كشفت نتائج دراسة علمية جديدة أن العالم ربما يكون قد عبر “نقطة تحول” نحو جعل الطاقة الشمسية المصدر الرئيسي للطاقة بحلول عام 2050.
لكن البحث الذي أجراه فريق من جامعة إكستر وكلية لندن الجامعية (UCL)، يشير أيضا إلى أنه لا تزال هناك “حواجز” كبيرة قد تعوق الوصول إلى هذه النتيجة. وتشمل هذه الحواجز الحاجة إلى شبكات طاقة مستقرة، وتوفير التمويل المناسب للطاقة الشمسية في البلدان النامية، والقدرة على التوريد، ومقاومة أولئك الذين تعتمد وظائفهم على صناعات الطاقة التقليدية.
خطى حثيثة نحو “نقطة التحول”
شهدت كلفة الكهرباء المولدة من محطات الطاقة الشمسية انخفاضا ملحوظا على مدى العقد الماضي، حيث سجلت تراجعا بنسبة 89% في الفترة من 2010 إلى 2022، وفق تقرير للوكالة الدولية للطاقات المتجددة. كما شهدت صناعة البطاريات، التي تعتبر ضرورية لتحقيق التوازن في إمدادات الطاقة الشمسية طوال النهار والليل، ثورة أسعار مماثلة، بنفس المقدار تقريبا بين عامي 2008 و2022.
ومع استمرار التطور التكنولوجي وانخفاض الكلفة، بدأ الباحثون في الحديث عن “نقطة تحول” حيث تصبح الطاقة المنتجة من مصادر متجددة أقل كلفة من تلك المولدة من مصادر الطاقة التقليدية. لكن لم يكن هناك اتفاق بين الخبراء على الوقت الذي يمكن أن يحدث فيه ذلك أو كيف.
ونتيجة لعدم اليقين إزاء نقطة التحول هذه، افترضت أغلب نماذج نظام الطاقة العالمي استمرار هيمنة الوقود الأحفوري في المستقبل، وقللت هذه النماذج من تقدير مدى سرعة نمو الطاقة الشمسية في العالم الحقيقي. ففي عام 2022 توقع تقرير للوكالة الدولية للطاقة أن تمثل الطاقة الشمسية 25% فقط من إنتاج الكهرباء بحلول عام 2050.
انخفاض الكلفة يدفع للتحول السريع إلى الطاقة الشمسية
وفي الدراسة المنشورة مؤخرا في دورية “نيتشر كومينيكيشن” (Nature Communications)، أعاد باحثون من جامعة إكستر وكلية لندن الجامعية طرح السؤال التالي: هل عبرنا بالفعل نقطة تحول حيث تستعد الطاقة الشمسية لتصبح المصدر المهيمن لتوليد الكهرباء؟ وسعوا للإجابة عليه.
وتشير النتائج التي توصل إليها الباحثون عبر دمج أحدث البيانات التكنولوجية والاقتصادية من 70 منطقة في جميع أنحاء العالم في نموذج الاقتصاد الكلي، إلى أن ثورة الطاقة الشمسية قد بدأت بالفعل، وأن هذا النوع من الطاقة المتجددة في طريقه إلى تشكيل أكثر من نصف مصادر توليد الكهرباء على مستوى العالم بحلول منتصف هذا القرن. ويرى الخبراء أن هذا التحول الهائل سيكون ممكنا حتى من دون الاعتماد على سياسات مناخية أكثر صرامة.
وكتب الباحثون في مقال نشر على موقع “ذا كونفرسيشن” ((The Conversation) أنهم حددوا عاملين رئيسيين من شأنهما أن يدفعا التوسع السريع في الطاقة الشمسية، هما القدرة على تحمل تكاليف هذا النوع من الطاقة المتجددة، وتقلص الفترة اللازمة لبناء المحطات الشمسية والتي أصبحت لا تتجاوز عادة سنة واحدة فقط مقابل ثلاث سنوات لمحطات توليد الطاقة من الرياح.
ويسمح بناء مزارع الطاقة الشمسية بشكل أسرع للمستثمرين بالاستفادة من فعاليتها من حيث الكلفة في وقت أقرب مقارنة بمزارع الرياح البحرية (والعديد من البنى التحتية الأخرى للطاقة المتجددة)، مما يتيح استمرار انخفاض كلفة إنتاج الطاقة الشمسية بنسبة 60% في الفترة من 2020 إلى 2050.
وإذا ثبتت هذه التوقعات، فمن المتوقع أن تصبح الطاقة الشمسية مع أنظمة تخزينها الخيار الأرخص لتوليد الكهرباء في جميع مناطق العالم تقريباً بحلول عام 2030. وفي العام نفسه، من المتوقع أن تكون أقل كلفة بنسبة 50% من بناء طاقة جديدة تعمل بالفحم في بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند والصين واليابان والبرازيل.
عوائق في طريق التحول
وعلى الرغم من هذا التوقع المتفائل، فإن المضي قدما في التحول الطاقي نحو الاعتماد على الطاقة الشمسية لا يخلو من عقبات. وحدد الباحثون -وفق بيان نشر على موقع جامعة إكستر- 4 عوائق أساسية يمكن أن تعوق التقدم:
الأول: حاجة شبكات الكهرباء للتكيف مع الطبيعة المتغيرة لتوليد الطاقة الشمسية. ويتطلب هذا التكيف اعتماد مصادر الطاقة المتجددة المتنوعة، وربط الشبكات الإقليمية ببعضها، وتخزين كميات كبيرة من الكهرباء، مع إدارة جيدة للطلب على الطاقة وتوفير حوافز للتشجيع على استخدام الطاقات المتجددة.
الثاني: الحد من التفاوت العالمي في توفر التمويل لإنجاز مشاريع الطاقات المتجددة. ففي الوقت الحالي تتجه جل الاستثمارات نحو البلدان ذات الدخل المرتفع، فيما تعاني البلدان ذات الدخل المنخفض -وخاصة أفريقيا على الرغم من إمكاناتها الهائلة- من نقص حاد في تمويل هذه المشاريع للطاقة الشمسية.
الثالث: الحاجة إلى توفير المواد اللازمة لتطوير صناعة الطاقة الشمسية، فمن من المرجح أن يكون المستقبل الذي تهيمن عليه الطاقة الشمسية كثيف الاستخدام للمعادن، مما سيزيد الطلب على “المعادن الحيوية” التي يحتاج إليها إنتاج الكهرباء وصناعة البطاريات مثل الليثيوم والنحاس. ومع استمرار الجهود لإزالة الكربون من مصادر الطاقة، من المتوقع أن تشكل التقنيات المتجددة 40% من إجمالي الطلب على المعادن من النحاس والعناصر الأرضية النادرة، بالإضافة إلى ما بين 60 و70% من النيكل والكوبالت، ونحو 90% من الليثيوم بحلول عام 2040.
والرابع: يتعين الأخذ بعين الاعتبار ردة فعل الصناعات القائمة على الطاقة التقليدية التي قد تؤدي إلى إبطاء هذا التحول الحاسم، فهذا التحول السريع في مصدر الطاقة قد يؤثر على سبل عيش ما يصل إلى 13 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعملون في قطاع الوقود الأحفوري والصناعات الأخرى المعتمدة عليه.