تطلق الحيتان أسرارا مثيرة في ترانيمها وألحانها، ولا تعد أصواتا أو نداءات عابرة فحسب، بل إنّها أنماط طويلة ومعقدة أشبه بالموسيقى المتقنة المعزوفة تحت الماء. وقد كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة “ناتشر” الدورية، عن كيفية إصدار الحيتان الضخمة -مثل الحيتان البالينية- تلك الأهازيج، وكيف أنّ الضجيج الناتج عن النشاط البشري يؤثر سلبا عليها.
يندرج ضمن الحيتان البالينية 14 نوعا منها الحيتان الزرقاء والحدباء والمنك والحيتان الرمادية، وتشترك جميعها بامتلاكها حنجرة صوتية فريدة تمكّنها من الغناء وإطلاق الأصوات تحت الماء.
وعلى نقيض الأصوات الصادرة من البشر والتي تصدر إثر الاهتزازات التي تمر عبر الأحبال الصوتية، فإنّ للحيتان البالينية حناجر ذات هيكل كبير على شكل حرف “U” الإنجليزي، وتوجد طبقة دهنية ناعمة تقع في الجزء العلوي من الحنجرة، مما يسمح بإعادة تدوير الهواء ومنع وصول الماء في أثناء إصدار الأصوات.
وأوضح الدكتور كوين إيليمانز القائم على الدراسة، أنّ الصوت مهم للحيتان للغاية لإبقائها على قيد الحياة، لأنه هو الطريقة الوحيدة التي يمكنها من خلاله العثور على بعضها البعض للتزاوج والتكاثر في غياهب المحيط. ويشير إليها بأنّها من أكثر الحيوانات غموضا في هذا الكوكب على الإطلاق، إضافة إلى أنها حيوانات ذكيّة واجتماعية للغاية.
وتوصّل الباحثون إلى نتائجهم بعد تشريح 3 جثث من الحيتان بعناية فائقة، وأظهرت النماذج الحاسوبية أنّ الأصوات الناتجة من الحيتان تقتصر على نطاق ترددي ضيّق، وهو ما يجعلها تتشتت سريعا عند أيّ ضوضاء صوتية ناتجة عن حركة السفن. وهذا يعني أنّ الحيتان نظرا لطبيعة حناجرها لا يمكن أن تتجاوز هذه المعضلة، بل إنّ الأمر مرهون كلّه بيد الإنسان إذا ما أراد أن يحافظ على أكبر الكائنات الحيّة في الأرض، لا سيما وأنّ ثمّة أنواعا من الحيتان مهددة بالانقراض مثل الحيتان الحدباء والزرقاء.
وتختلف الحيتان البالينية عن الحيتان المسننة مثل الدلافين وحيتان العنبر في عملية إصدار الصوت، والتي تعتمد على نفخ الهواء من خلال هياكل خاصة في ممراتها الأنفية.