تعرض مجلس إدارة شركة “أوبن إيه آي” خلال معظم فترات العام الماضي 2022، لانتقادات باعتباره صغيرا جدا ومنقسما للغاية بحيث لا يستطيع إدارة واحدة من أسرع الشركات الناشئة نموا في تاريخ وادي السيليكون بشكل فعال.
وفي يوم الجمعة 17 نوفمبر/تشرين الثاني ظهر الخلل إلى العلن عندما قام 4 من أعضاء المجلس بإقالة سام ألتمان الرئيس التنفيذي القوي والشعبي لشركة أوبن إيه آي.
وأطلقت عملية الفصل شرارة اضطراب استمرت 5 أيام، حيث قام ألتمان بحشد جميع موظفي الشركة البالغ عددهم 770 موظفا تقريبا للضغط من أجل استقالة مجلس الإدارة وإعادة ألتمان إلى منصبه. وكان لألتمان ما أراد، فقد عاد إلى الشركة ليلة الثلاثاء 21 نوفمبر، بعد أيام من المساومات على وظيفته وتشكيلة مجلس الإدارة.
مشاكل عميقة
قالت شركة أوبن إيه آي في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، إن سام ألتمان عاد إلى الشركة بعد خمسة أيام من إجباره من قبل مجلس إدارة شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة على الاستقالة.
وبحسب تقرير نشرته نيويورك تايمز عاد ألتمان إلى الشركة بفضل تحركات درامية مزجت بين سطوة المال، وحملة ضغط من الحلفاء، واهتمام إعلامي مكثف، وإيمان راسخ لدى البعض بدور الذكاء الاصطناعي.
وقامت شركة أوبن إيه آي -التي بدت لوهلة أنها على وشك الانهيار بعد عام واحد فقط من تقديم برنامج الدردشة الشهير تشات جي بي تي- باستبدال مجلس الإدارة الذي تعرض لانتقادات شديدة وعينت مجلسا آخر مكانه يتكون من مجموعة أكثر تقليدية تضم وزير الخزانة السابق لورانس سامرز ومديرا في الشركة، وأحد مؤسسي عملاق البرمجيات ساليزفورس (Salesforce).
ومن المتوقع أن ينضم المزيد من الأعضاء للمجلس ممن يمكن اختيارهم من مجتمع الذكاء الاصطناعي، بالإضافة لمديرين كبار في الشركة، وأيضا مديرين من مايكروسوفت أكبر المستثمرين في الشركة.
بنية قديمة وصراع نفوذ
وتمتلك شركة أوبن إيه آي هيكلا إداريا غير عادي، يتحكم فيه مجلس إدارة مؤسسة غير ربحية، وليس لدى المستثمرين في الشركة طريقة رسمية للتأثير في القرارات.
لكن لم يتوقع أحد أن يقوم 4 من أعضاء مجلس الإدارة -بما في ذلك كبير علماء شركة أوبن إيه آي وأحد مؤسسيها وهو إيليا سوتسكيفر- بإقالة ألتمان فجأة، زاعمين بأنه لم يعد من الممكن الوثوق به في مهمة الشركة المتمثلة في بناء ذكاء اصطناعي “يفيد البشرية جمعاء”.
وكانت التداعيات فورية، فقد استقال رئيس الشركة غريغ بروكمان -الذي ساعد أيضا في تأسيس الشركة قبل 8 سنوات- احتجاجا على القرار.
وكان مجلس الإدارة يشعر بالإحباط بشكل متزايد من سلوك ألتمان خلال العام الماضي، واعتقد أنه بحاجة إلى السيطرة عليه، وفقا لشخصين مطلعين على تفكير مجلس الإدارة ذكرا ذلك لصحيفة نيويورك تايمز.
حادثة ذات مغزى
وفي إحدى الحوادث ظهر مدى التوتر الذي أصبحت عليه العلاقة بين مجلس الإدارة وألتمان، وذلك عندما انتقد ألتمان ورقة بحثية نُشرت في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي شاركت في كتابتها عضو مجلس الإدارة هيلين تونر التي تعمل مديرة للإستراتيجية في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة بجامعة جورج تاون.
فقد قال ألتمان وقتها إن الورقة تبدو وكأنها تنتقد جهود أوبن إيه آي للحفاظ على تقنياتها آمنة، بينما تشيد بمنافسها. وقال في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى زملائه: “إن أي قدر من الانتقادات من أحد أعضاء مجلس الإدارة له وزن كبير”، بحسب تقرير نشرته نيويورك تايمز.
ودافعت تونر عن الورقة باعتبارها بحثا أكاديميا، لكن ألتمان وغيره من قادة أوبن إيه آي ناقشوا لاحقا ما إذا كان ينبغي عزلها من مجلس الإدارة، حسبما قال شخص شارك في المناقشات.
لكن سوتسكيفر كبير العلماء في أوبن إيه آي، واثنين من أعضاء مجلس الإدارة الآخرين هما آدم دانجيلو وتاشا ماكولي، وقفا إلى جانب تونر.
وكان سوتسكيفر هو من أبلغ ألتمان بقرار طرده لأنه لم يكن “صريحا باستمرار في اتصالاته مع مجلس الإدارة”.
وعلى مدى الأيام الخمسة التالية، ضغط ألتمان وحلفاؤه على مجلس الإدارة لإعادته واستقالة مجلس الإدارة.
وعرضت مايكروسوفت خطة بديلة تشمل تعيين ألتمان في إدارة شركة جديدة للذكاء الاصطناعي وتقديم معمل أبحاث مايكروسوفت له مع غريغ بروكمان.
ووقع أكثر من 700 من موظفي الشركة البالغ عددهم 770 موظفا -بما في ذلك سوتسكيفر الذي قال في منشور على موقع “إكس” إنه “يأسف بشدة” لدوره في الإطاحة بألتمان- على عريضة تطالب بعودة ألتمان للشركة.
وقال 3 أشخاص مطلعين لصحيفة نيويورك تايمز إن الضغط جعل أعضاء مجلس الإدارة الآخرين يترددون. لقد شعروا بالفزع من أن ألتمان وحلفاءه كانوا يشجعون التمرد، وكانوا يعتقدون أنهم بصفتهم مجلس إدارة يتصرفون بنزاهة ويوفون بالتزاماتهم تجاه مهمة المنظمة غير الربحية.
وقال اثنان مطلعان على مداولات مجلس الإدارة إن المجلس ما زال مصمما على إجبار ألتمان على تغيير سلوكه، كما أن لديه مخاوف إزاء بعض جهوده الأخيرة لجمع الأموال لمصالح شخصية، مثل تأسيس شركة ناشئة لتطوير الأدوية في نفس الوقت الذي كان يجمع فيه الأموال لصالح أوبن إيه آي.
وتركزت المحادثات في الشركة من السبت 18 نوفمبر وحتى الثلاثاء 21 نوفمبر على كيفية إنشاء مجلس إدارة يمكن أن يثق به الجميع. وكان ذلك يعني العثور على مديرين محايدين يقومون بالتحقق من سلطة ألتمان والضغط من أجل إجراء تحقيق مستقل في سلوكه.
وبحلول مساء الثلاثاء 21 نوفمبر توصل الجميع إلى اتفاق، وقال أحد الأشخاص إنه رغم كل الخلافات، فقد اتفق الجميع على ألا تمتد الفوضى إلى يوم الخميس 23 نوفمبر.
ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. فقد قال أحد المطلعين لصحيفة نيويورك تايمز إنه على مدى الأشهر الستة المقبلة سيقوم مجلس الإدارة بتحليل وربما تغيير الهيكل غير المعتاد لأوبن إيه آي.
من هم خارج المجلس؟
سام ألتمان:
أحد مؤسسي أوبن إيه آي، وكان عضوا في مجلس إدارتها منذ البداية، وكانت إحدى النقاط الشائكة الرئيسية خلال المفاوضات مع أعضاء مجلس الإدارة معارضتهم لعودته إلى مقعده. وقال شخصان مطلعان على المفاوضات إن ألتمان قاتل لعدة أيام للعودة لمنصبه، ولكن القرار النهائي كان أن يظل في الشركة دون أن يعود لمنصبه رئيسا تنفيذيا.
غريغ بروكمان:
أحد مؤسسي أوبن إيه آي ورئيس مجلس إدارتها حتى يوم الجمعة 17 نوفمبر، فقد استقال يومها من منصبه رئيسا تضامنا مع ألتمان. وقال الشخصان لنيويورك تايمز إنه أعرب عن اهتمامه بالعودة إلى مجلس الإدارة بعد حله، لكن أعضاء المجلس رفضوا. والآن يعود إلى أوبن إيه آي موظفا كبيرا فقط.
إيليا سوتسكيفر:
أحد المؤسسين المشاركين وأحد كبار الباحثين في أوبن إيه آي، أمضى 8 سنوات كبيرا للعلماء في أوبن إيه آي.
هيلين تونر:
عضو مستقل في مجلس الإدارة منذ عام 2021، وتعمل مديرة للإستراتيجية في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة بجامعة جورج تاون، وهو مركز أبحاث، حيث تكتب عن قضايا الأمن القومي. وقد وافقت على ترك المجلس.
تاشا ماكولي:
عضو مستقل في مجلس الإدارة منذ عام 2018 على الأقل، وهي عالمة مساعدة في مجال الإدارة العليا في مؤسسة راند، وواحدة من أقدم مؤسسات الفكر والرأي في الولايات المتحدة.
من هم أعضاء المجلس الجديد؟
آدم دانجيلو:
مدير تنفيذي سابق في فيسبوك، ومؤسس مشارك لموقع الأسئلة كويرا، وكان أحد أعضاء مجلس الإدارة الذين أطاحوا بألتمان. وقال الشخصان المطلعان على المحادثات لنيويورك تايمز إنه كان القائد الرئيسي لمجلس الإدارة في المفاوضات.
بريت تايلور:
أحد العناصر الأساسية في الدوائر التقنية بوادي السيليكون، ومدير تنفيذي سابق في فيسبوك وسيلز فورس، وكان يُنظر إليه خلال المفاوضات على أنه طرف محايد، حسبما قال أشخاص مطلعون على المناقشات. وغالبا ما يُنظر إليه على أنه نوع من الوسيط في مواقف الضغط، وكان له دور فعال في التفاوض على بيع منصة تويتر بقيمة 44 مليار دولار إلى إيلون موسك.
لورانس سامرز:
أحد أبرز الاقتصاديين في البلاد، وكان إضافة متأخرة إلى قائمة المرشحين المحتملين لمجلس الإدارة، شغل منصب وزير الخزانة في إدارة الرئيس بيل كلينتون وكان رئيسا لجامعة هارفارد.
العلماء أم رجال الأعمال؟
لقد أوضحت أزمة شركة “أوبن إيه آي” أننا أمام معضلة كبيرة في بنية شركات تطوير الذكاء الاصطناعي الآمن، وأظهرت إلى العلن المعركة الدائرة حول من الذي يسيطر على أنظمة الشركات فعليا؛ هل هم رجال الأعمال الذين يرغبون في كسب المال، أم الباحثون الذين يشعرون بالقلق من أن ما يطورونه قد يؤدي في النهاية إلى أن يصبح تهديدا إذا خرج عن السيطرة؟
سوف تراقب صناعةُ التكنولوجيا -وربما حتى العالم- نتيجة هذه المعركة لنعرف ما إذا كانت شركة أوبن إيه آي أقرب إلى تحقيق التوازن بين هذين الفريقين بعد التغييرات التي حصلت في مجلس إدارتها.