الدوحة- حذر مشاركون بمؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم “وايز” المبادرة العالمية التابعة لمؤسسة قطر، من مستقبل مجهول لمخرجات تعليم يعتمد بشكل رئيسي على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك فى ظل عالم يعيش مرحلة حرجة تُغير فيها الآلات حياة الإنسان، حيث ذهب الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة متطورة يتم فيها أنسنة الآلة وجعل الروبوتات تفكر وتشعر مثل البشر.
وأكد عدد من المشاركين فى حديثهم للجزيرة نت أن الذكاء الاصطناعي أظهر أن الآلة يمكن أن تُخرج لنا إنتاجا مبدعا كنا نعتقد أنه حكرا على الإنسان، ولكن فى الوقت نفسه فإن تأثير هذه التقنية على التعليم يعتبر أمرا غاية فى الخطورة إذا لم تكن هناك معايير واضحة لضبط هذه التقنيات وأخلاقها بما لا يؤثر على مخرجات التعليم.
وأكدوا فى الوقت نفسه أن التقنيات الحديثة قادرة على سد الفجوات التى تعتري العملية التعليمية والمساهمة فى تطويرها بشكل إيجابي وبصورة توفر مجهود المعلم والطالب، ولكن الأمر لا يزال فى طور التجارب، والنتائج ما زالت غير حتمية، مما يتطلب ضرورة الحذر فى تطبيق التقنيات الحديثة.
وكانت رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع الشيخة موزا بنت ناصر، شهدت افتتاح فعاليات النسخة الـ11 للقمة العالمية للابتكار في التعليم “وايز”، الذي يعقد على مدار يومي 28 و29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تحت عنوان “آفاق الإبداع.. تعزيز الإمكانات البشرية في عصر الذكاء الاصطناعي”. ودعت الشيخة موزا إلى جعل وايز منصة للأفكار المتجددة التي تواكب المتغيرات في العالم وما يواجهه التعليم من عوائق في بلدان معينة، وأوضحت أنه لا خيار سوى ابتكار الحلول للمشاكل المستعصية وهذا هو الدور الذي ينهض به وايز.
ويتضمن المؤتمر أكثر من 20 جلسة رئيسية وأكثر من 150 متحدثا من الخبراء والأكاديميين والمتخصصين، كما يشتمل على 6 مسارات تناقش قضايا بناء الذكاء الاصطناعي الأخلاقي، والتوسع في تحقيق العدالة والوصول والسيادة الرقمية، وإعادة النظر في التعليم العالي والوظائف في عالم يقوده الذكاء الاصطناعي، والفصول الدراسية المستقبلية، وتحولات الأنظمة، إضافة إلى أستوديو الشباب، واكتشاف المجلس الذي يضم “مختبرات التعلم ومنطقة عرض البحوث”.
تأثيرات إيجابية وسلبية
قال المدير التنفيذي لمعهد قطر لبحوث الحوسبة أحمد المقرمد فى حديث للجزيرة نت: إن تأثير الذكاء الاصطناعي على العملية التعليمية لها تتنوع ما بين إيجابية وسلبية، منها تكوين المحتوى وإجراء التقييمات لطرق التعليم المتبعة ودوره فى مساعدة المعلمين لإجراء هذه الأمور، ومن ثم تراجع العامل الذهني أو التفكير الذهني البشري.
ومن هذا المنطلق يري المقرمد أن مخرجات التعليم فى ظل عملية تعليمية مدمجة بتقنيات الذكاء الاصطناعي مازالت مجهولة ولا يمكن التنبؤ بها خاصة فى ظل تطور التكنولوجيا والتطبيقات الحديثة التى تظهر يوما تلو آخر، فنحن ما زلنا فى مرحلة تجارب تفرض الحذر وعدم القفز على تطبيق التكنولوجيا الجديدة بشكل متسارع.
وأوضح أنه فى مجالات الحاسوب والذكاء الاصطناعي نرى أن الجميع يركض لمواكبة التطور العالمي فى هذا المجال وعدم التخلف عن ركب التقدم والنهضة، وهو ما ينسحب أيضا على تطبيق الذكاء الاصطناعي فى مجال التعليم بحيث لا نذهب لمخرجات غير موجوة أو تغاير المعطيات التوقعات المأمولة.
مواكبة تطورات الذكاء الاصطناعي
من جهته ربط مهدي بن شعبان مدير أكاديمية قطر الدوحة -وهي إحدى مدارس التعليم قبل الجامعى بمؤسسة قطر- تفاؤله بمستقبل التعليم المعتمد على الذكاء الاصطناعي بكون المنظومة التعليمية قادرة على مواكبة التغيرات فى هذه التقنية بطريقة ذكية، بحيث يكون المعلم هو الذي يشترط أن تتواكب التكنولوجيا مع متطلباته حتى تكون مخرجات التعليم بالصورة المأمولة.
وأضاف فى حديث للجزيرة نت أن أكاديمية قطر الدوحة على سبيل المثال تقوم حاليا ببناء رؤية فى تحويل الفصل الدراسي من فصل ديناميكي عبارة عن معلم يقوم بتلقين الطلاب، إلى شراكة بين الطالب والمعلم فى استخدام التقنيات الحديثة ومعرفة قدراتها على تكوين مادة علمية والتعامل معها لحل مشاكل واقعية فى المجال التعليمي.
ولفت إلى أن مخرجات التعليم المرتبط بالذكاء الاصطناعي مجهولة، كما أن مسألة توقعها حتى باستخدام هذه التقنية لا يمكن أن يعبر عن الواقع الحقيقي ولكن ما يمكن أن نؤكده هو أن هذه التقنية الموجودة حاليا فى متناول المعلم لديها القدرة على أن تحول عمل المعلم من الوضع الحالى إلى نموذج ثاني يقلص من دوره كتحضير وترتيب الدروس وغيرها بمعدل 30%.
وأشار إلى أهمية فتح المجالات لإعطاء فرصة للمعلمين لتجريب هذه التكنولوجيا، ومحاولة تغيير طريقة التعليم وتوفير الفرصة لمعرفة مخرجات التعليم، لافتا إلى وجود تحد كبير فى هذا الأمر يتجسد فى تعدد شركات التكنولوجيا التى تتنافس بشكل قوي فى هذا المجال لكسب الأسواق، مما يعتبر تضييعا للوقت، ولن يكون هناك مجال للاختيار بين 20 و100 منتج جميعها تقدم الشيء نفسه، وهو ما لا يمثل المستقبل بأى صورة كانت.
ولفت إلى أن المستقبل يكمن فى توفير تجربة مشخصنة للطالب، فالمعلم فى صف دراسي يضم 25 طالبا على سبيل المثال، يمكن من خلال الذكاء الاصطناعي وضع 25 اختبارا مختلفا كل منها يتوافق مع قدرات كل طالب.
احتمالات مفتوحة
وقالت مديرة الأبحاث فى وايز ريم السليطي فى حديث للجزيرة نت: إن الذكاء الاصطناعي يضعنا أمام احتمالات مفتوحة على جميع الاتجاهات، حيث بدأنا نتلمس بعض التطبيقات القوية والمؤثرة لهذا الذكاء في سياق التعليم بشكل خاص، بما يساعدنا في سد الفجوات الموجودة وتحسين سير العملية التعليمية بين مختلف بيئات التعلم على مستوى العالم.
وأضافت أن إحدى مسارات القمة تحمل عنوان الفصول الدراسية المستقبلية، وهل سيحتم علينا الذكاء الاصطناعي إعادة النظر في التدريس والتعليم بصورة جذرية، حيث يركز الخبراء على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي فى المدارس وكيفية استخدامه بصورة إيجابية ومفيدة والتى تساعد الطلاب على أن يكون لديهم تجارب وهم داخل الصف بدلا من الخروج خارج الصف، وذلك من خلال تطبيق الذكاء الاصطناعي، كما أنه يمكن توفير معلم ملازم للطالب طوال الوقت من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وتابعت أن من إيجابيات الذكاء الاصطناعي أنه يسهم فى توفير المعلومات بشكل سريع للطلاب دون الاستعانة بالمعلم، وأتمتة المهام الإدارية، وزيادة إمكانية الوصول والشمولية، وزيادة المعرفة الحاسوبية، فى حين نجد أن السلبيات تتركز أن هذه التقنية تعطي نتائج صلبة وجامدة دون إحساس أو شعور بناء على معلومات يتم تزويده بها.
وأوضحت أن التوجه الذي شهدناه خلال السنوات الأخيرة نحو استخدام تقنيات التعليم الرقمي يؤشر إلى أن مستقبل التعليم سيكون قائماً على دمج الذكاء الاصطناعي ضمن العملية التعليمية، وهو ما يحتم البحث في كيفية استيعاب هذه التقنيات وتضمينها في النظم التعليمية بطريقة تمكننا من تعزيز القدرات البشرية.