أطلقت شركة أمازون -المتخصصة في تكنولوجيا الإنترنت والحوسبة السحابية- أول زوج من الأقمار الاصطناعية الخاص بها، ضمن “مشروع كويبر” (Project Kuiper) في خطة طموحة لبناء شبكة عالمية للإنترنت عبر هذا النوع من الأقمار.
ومشروع كويبر هو مبادرة من شركة أمازون، تهدف إلى توفير إنترنت بترددات وسرعات عالية وأسعار معقولة في جميع أنحاء العالم، مستهدفة ما سمتها “المجتمعات المحرومة من خدمات الإنترنت”، أو تلك التي تتوفر بها خيارات الاتصال التقليدية، وذلك من خلال نشر آلاف الأقمار الاصطناعية في مدار أرضي منخفض مرتبطة بشبكة عالمية من الهوائيات والألياف الضوئية ونقاط اتصال الإنترنت على الأرض.
ويتضمن التصميم الأولي لكوكبة الأقمار الصناعية لمشروع كويبر من 3236 قمرا اصطناعيا. ويشير مصطلح “الكوكبة” إلى مجموعة من الأقمار الاصطناعية المتماثلة التي تعمل معا بحركات منسقة بإحكام لتحقيق هدف مشترك، وهو توفير تغطية موثوقة لتقنية نقل الإنترنت بترددات واسعة.
البداية
بدأت شركة أمازون البحث والتطوير في مشروع كويبر عام 2018، وحصلت في يوليو/تموز 2020، على ترخيص لجنة الاتصالات الفدرالية الأميركية لنشر وتشغيل أقمار مشروع كويبر الاصطناعية.
ويتطلب ترخيص اللجنة الفدرالية أن تنشر أمازون وشغّل ما لا يقل عن نصف مجموعة أقمارها الاصطناعية الخاصة بالمشروع بحلول يوليو/تموز 2026، ومن المتوقع أن يبدأ تقديم الخدمة لأوائل العملاء بحلول نهاية عام 2024.
وتخطط الشركة الأميركية لاستثمار 10 مليارات دولار في مشروع كويبر، وقد حجزت 77 عملية إطلاق تجاري مع “إيريان سبيس” الفرنسية، وتحالف “يو إل إي” وشركة “بلو أوريجين”، الشركة المملوكة لجيف بيزوس مؤسس أمازون.
ويستهدف مشروع كويبر مليارات الأشخاص حول العالم الذين لا يمكنهم الحصول على وصول موثوق إلى ترددات واسعة، ويعني ضعف الاتصال محدودية الوصول إلى الاتصالات الحديثة والتعليم والخدمات الصحية وغيرها من الموارد الهامة.
وفي الوقت ذاته، ستخدم الشبكة مجموعة واسعة من العملاء، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والهيئات والوكالات الحكومية وغيرها من المؤسسات التي تعمل في أماكن لا يوجد بها اتصال موثوق، وفق أصحاب المشروع.
ويخطط مشروع كويبر لنشر الخدمة في العديد من البلدان حول العالم. وحصل المشروع على اسمه تيمنا بحزام كويبر، وهو منطقة في النظام الشمسي تقع خارج الكواكب الثمانية الرئيسية.
وسُمّي حزام كويبر نفسه على اسم عالم الفلك الهولندي-الأميركي جيرارد كويبر (1905-1973)، الذي يعتبره الكثيرون أبا لعلم الكواكب الحديث.
ويمتلك مشروع كويبر منشأة مخصصة لإنتاج الأقمار الاصطناعية في كيركلاند بالعاصمة الأميركية واشنطن، ذات قدرة تصنيعية تصل إلى 5 أقمار اصطناعية يوميا.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ مشروع كويبر في بناء منشأة لمعالجة الأقمار الاصطناعية في مرفق الإطلاق والهبوط التابع لهيئة فضاء “سبيس فلوريدا” في مركز كينيدي للفضاء، والتي ستستخدمها أمازون لإعداد ودمج أقمار كويبر مع الصواريخ من “بلو أوريجين”، وتحالف الإطلاق الدولي “يو إل إي”.
ما التقنيات التي يستخدمها مشروع كويبر؟
يتكون مشروع كويبر من 3 مكونات رئيسية هي:
- البنية التحتية الأرضية: تشتمل على هوائيات البوابة التي ترسل بيانات العملاء وتستقبلها بشكل آمن من وإلى الأقمار الاصطناعية، إلى جانب هوائيات القياس عن بعد والتتبع والتحكم التي تحافظ على تشغيل هذه الأقمار بشكل صحيح، بينما تقوم شبكات عالمية بتوصيل هوائيات البوابة هذه بالإنترنت أو السحابة العامة أو الشبكات الخاصة.
- الأقمار الاصطناعية: وتشكل الجزء الثاني من المشروع، وتعمل في مدار أرضي منخفض لنقل حركة البيانات من وإلى هوائيات البوابة والعملاء.
- محطات العملاء: وهي التكنولوجيا التي يستخدمها عملاء كويبر لتلقي خدمة نقل الإنترنت بترددات واسعة.
المدار الأرضي المنخفض
المدار الأرضي المنخفض هو منطقة من الفضاء تمتد حتى ارتفاع ألفي كيلومتر فوق سطح الأرض، وتدور أقمار مشروع كويبر الاصطناعية على ارتفاع يتراوح بين 590 و630 كيلومترا، ويساعد قربها من سطح الأرض على تقديم خدمة سريعة للعملاء، ويوفر اتصالات فعالة لاستخدامات مكالمات الفيديو والألعاب والبث عالي الوضوح.
تكلفة منخفضة
سيوفر نظام كويبر -وفق ما صرحت به أمازون- مجموعة خيارات مرنة ومتوازنة للعملاء، وكشفت الشركة في مارس/آذار من العام الحالي، عن 3 نماذج هندسية لمحطات العملاء، إذ يوفر النموذج الصغير للغاية سرعات تصل إلى 100 ميغابايت في الثانية، ويوفر النموذج القياسي ما يصل إلى 400 ميغابايت في الثانية، أما النموذج الأكبر والمخصص لتطبيقات المؤسسات والهيئات الحكومية والاتصالات السلكية واللاسلكية، فيوفر ما يصل إلى 1 غيغابايت في الثانية.
ولم تعلن أمازون عن تفاصيل الأسعار بعد، لكنها أكدت التزامها بأسعار منخفضة، وقد تختلف عروض خدمات الشركة من بلد إلى آخر مع اختلاف الأسعار والخدمة المناسبة للعملاء.
هل يتفوق بيزوس على ماسك؟
أطلقت شركة سبيس إكس -التي يقودها الملياردير الأميركي أيلون ماسك- أكثر من 4500 قمرا اصطناعيا للإنترنت من نوع “ستارلينك” خلال السنوات الخمس الماضية، وهو ما يمثل أكثر من 50% من جميع الأقمار الاصطناعية النشطة التي تدور حول الأرض.
وطلبت الشركة -التي لديها أكثر من 1.5 مليون مستخدم في جميع أنحاء العالم- تصريحا من الحكومة الأميركية لإرسال ما مجموعه 42 ألف قمر اصطناعي إلى المدار، وهي أرقام تجعل الملياردير الأميركي جيف بيزوس -مؤسس أمازون- بعيدا بمسافة كبيرة في سباق الفضاء عن أيلون ماسك.
ولم تكلل الجهود التي بذلها بيزوس -عاشق الفضاء والذي انطلق في عام 2021 في رحلة إلى حافة المدار- بالكثير من النجاحات.
وكان مشروع كويبر يخطط في الأصل لإطلاق باكورة أقماره الاصطناعية في العام الماضي، لكن الصاروخ الذي يحمل “كويبرسات-1″ و”كويبرسات-2” أخفق في الإطلاق.
وكان من المفترض أن تحمل شركة “بلو أوريجين” التابعة لبيزوس، أقمار كويبر الاصطناعية، لكن الشركة التي تصنع الصواريخ، ومن بينها الصاروخ الذي حمل بيزوس إلى الفضاء، لم تنجح بعد في إطلاق أي شيء إلى المدار، وبدلا من ذلك، تم إطلاق أول زوج من النماذج الأولية لأقمار كويبرسات في المدار على صاروخ أطلس 5 التابع لتحالف “يو إل إي”.
ورغم ريادة “سبيس إكس” في هذا المجال، هناك أيضا شركات أخرى تسعى جاهدة للحاق بالركب، إذ يمتلك مشروع “ون ويب” لشركة “يوتلسات” 634 قمرا اصطناعيا في مدار أرضي منخفض.
كما أعلن الاتحاد الأوروبي -في وقت سابق من هذا العام- عن خطط لإطلاق 170 قمرا اصطناعيا في المدار بين عامي 2025 و2027.