تلك التي يُجريها تلسكوب “إقليدس” الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، لمحاولة فهم أعمق لشكل الكون.
وأكد “أوليفر فيلكوكس” عالم الكونيات بجامعة “كولومبيا”؛ أننا بعيدون كل البعد عن فهم بنية الكون بشكل كامل وحقيقي، وثمّة العديد من الاحتمالات الصعبة التي تربط الكون بأشكال كثيرة معقدة لا يمكن الإلمام بها.