يرجع هذا الخطأ في فهم قانون الحركة الأول إلى ترجمة الباحث أندرو موتو لنص القانون من اللاتينية إلى الانجليزية عام 1729.
يقول القانون الأول للحركة الذي وضعه عالم الفيزياء البريطاني الشهير إسحاق نيوتن، إن “كل جسم يحافظ على وضع السكون أو وضع الحركة بانتظام للأمام ما لم تؤثر فيه قوى خارجية”.
ويعتبر هذا القانون، الذي وضعه نيوتن في كتابه “الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية” الصادر في طبعته الأولى باللغة اللاتينية عام 1687، أساسا لكثير من قوانين الحركة والميكانيكا وعلوم الفضاء والطيران حتى تاريخنا هذا.
لكن باحثا في مجال الفلسفة والعلوم يرى الآن أن تحريفا طفيفا في الترجمة ربما يكون قد ترتب عليه فهم خاطئ لما قصده نيوتن عندما وضع قانونه الأول للحركة، وأن هذا الخطأ يستدعي إعادة دراسة أو تحليل القانون بشكل أفضل من أجل فهمه على النحو الصحيح.
القانون لا يتحدث عن أجسام خيالية
وفي ورقة بحثية نشرتها الدورية العلمية “فيلوسوفي أوف ساينس” المتخصصة في مجال فلسفة العلوم، يقول دانيال هوك من جامعة فيرجينيا تيك الأميركية إن كثيرا من الفلاسفة والعلماء على مر العصور قاموا بتفسير قانون الحركة الأول على اعتبار أنه يتعلق بالأجسام التي لا تؤثر فيها قوى خارجية، حتى أن العالم براين إيلياس المتخصص في قوانين نيوتن أعاد صياغة قانون الحركة الأول عام 1965، إذ يقول إن “كل جسم لا يتعرض لتأثير قوى خارجية يستمر في وضعية السكون أو الحركة المنتظمة في خط مستقيم”.
لكن هذا التفسير ينطوي على بعض الغموض من وجهة نظر هوك، لأنه لا يوجد في الكون أجسام لا تتأثر بقوى خارجية، وبالتالي ما الذي يجعل نيوتن يضع قانونا عن أشياء ليس لها وجود؟
ويعتقد هوك أن نيوتن في حقيقة الأمر لم يكن يقصد الحديث عن أجسام خيالية لا تؤثر فيها قوى خارجية، وأن ترجمة “ما لم تؤثر فيها قوى خارجية” يقصد بها في الحقيقة أن “وضع السكون أو الحركة للجسم يتغير فقط عندما تؤثر فيه قوى خارجية”.
ومن هذا المنطلق، أعاد هوك صياغة قانون الحركة الأول من وجهة نظره بحيث يكون “كل تغيير في وضع الجسم من حيث الحركة أو السكون هو ناتج عن القوى التي تؤثر فيه”.
وربما يكون هذا الاختلاف في الترجمة مسألة أكاديمية بحتة، لا سيما أن قانون النسبية الذي وضعه ألبرت أينشتاين تجاوز بالفعل ما وصل إليه اسحاق نيوتن، لكن روبرت دي سال المؤرخ في مجال الفلسفة والعلوم بجامعة ويسترن الكندية يقول إن “أينشتاين وضع نظريته اعتمادا على قوانين نيوتن، بل إن بعض العلماء اعتمدوا على الترجمة الخاطئة للقانون الأول ليدافعوا بأن هناك تناقضات فلسفية أساسية بين نظريات كل من نيوتن وأينشتاين”.
وأوضح دي سال في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني “ساينتفيك أميركان” المتخصص في الأبحاث العلمية، أن بعض الانتقادات -على سبيل المثال- تقول إن قانون الحركة الأول الخاص بنيوتن هو قانون “دائري” في معناه، لأنه يقول إن الأجسام التي لا تؤثر فيها قوى خارجية تتحرك بشكل مستقيم أو تظل ساكنة، لكن السؤال هو “كيف نعرف أن الأجسام لا تؤثر فيها قوى خارجية سواء إذا كانت ساكنة أو تتحرك في خطوط مستقيمة؟”.
ويرى دي سال أن الورقة البحثية التي وضعها هوك تجعل من السهل فهم الخطأ في الترجمة الأصلية لقانون نيوتن، لأنها تكشف أن نيوتن لم يقصد أن يجعل قانونه يتعلق بأجسام خيالية ليس لها وجود، بل إن معاصريه من العلماء فهموا القانون بشكله الصحيح، ولم يقوموا بتفسيره على الوجه الخاطئ.
ترجمة الباحث أندرو موتو
ويقول الفيلسوف بجامعة تافتس الأميركية جورج سميث إن “كتابات نيوتن اللاحقة أوضحت أن قانونه الأول كان يشمل جميع الأجسام، وليس فقط الأجسام التي لا تؤثر فيها قوى خارجية”. وأضاف سميث المتخصص في كتابات نيوتن “النقطة الأساسية في القانون الأول هي الاستدلال على وجود هذه القوى”.
ويوضح سميث أنه في عصر نيوتن، لم يكن من المسلم به في الأساس أن جميع الأجسام تتطلب وجود قوى مؤثرة من أجل التحرك، وكان هناك كثير من النظريات العلمية القديمة التي تقول إن الأجسام لديها قوى داخلية تدفعها للحركة، فأرسطو على سبيل المثال كان يؤمن بوجود أجرام سماوية مصنوعة من مادة أطلق عليها اسم “إيثر”، وأن هذه الأجسام كانت تتحرك من تلقاء نفسها في دوائر. لكن نيوتن أنكر وجود مثل هذه الأجسام في كتاباته، وأشار إلى أنه لا توجد أجسام متحررة من القوى الخارجية التي تؤثر فيها.
وترجع الورقة البحثية هذا الخطأ في فهم قانون الحركة الأول إلى ترجمة الباحث أندرو موتو لنص القانون من اللاتينية إلى الإنجليزية عام 1729، الذي تضمن عبارة “ما لم تؤثر فيها قوى خارجية”، وأن هذا الخطأ هو الذي أدى إلى تحريف القانون إذ يبدو أن القانون تناول الأجسام التي لا تؤثر فيها قوى خارجية، في حين أنه في حقيقة الأمر يشرح القانون أن كل الأجسام تتفاعل مع القوى الخارجية، حسب وجهة نظر هوك. واستطرد قائلا “على الأرجح لم يراجع أحد النسخة الأصلية للقانون المكتوبة باللغة اللاتينية”.
ونقلت “ساينتفيك أميركان” عن عالم الفيزياء رامون بارثيليمي من جامعة يوتا الأميركية قوله إن “التفسير الجديد لقانون الحركة الأول هو “أكثر اكتمالا”، ويؤكد أن الكلمات التي يستخدمها العلماء في نقل أفكارهم يكون لها تأثير كبير على فهم هذه الأفكار”.
ويرى أنه “من الممتع حقا أن يستمر الناس في التباحث بشأن هذه الأشياء”، مضيفا أن هذا الجدل يظهر أنه لا تزال هناك مناقشات، وأن ذلك يفسح المجال أمام طلاب العلم للانخراط في دراسة التفسيرات المختلفة للقوانين العلمية، واعتبر أن ذلك يشكل طريقة مثيرة كي ينغمس الناس في علوم الفيزياء بشكل أكبر.