لم تبني قطر أكبر مصنع للأمونيا الزرقاء في العالم؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

وضعت دولة قطر مؤخرا حجر الأساس لمشروع مصنع الأمونيا الزرقاء بمدينة مسيعيد الصناعية جنوب العاصمة الدوحة. ومن المتوقع أن يدخل المصنع، الذي يعدّ أول وأكبر مشروع أمونيا زرقاء في العالم، طور الإنتاج في الربع الثاني من عام 2026، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1.2 مليون طن سنويا.

وخلال الحفل الذي حضره الشيخ عبد الله بن حمد آل ثاني نائب أمير قطر، تم استعراض مدى أهمية المشروع الواعد، ودخول قطر مجال الطاقة المستدامة.

وتعتبر الأمونيا الزرقاء شكلا من أشكال الأمونيا التي يتم إنتاجها مع انبعاثات كربونية منخفضة، وإلى جانب احتجاز ثاني أكسيد الكربون الناتج أثناء إنتاجها، لذا فإنها تعدّ مصدرا مهما للطاقة النظيفة، وطريقة ملائمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يمكن استخدامه كوقود نظيف أيضا.

الأمونيا واستخداماتها

يُستخدم حوالي 80% من إجمالي الإنتاج العالمي للأمونيا في إنتاج الأسمدة النيتروجينية، مثل اليوريا ونترات الأمونيوم، وبالتالي فهي تدعم إنتاج الغذاء لنحو نصف سكان العالم.

وفي حديث للجزيرة نت يوضح الاستشاري في نطاق الكيمياء وعضو اتحاد الكيميائيين العرب، الدكتور أبوبكر سالم، طبيعة الأمونيا واستخداماتها، حيث تعتبر مركبا كيميائيا مكوّنا من النيتروجين والهيدروجين، وتستخدم على نطاق واسع في الصناعة والطب والزراعة، وفي إنتاج العديد من المواد الكيميائية، مثل النترات والسيانيد.

كما تستخدم الأمونيا أيضا في أنظمة التبريد بسبب قدرتها على امتصاص الحرارة، وفي صناعة بعض المستحضرات الطبية مثل معالجة الحروق، وبعض منتجات التنظيف بسبب قدرتها على إذابة الدهون والشحوم.

وبحسب سالم، فإن إنتاج الأمونيا تقليديا يتم من خلال تفاعل “هابر-بوش” حيث يتفاعل الهيدروجين والنتروجين باستخدام عامل محفّز، ولا تزال هذه العملية مسؤولة عن إنتاج كل الأمونيا تقريبا في العالم، بالإضافة إلى مشتقات مثل اليوريا ونترات الأمونيوم.

ويمزج كل من الهيدروجين والنيتروجين معا بنسبة 1:3 مع التسخين لدرجة حرارة تتراوح بين 400 و550 درجة مئوية تحت ضغط عالٍ، ثم تنتقل العملية إلى مرحلة التقطير الأخيرة لتحسين نقاوة الأمونيا الناتجة، بحسب سالم.

الأمونيا الزرقاء

تستهلك عملية إنتاج الأمونيا بالطرق التقليدية قدرا كبيرا من الطاقة، وينتج عنها أطنان من الانبعاثات الكربونية، فبحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية يتطلب إنتاج الأمونيا قدرا كبيرا من الانبعاثات، إذ تبلغ الانبعاثات المباشرة من إنتاج الأمونيا حاليا 450 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل إجمالي انبعاثات نظام الطاقة في جنوب أفريقيا.

الأمونيا الزرقاء على الجانب الآخر هي شكل من أشكال الأمونيا يتم إنتاجه باستخدام الغاز الطبيعي كمادة خام أساسية، ولكن مع وجود تحول حاسم في طريقة التحضير، حيث يتم التقاط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتج أثناء إنتاج الأمونيا وتخزينه (وهي عملية تُعرف باسم احتجاز الكربون وتخزينه)، ويعطي ذلك الأمونيا الزرقاء مزايا عدة:

  • بصمة كربونية أقل: من خلال التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون، توفر الأمونيا الزرقاء بديلا أنظف للأمونيا التقليدية، مما يقلل من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي.
  • اقتصاد الهيدروجين: تعمل الأمونيا كناقل هيدروجين فعال وقابل للتطوير، لأنها كمركب كيميائي تمتلك 3 ذرات هيدروجين، وهو ما يسهل عملية التحول العالمي نحو اقتصاد قائم على الهيدروجين كوقود مستقبلا، حيث إن أحد التحديات الرئيسية للتحول إلى نظام الطاقة القائم على الهيدروجين هو صعوبة تخزين ونقل الهيدروجين، لأنه غاز خفيف وشديد التفاعل يتطلب طاقة كبيرة للضغط أو التسييل، أما الأمونيا فيسهل تسييلها ونقلها، وبمجرد نقلها، يمكن “تكسيرها” مرة أخرى إلى هيدروجين.
  • وقود نظيف: يمكن حرق الأمونيا مباشرة كوقود منخفض الكربون في صناعات مثل توليد الطاقة أو الشحن. عند حرقها، تنتج الأمونيا النيتروجين وبخار الماء، دون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
  • التحول في مجال الطاقة: توفر الأمونيا الزرقاء حلا انتقاليا لإزالة الكربون من القطاعات التي يصعب إزالته منها مثل الشحن، والتي لا يمكنها التحول بسهولة إلى التقنيات الكهربائية أو غيرها من التقنيات المعتمدة على الطاقة المتجددة.
  • إمكانات التجارة العالمية: يمكن شحن الأمونيا الزرقاء دوليا إلى البلدان التي تسعى للحصول على وقود منخفض الكربون، مما يعزز التعاون العالمي في جهود إزالة الكربون، وبذلك تكون الدول التي تتبنى هذه التقنيات مركزًا لنظام اقتصادي ومعرفي عالمي متفاعل يقوم على هدف مناخي.

الأمونيا كوقود للمستقبل

يعد تغيّر المناخ وزيادة الانبعاثات الكربونية من أحد أبرز الأزمات التي تواجه كوكب الأرض إلى جانب التلوث البيئي وفقدان التنوع الإحيائي.

وكما أنقذت الأمونيا كوكبنا قبل نحو قرن من الزمن من مجاعة وشيكة، مع بدء الاعتماد على الأسمدة النيتروجينية بدلا من الأسمدة الطبيعية التي لم تعد قادرة على مواكبة النمو السكاني المتزايد والحاجة إلى المزيد من المحاصيل الزراعية، فقد تأتي الأمونيا مجددا هذه المرّة لإنقاذ العالم من تبعات تغيّر المناخ والمساهمة في تقليل الانبعاثات الغازية بتخزين الهيدروجين وشحنه لاستخدامه في خلايا الوقود والتوربينات الخالية من الانبعاثات، كما تجري جهود لحرق الأمونيا مباشرة في محطات الطاقة ومحركات السفن.

ويجمع العلماء في نطاق التغير المناخي على أن النشاط البشري هو العامل الأساسي المسبب للاحتباس الحراري الذي تختبره الأرض حاليا، ويتمثل هذا النشاط بشكل أساسي في استخدام الوقود الأحفوري الذي ينفث ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.

يتسبب ذلك في ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية عاما بعد عام، الأمر الذي جعل السنوات العشر السابقة الأشد حرارة في تاريخ القياس، الأمر الذي يترتب عليه ارتفاع في معدلات وطول وشدة الظواهر المناخية المتطرفة، مثل الموجات الحارة وموجات الجفاف والعواصف والأعاصير غير المسبوقة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *