قزم أبيض جريء يستفز ثقبا أسود هائجا

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 3 دقيقة للقراءة

في سابقة تاريخية، رصد فلكيون جرما سماويا يدنو من ثقب أسود فائق الكتلة ويدور عند مقربة منه دون اكتراث، في حدث فلكي فريد رُصد بواسطة تلسكوب الأشعة السينية “إكس إم إم نيوتن” التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وهذا الجرم قزم أبيض يقع في قلب مجرة تبعد عن الأرض مسافة 270 مليون سنة ضوئية.

ورغم أن هذا المشهد الفريد لن يدوم طويلا بحكم الجاذبية القوية للثقب الأسود التي ستبتلع القزم الأبيض في نهاية المطاف، فإن العلماء سعيدون بما توصلوا إليه لدراسة المراحل الأخيرة من عمر الجرم السماوي قبل أن يتفتت ويختفي من الوجود داخل بئر عميق من الجاذبية الشديدة.

أقزام بيضاء

تمثل الأقزام البيضاء المرحلة الأخيرة في دورة حياة النجوم الشبيهة بالشمس، وذلك بعد استنفاد وقودها النووي وانهيارها إلى أجسام مضغوطة بشكل هائل بحجم يقارب حجم الأرض. لكن القزم الأبيض الذي ركزت عليه الدراسة الحديثة لا يعد بقايا نجم عادي؛ فهو يمتلك كتلة تعادل 10% فقط من كتلة الشمس، ويدور حول ثقب أسود يُعرف باسم “1إي إس 1927+654” بسرعة مذهلة.

وقد أظهرت الملاحظات أن ومضات الأشعة السينية المنبعثة من هذا القزم الأبيض شهدت تغيرا ملحوظا، إذ تقلص الفاصل الزمني بين الومضات تدريجيا من 18 إلى 7 دقائق فقط، ويشير هذا التغير إلى تقلص مداره نتيجة اقترابه المستمر من الثقب الأسود.

ورغم قربه الشديد والخطير، الذي لا يتجاوز 8 ملايين كيلومترات من الثقب الأسود -أي حوالي 5% من المسافة بين الأرض والشمس-، فإنه يبدو أن القزم الأبيض قد تمكن من استقرار مداره إلى حد ما، ويعتقد الباحثون أن هذا الاستقرار قد يكون ناتجا عن فقدان القزم الأبيض غلافه الخارجي لصالح الثقب الأسود، مما يؤدي إلى توليد قوة معاكسة تساعد على منعه من تجاوز أفق الحدث، وهو الحد الفاصل الذي لا يمكن بعدها الهروب والإفلات.

الثقب الأسود العملاق الرامي أ* (ويكيبيديا)

نافذة فريدة لدراسة سلوك الثقوب السوداء

ويتميز الثقب الأسود الذي تناولته الدراسة بكتلة تعادل مليون ضعف كتلة الشمس، مما يجعله أصغر من الثقب الأسود المتمركز في مجرة درب التبانة، المعروف باسم “منطقة الرامي أ*”، والذي تزيد كتلته بمقدار أربعة أضعاف.

وعلى الرغم من المعتقدات الشائعة حول الثقوب السوداء وقدرتها على ابتلاع أي مادة تقترب منها بحكم قوة جاذبيتها الشديدة، فإن القزم الأبيض الذي رُصد يثبت عكس المتوقع من خلال صموده واستقراره ضمن بيئة تُعد هي الأخطر والأكثر تشوها في الكون.

وفي ضوء ذلك، من المقرر أن تُرسل المزيد من الأدوات العلمية التي ستساعد على التنقيب عن حالات فلكية نادرة وفريدة، مثل مرصد “ليزا” التابع لوكالة ناسا والمقرر إطلاقه في عام 2035، لرصد موجات الجاذبية (الموجات الثقالية)، وهي تموجات في نسيج الزمكان تصدر عن أنظمة كونية شديدة التشوّه مثل هذه، والاستعانة بالبيانات المشتركة للأشعة السينية وموجات الجاذبية في فهم طبيعة الأجسام المحيطة بالثقوب السوداء والقوى المؤثرة فيها.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *