منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها ستيف جوبز عن هاتفه المبتكر “آيفون” عام 2007 ظلت سياسة “آبل” مع التطبيقات واحدة، إذ لا يمكن تحميل أي تطبيقات بعيدا عن متجر التطبيقات الخاص بها، وإذا قمت بتحميل أي تطبيق خارجي فإن هذا يعني خرق قوانين ضمان الهاتف وحمايته.
ورغم أن “آبل” سهلت بعض القوانين والسياسات المتعلقة بالتطبيقات الخاصة بها وتطويرها على المتجر، فإن عملية تطوير وإضافة التطبيقات ظلّت حكرًا على الشركات والأفراد المطورين ذوي الخبرة العالية على عكس متجر تطبيقات “غوغل” الذي يمكن لأي شخص أن يضيف أي تطبيق فيه.
وبعد ما يقرب من 17 عاما من الحماية الصارمة للتطبيقات والحروب القضائية بين آبل و مطورين مختلفين من أبرزهم “إيبك جيمز”، تقرر الشركة إتاحة تحميل التطبيقات الخارجية من المتاجر الخارجية بعيدا عن متجرها، ورغم وجود بعض القيود، فإن هذا يعد التغيير الأكبر الذي تطبقه آبل على سياسة المتجر الخاص بها منذ ظهوره.
ما هي التطبيقات الخارجية التي سمحت بها آبل؟
قبل الحديث عن أهمية مثل هذه الخطوة على عالم التقنية ومستخدمي آبل، فإنه من المهم تحديد ماهية التطبيقات الخارجية حتى لا يختلط الأمر على المستخدمين بينها وبين التطبيقات المخترقة التي تثبتها بطرق غير شرعية.
فالتطبيقات الخارجية هي تطبيقات رسمية تثبتها في الهاتف دون الحاجة إلى وجود متجر التطبيقات أو استخدامه على الإطلاق، وهذا يكون عبر استخدام متاجر تطبيقات خارجية تماما أو حتى عبر تحميل ملف المصدر للتطبيق من موقع المطور ذاته.
ويمتلك “آندرويد” العديد من تطبيقات المتاجر الخارجية المختلفة، سواء أكانت رسمية من غوغل أم تُثبت عبر مواقع الإنترنت المختلفة، كما يمكن للمستخدم تثبيت أي تطبيق يمتلك ملف المصدر الخاص به في ذاكرة هاتفه.
والتغيير الجديد الذي يطرأ على متجر تطبيقات آبل يشبه ذلك، ويتيح للمطورين العرب التخلص من القيود التي تضعها آبل على التطبيقات التي تُثبت من خلالها، وهو يزعزع سيطرة الشركة على نظام تشغيلها المغلق.
الخطوة الجديدة لا تأتي بسبب تغيير نوايا وسياسات آبل طواعية، بل هي خطوة أجبرت عليها الشركة بفضل قرار الاتحاد الأوروبي الأخير الذي صدر في مارس/آذار الماضي، إذ قرر أن آبل تحتكر نموذج أعمال التطبيقات المستخدم في متجرها، وهو الأمر الذي يرفضه المجلس بشكل كامل، وحتى تستمر آبل في بيع هواتفها داخل أوروبا، فإن عليها الامتثال لقرار المجلس.
لماذا يرغب المطورون في الهرب من قيود آبل؟
جاء امتثال آبل للقانون الجديد بمثابة طوق إنقاذ للعديد من المطورين والشركات التي تضع تطبيقاتها في متجر الشركة، وهذا لأنه أنقذهم من سياسة اقتطاع الأرباح التي تطبقها آبل على مطوريها. إذ تجبر آبل المطور على دفع 30٪ من إجمالي الدخل الوارد إليه من خلال تطبيقه للشركة إذا كان المطور شركة كبيرة الحجم تولد ملايين الدولارات من الدخل، وأما إذا كان المطور مستحقا للدعم أو كان شركة ناشئة، فإن آبل تقتطع منه 17٪ من إجمالي الدخل الوارد إليه.
وعلى الرغم من أن الشركة تقدم مزايا مختلفة للمطورين من أجل حماية تطبيقاتهم وضمان وصول الأموال وحمايتهم من عمليات الاحتيال المختلفة، فإن بعض المطورين وتحديدا من الشركات العملاقة يرون أن هذه النسبة مجحفة.
والمثال الأوضح على هذا الرفض هو شركة “إيبك جيمز” المطورة للعبة “فورتنايت” الشهيرة، إذ رفعت الشركة قضية على آبل عام 2020، ادعت فيها أن أبل تحتكر قطاع تسويق التطبيقات والمشتريات داخل التطبيقات، وتمنع المنافسين من الاستفادة من هذا الأمر.
بالطبع فإن عملية شراء القطع التجميلية هو مصدر الدخل الأكبر للعبة “فورتنايت” المجانية، لذا لم تكن ترغب الشركة في اقتطاع نسبة آبل من أرباحها، وبعد الكثير من المداولات إنتهت القضية في عام 2021 بانتصار آبل والحكم لصالحها.
ورفضت “إيبك جيمز” هذا الحكم بشكل كبير، وجاء الرفض على شكل إزالة تطبيق “فورتنايت” وجميع تطبيقات الشركة من متجر تطبيقات آبل وحرمان المستخدمين من الاستفادة من اللعبة بشكل كامل.
وبعد القرار الأخير، قامت “إيبك جيمز” بمشاركة منشور احتفالي عبر حسابها على منصة “إكس” بعودة اللعبة إلى متجر تطبيقات آبل.
ما السر وراء رفض آبل لهذه التطبيقات؟
هناك روايتان لسبب رفض الشركة تثبيت التطبيقات الخارجية على هواتفها، وفي البداية هناك الرواية الرسمية التي تحاول الشركة الترويج لها.
وترى آبل أن تثبيت التطبيقات الخارجية يشكل خطرا كبيرا على أمن المستخدمين وبياناتهم، وهي بالطبع الحامي الأول والأخير لهذه البيانات، وإذا قام المستخدمون بتثبيت التطبيقات بشكل خارجي ومن متاجر خارجية، فمن المحتمل ألا تطبق هذه المتاجر قيود صارمة مثل آبل.
ثم هناك الرواية الدارجة، وهي رواية تستند إلى أن تثبيت التطبيقات الخارجية يفقد الشركة العديد من الأرباح التي يمكن تحصيلها من المطورين عبر متجر تطبيقات آبل.
ولا يمكن بأي شكل من الأشكال إنكار أي رواية من الروايتين، إذ إن قوانين آبل الصارمة تمكنت من حماية مستخدمي آيفون لفترات طويلة، وقللت عدد التطبيقات الخبيثة في المتجر بشكل ملحوظ مقارنةً مع متجر غوغل للتطبيقات الذي لا يضع مثل هذه القيود الصارمة على المطورين.
وعلى الصعيد الآخر، فإن آبل تحصد الكثير من الأرباح من مجرد تثبيت التطبيقات وإدارة عمليات الدفع مباشرة من خلال متجر تطبيقاتها، وهو الأمر الذي كان واضحا من خلال أرباح المتجر، وذلك وفق تقرير ديب واتر لإدارة الأصول، إذ كشف التقرير عن توليد أكثر من 27 مليار دولار من الأرباح مباشرة من خلال متجر التطبيقات.
تكاد أرباح متجر التطبيقات تتجاوز أرباح بيع الهواتف والساعات الذكية من متاجر آبل، وهي أرباح مستمرة تأتي بشكل تلقائي للمستخدمين دون الحاجة إلى بناء منتج فعلي وبيعه مباشرة من المتجر.
ماذا بعد؟
يحتفل العالم التقني الآن بإمكانية تثبيت التطبيقات الخارجية في هواتف آيفون، وهو الأمر الذي سيكون متاحا منذ التحديث القادم للهاتف وتحديدا آي أو إس 17.4 الذي يتوقع صدوره خلال الأشهر القادمة.
ورغم اعتقاد الكثيرين بأن هذه القوانين الجديدة تسري على جميع هواتف آبل حول العالم، فإنها في الحقيقة محصورة للهواتف المباعة داخل الدول الأوروبية التي تُستخدم في تلك المنطقة تحديدا.
ويعني هذا أن مستخدمي آبل حول العالم لن يستطيعوا الاستفادة من المزايا الجديدة وإمكانية تثبيت التطبيقات بشكل خارجي ما لم يكونوا مقيمين في إحدى دول الاتحاد الأوروبي، ومن غير الوارد أن تعمم آبل هذا التحديث على جميع الدول والمستخدمين حول العالم.
ولكن هل يمكن أن نرى قوانين دولية تجبر الشركة على تغيير سياستها حول العالم، أم سيظل الأمر حكرا على الدول الأوروبية؟