فجّر عرض صحفي مكسيكي -قبل أيام- داخل برلمان بلاده ما زعم أنهما جثتان مشرحتان لكائنات فضائية يبلغ عمرهما أكثر من ألف عام، الجدل القديم الجديد حول حقيقة وجود كائنات فضائية تنافس الإنسان في الكون، أو على الأقل أجسام فضائية تراقبه وتتربص به.
وخلال العقد الماضي، ظهرت كثيرا هذه النوعية من الادعاءات بوجود كائنات فضائية، وآخرها ما حدث قبل نحو أسبوع حين عرض الصحفي المكسيكي خايمي موسان جثتان محنطتان في علب خشبية وزجاجية صغيرة خلال جلسة استماع حول الكائنات الفضائية في الكونغرس المكسيكي بحضور خبراء وسياسيين من اليابان والأرجنتين وفرنسا والبرازيل وبيرو، بهدف مناقشة “الظواهر الغريبة غير المحددة” (يو إيه بي).
وذكر الصحفي -الذي يشتهر باعتقاده بوجود الأجسام الطائرة المجهولة الهوية- أن هذه الكائنات تم العثور عليها في دولة بيرو، ويقدر عمرها بألف عام. وشهد تحت القسم أن 30% من الحمض النووي الخاص بهذه الكائنات مجهول، وأنها ليست متعلقة بالبشر من قريب أو بعيد، في إشارة إلى كونها كائنات فضائية، لكن كل هذه الادعاءات لم تستند إلى أبحاث علمية تُذكر.
لكن آخرين لم يتوقفوا عند هذا الحد، بل ذهبوا إلى القول بتلقي رسائل وإشارات وردت إليهم من الفضاء الخارجي، ويقولون إنهم يعتقدون أنها ربما تكون رسائل بعثت بها كائنات فضائية تعيش على كواكب أخرى وتحاول التواصل مع البشر.
ونشرت صحيفة “دايلي ميرور” البريطانية في يونيو/حزيران الماضي أن “جسما مستحيلا أرسل صافرات إلى الأرض”. وقال علماء الفلك إن الجهاز الغامض كان يرسل إشارات راديوية متكررة كل 18 دقيقة، ولا يشبه أي شيء شوهد من قبل في الفضاء.
اعتقاد قديم جديد بوجود كائنات فضائية
ويرجع السبب الأبرز لاعتقاد البعض بوجود كائنات فضائية إلى أننا نحن البشر نقطن كوكبا صغيرا يدور حول شمس تعتبر متوسطة الحجم إذا ما قورنت بالنجوم الأخرى، ومجموعتنا الشمسية ما هي إلا جزء صغير من مجرة درب التبانة التي تحتوي على 200 مليار نجم و11 مليار كوكب شبيه بالأرض لم نتمكن من اكتشافها بعد.
ولذلك يعتقد البعض اعتقادا جازما بوجود حياة -بل ربما حيوات- أخرى موازية لحياتنا نظرا لسعة الكون.
لكن هذا الاعتقاد قديم جدا، وكان من أوائل من طرحه الراهب الإيطالي جيوردانو برونو في القرن الـ16، في أفكار خالفت تعاليم الكاثوليكية، ودفع ثمنها الإعدام حرقا.
وخلال القرنين الـ19 والـ20، تعددت افتراضات العلماء بوجود حياة على كواكب أخرى، خصوصا المريخ والزهرة، وهو أمر أثبت العلم لاحقا عدم صحته.
وفي عام 1960، حاول عالم الفلك فرانك دريك التقاط أي إشارات فضائية، فوجّه جهاز استقبال إشارات الراديو نحو نجمين قريبين من الأرض هما “إبسيلون إريداني” و”تاو سيتي” لرصد أي إشارات غريبة قادمة من الفضاء تُوحي بوجود حياة عاقلة، وبالطبع لم يتلق شيئا.
سيذكر الناس هذه اللقطة على أنها أتفه وأسخف وأرخص المقالب التي مرت حول موضوع الفضائيين. للأسف أنها لم تفلتر قبل المرور على الكونغرس المكسيكي، وستكون يوما ما من أكثر المواد سخرية على الإطلاق. pic.twitter.com/n346LOcYwj
— Dr. Mohamed Qasem د. محمد قاسم (@mqasem) September 13, 2023
وفي عام 1971، أقنع عالم الفلك كارل ساغان وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) بتصميم رسالة وإرسالها إلى الفضائيين المحتملين في الفضاء الخارجي، وذلك على متن مركبتي “بيونير 10” و”بيونير 11″، اللتين انطلقتا في عامي 1972 و1973 على التوالي.
واختار العلماء أن تكون الرسالة على شكل رسومات كتلك التي خلّفها لنا الفراعنة واليونانيون القدامى، لكننا لم نتلق جوابا.
ولاحقا قررت “ناسا” معاودة الكرة، لكن برسالة مسموعة ومرئية أكثر شمولا لتعريف الحضارات الفضائية بكوكب الأرض، وتضمنت مقطوعات موسيقية من حقب وحضارات مختلفة منها لباخ وبيتهوفين، ومجموعة من الأصوات الطبيعية كصوت الرعد وخرير المياه والحيوانات، بالإضافة إلى صوت التحية البشري بـ55 لغة منها العربية. لكن يبدو أن “الفضائيين المفترضين” لم يفهموا “موسيقانا”.
وحديثا، استثمر المليونير الروسي يوري ميلنر 100 مليون دولار على مدى 10 سنوات للبحث عن أدلة عن وجود حياة خارج كوكب الأرض. وتستهدف الدراسة النجوم القريبة وأقرب 100 مجرة ومركز درب التبانة، وما زلنا ننتظر النتيجة.
ومؤخرا، وتحديدا في 26 يوليو/تموز الماضي، أكد الضابط السابق في الاستخبارات الأميركية ديفيد غروش -في جلسة استماع عقدها الكونغرس– أن “السلطات تخفي أدلة تمتلكها بشأن مركبة فضائية وبقايا كائنات غير البشر”.
وشهدت جلسة الاستماع في الكونغرس أيضا إدلاء ضابطين سابقين في البحرية الأميركية بشهادتين، أكدا فيهما أنهما شاهدا ظواهر فضائية مجهولة. كما أيد عضو مجلس النواب تيم بيرشيت من يقولون إن الحكومة تخفي معلومات عن “الظواهر الشاذة غير المبررة”.
وسبق أن أصدرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عام 2021 تقريرا عن الظواهر الفضائية الشاذة، تحدث عن وجود أكثر من 140 حالة من هذه الظواهر التي لم تجد تفسيرا.
ومن المفارقة أن استطلاعا للرأي أُجري عام 2015 أظهر أن 56% من الألمان يعتقدون بوجود كائنات فضائية ذكية، لكنها لا تريد التواصل معنا.
ومن الناحية الإسلامية، يقول العلماء إنه ليس هناك ما يمنع وجود مخلوقات فضائية، كما أنه ليس في القرآن ولا السنة ما يمنع وجود حياة على الكواكب الأخرى، ومن ثم فليس هناك جزم بوجود مثل هذه الكائنات الفضائية أو ما يحول دون وجودها.
أجسام طائرة
لكن الأمر لا يقتصر على ما يعتقد البعض أنها كائنات فضائية، فثمة من يشير إلى “أجسام طائرة مجهولة” لاحظها طيارون عسكريون أميركيون، في حين يخشى البنتاغون أن تكون مرتبطة بتجسس.
ونشر البنتاغون مقاطع فيديو التقطها طيارون في سلاح البحرية الأميركي لما اعتبروها أجساما فضائية مجهولة تعود إلى عامي 2004 و2015.
لكن الاستخبارات الأميركية لا تنظر لهذا الأمر على اعتبارها أجساما قادمة من خارج الأرض، ولذلك فهي تخشى أن تختبر الصين أو روسيا تقنيات تفوق سرعة الصوت، تتحرك بسرعة أكبر بعشرة أضعاف أو 20 ضعفا من سرعة الصوت، ويمكن تحريكها بسهولة.
وقد استُبدل مصطلح “الأجسام الطائرة المجهولة” (يو إف يو) بعبارة “ظواهر شاذة غير محددة” (يو إيه بي) بهدف إزالة الوصمة عن هذا الموضوع، المرتبط على نطاق واسع بالتكهنات حول زيارة كائنات فضائية لكوكبنا.
وتعرّف وكالة ناسا هذه الظواهر بأنها “رصد أحداث في السماء لا يمكن تحديدها علميا بأنها طائرة أو ظاهرة طبيعية معروفة”.
ناسا تحسم الجدل
لكن وكالة ناسا حسمت الجدل -حتى الآن على الأقل- مؤكدة أنه لا يوجد دليل قاطع على وجود أجسام طائرة مجهولة خارج كوكب الأرض.
ولا يقتصر هذا الأمر على ناسا، فمع تعدد وكالات الفضاء، ومنها وكالة الفضاء الأوروبية ونظيراتها في كل من الصين والهند وروسيا، إلا أن أيا منها لم تعلن إلى الآن رصد أي أثر لوجود أي صورة من صور الحياة في المجموعة الشمسية أو خارجها.
وقبل أيام، وتحديدا يوم 14 سبتمبر/أيلول الجاري، أصدرت وكالة ناسا تقريرا أعده فريق دراسة مستقل من 16 خبيرا، وسلط الضوء على التحديات التي تواجه تفسير المشاهدات الخاصة بالظواهر الغريبة غير المحددة (يو إيه بي)، مشيرا إلى نقص البيانات الأساسية بما في ذلك الأدلة أو تقارير الشهود.
وسبق لوكالة ناسا أن حددت مقياسا من 7 خطوات، أسمته مقياس “اكتشاف الثقة في الحياة” (سي أو إل دي)، لتأكيد وجود حياة أخرى في الكون:
وتستند الخطوتان الأوليتان لتحديد هوية الأجانب أو الفضائيين على أجزاء صغيرة من الأدلة، مثل اكتشاف المواد الكيميائية أو البيولوجية.
وتحلل الخطوتان الثالثة والرابعة ما إذا كانت البيئة المحيطة بهذا الدليل صالحة للسكن حقا.
أما الخطوات النهائية الحاسمة، فتتضمن إرسال عينات مرة أخرى إلى الأرض للتحقق مما إذا كانت هناك حياة في مكان آخر على هذا الكوكب.
كما صمم علماء أميركيون مرصدا متطورا يقوم بمسح فلكي على مدى الساعة لرصد ما إذا كان هناك كائنات فضائية غريبة تقترب من مجرة “درب التبانة”.
هل للذكاء الاصطناعي دور في اكتشاف كائنات فضائية؟
لمحاولة الإجابة على هذا السؤال، أطلق معهد “سيتي” في ولاية كاليفورنيا الأميركية مشروع “البحث عن حياة ذكية خارج الأرض” (إس إي تي آي)، الذي يستخدم خوارزميات أحد أنظمة تعلم الآلة -وهو أحد أشكال أنظمة الذكاء الاصطناعي- للتنبه إلى المؤشرات الدالة على وجود كائنات فضائية ذكية قد يغفلها البشر، وتمييزها عن التشويش الأرضي.
وذكرت مجلة “نيتشر” (nature) أن الفريق البحثي فحص بيانات جُمعت من عمليات رصد 820 نجما باستخدام تلسكوب “روبرت سي بيرد” البالغ قطره 100 متر بمرصد “غرين بانك”؛ إذ صمم الفريق البحثي نظام تعلم آلة لتحليل البيانات، أسفر عن اكتشاف ما يقرب من 3 ملايين إشارة مثيرة للاهتمام، لكنه استبعد غالبيتها وعدّه تشويشا أرضيا، لينحصر عددها في 8 إشارات تبدو أكثر أهمية.
بيد أن الفريق البحثي خرج في نهاية المطاف خالي الوفاض من عمليات الرصد تلك، فالإشارات الثماني جميعها اختفت عندما أرهفت أدوات الفريق البحثي السمع مجددا بحثا عنها.
غير أن المبُشر هو أنه يمكن استخدام هذا النهج في تحليل بيانات أخرى، مثل فيض البيانات الذي تولد من عمليات رصد “تلسكوبات مصفوفة كارو” في جنوب أفريقيا، والبالغ عددها 64 تلسكوبا.
وقبل أيام، أكد بيل نيلسون مدير ناسا أن الوكالة تستخدم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للبحث في السماء عن الحالات المجهولة، مشيرا إلى أن الأمر يتم بشفافية. فهل يكشف لنا المستقبل القريب حقا عن كائنات فضائية؟