ربما كان على رواد الفضاء الأوائل أن يتقبلوا فكرة الموت أثناء رحلاتهم البعيدة إلى الفضاء، فهي احتمال وارد خصوصا وأن العالم كله كان يتلمس خطواته الأولى خارج حدود الأرض.
وعلى سبيل المثال، وقبل وصول رحلة الفضاء الأولى “أبولو 11” إلى سطح القمر عام 1969، حاملة معها نيل أرمسترونغ ورواد الفضاء الآخرين، كان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون مستعدا لإلقاء خبر وفاتهم هناك وقد بدأ خطابه الاحتياطي الذي لم يضطر لحسن الحظ لإلقائه، بعبارة “لقد قدر أن الرجال الذين ذهبوا إلى القمر للاستكشاف بسلام سيبقون على القمر ليرقدوا بسلام”.
ولكن، ماذا لو حدثت وفاة بالفعل على سطح القمر أو في محطة الفضاء الدولية أو خلال الرحلات الطويلة التي تعدها وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” للذهاب إلى المريخ؟ هل يوجد بروتوكول معين يجب اتباعه للتعامل مع الجسد؟
وربما يتوقع البعض أنه يتم التعامل مع جسد المتوفي في الفضاء مثلما يتعامل البحارة مع خسائرهم البشرية بإلقائها في البحر، ولكن هذا الأمر يعد محظورا بموجب القوانين والمعاهدات الدولية.
وتنص اتفاقية الأمم المتحدة على أنه لا يمكنك رمي النفايات في الفضاء، وهذا يشمل إلقاء الجثث، لأن الأجسام العائمة بالفضاء يمكن أن تصطدم بمركبات فضائية أخرى أو حتى تطفو إلى كواكب غريبة وتستعمرها بشكل فعال بالبقايا البشرية وأية بكتيريا وكائنات حية أخرى قد تعيش على الجسم وداخله.
كم شخصا مات في الفضاء؟
منذ بدأ الإنسان رحلة استكشافه للفضاء قبل ما يزيد على 60 عاما، توفي 20 شخصا تقريبا، 14 رائد فضاء في مآسي مكوك الفضاء التابع لناسا عامي 1986 و2003 و3 رواد فضاء خلال مهمة “سويوز 11” عام 1971، و3 رواد فضاء في حريق منصة إطلاق “أبوللو 1” عام 1967.
وكما هو واضح ووفقا لموقع “أسترونومي” فإن غالبية هذه الوفيات حدثت إما على الأرض أو في غلافها الجوي، تحت الحدود المقبولة للفضاء والتي تسمى “خط كارمان” الذي يستخدم للتفرقة بين الغلاف الجوي للأرض والفضاء الخارجي ويبدأ على ارتفاع حوالي 100 كيلومتر فوق سطح البحر.
ومع ذلك، ومن بين ما يقرب من 550 شخصا ذهبوا في رحلات إلى الفضاء حتى الآن مات ثلاثة فقط هناك.
الموت بالقرب من الأرض
بالنسبة لمحطة الفضاء الدولية، فإنه لم يمت على متنها أحد حتى الآن، وعادة يقضي رواد الفضاء مدة قصيرة على متنها، تكون 6 أشهر فقط كل مرة، ويخضعون جميعا لفحص طبي مكثف قبل أن تتم الموافقة على رحلاتهم الفضائية.
ويتضح -من تقارير ناسا- أنها تركز على الوقاية أكثر من التركيز على ما يجب فعله إذا مات رائد فضاء بالفعل في الفضاء.
ولكن في حال توفي شخص ما على متن محطة الفضاء الدولية، أو كان في مهمة في مدار منخفض حول الأرض، فيمكن للطاقم إعادة الجثة إلى الأرض في كبسولة في غضون ساعات.
وأما إذا حدثت الوفاة على سطح القمر، فيمكن للطاقم العودة إلى الأرض بالجثة في غضون أيام قليلة. ويوجد لدى ناسا بروتوكولات مفصلة لمثل هذه الأحداث، وفقا لإيمانويل أوركويتا أستاذ طب الفضاء وطب الطوارئ، كلية بايلور للطب، في مقاله على موقع “ذا كونفرسيشن”.
وبسبب هذه العودة السريعة، فمن المحتمل ألا يكون الحفاظ على الجثة هو الاهتمام الرئيسي لناسا، ولكن الأولوية الأولى هي التأكد من عودة الطاقم المتبقي بأمان إلى الأرض.
الموت على سطح المريخ
يوجد لدى ناسا بالفعل خطط لإرسال بعثات مأهولة إلى المريخ، وتعمل شركات خاصة مثل “مارس 1″ و”سبيس إكس” على إعداد الخدمات اللوجستية لإنشاء مستعمرات بشرية على سطح هذا الكوكب الأحمر. ربما لا تزال هناك بضعة عقود من الزمن أمام الرحلات المأهولة إلى المريخ لكنها تبدو حتمية كما هو الحال مع احتمال وفاة شخص ما في الفضاء سواء أثناء طريقه إليه أو على سطحه.
وإذا مات رائد فضاء وهو في طريقه للمريخ، لن يتمكن الطاقم من الالتفاف والعودة خلال رحلة مقدارها 300 مليون ميل. وبدلا من ذلك، يرجح أن يعود الجسم إلى الأرض مع الطاقم نهاية المهمة والتي ستكون بعد عامين تقريبا.
وما يعيب هذه الخطة أنه لن يكون من العملي إبقاء جسم بشري على متن سفينة فضائية طول الرحلة الطويلة إلى المريخ. فهذا يمكن أن يعرض صحة الطاقم للخطر جسديا وعقليا. كما أن المركبات الفضائية باهظة الثمن بحيث إن إضافة ضريح صغير إلى أي سفينة سيكون بمثابة إضافة بملايين الدولارات.
وأحد المقترحات الأكثر إثارة للاهتمام للتعامل مع الموت بالفضاء هو “حقيبة الجسد” وهي عبارة عن كيس نوم محكم يتم ضغط جثة بشرية فيه ثم تعريضه لدرجات حرارة متجمدة بالفضاء الخارجي. ثم تعاد الجثة إلى ظهر المركبة الفضائية ويتم هزها بشدة حتى تتحطم متحولة إلى طحين مقداره 50 رطلا تقريبا. في هذه الحالة يمكن تعليق غبار الجسم خارج المركبة حتى تصل إلى وجهتها.
أما في حال مات رائد الفضاء بعد هبوطه على سطح المريخ. فإنه تقريبا لا توجد إجابة لما يجب فعله. هل يمكن حرق جثته للتخلص منها مثلا؟ بالطبع لا لأن حرق الجثث غير مرغوب فيه هناك فهو يتطلب الكثير من الطاقة التي يحتاجها الطاقم الناجي لأغراض أخرى.
كما أن الدفن ليس فكرة جيدة حيث يمكن للبكتيريا والكائنات الحية الأخرى الموجودة بالجسم أن تلوث سطح المريخ. وسيكون من المرجح أن يحتفظ الطاقم بالجثة في الكيس المخصص حتى يمكن إعادتها إلى الأرض.
لكن كل هذه السيناريوهات لن تنطبق إلا إذا مات شخص ما في بيئة مضغوطة مثل محطة فضائية أو مركبة فضائية.
هل يمكن استخدام جسد الميت سمادا؟
تتضمن خطط ناسا و”مارس 1″ وان لزيارة المريخ قيام رواد الفضاء بزراعة محاصيلهم الخاصة على الكوكب الأحمر. ويعد استخدام الأجسام البشرية بعد الوفاة كسماد إحدى الأفكار الجذرية، ولكن وفقا لموقع ساينس ألرت، فإنه لا يبدو من المرجح أن هذه الفكرة سوف تنتشر على الإطلاق. لقد كان من المحرم دائما استخدام جثث الموتى من أجل “أغراض مفيدة”.
ويعد الموت قضية إنسانية عميقة، لكن بالنسبة لرحلات الفضاء طويلة المدى يجب أيضا التعامل معها على أنها مكلفة ومسألة عملية.
ولا يزال هناك الكثير من الأشياء المجهولة حول كيفية تعامل رواد الفضاء مع الموت. إنها ليست مجرد مسألة ما يجب فعله بالجسد. ولكن مساعدة الطاقم على التعامل مع الخسارة والعودة للأرض لا تقل أهمية عن التعامل مع بقايا الميت.
المصدر : ذا كونفرسيشن + ساينس ألرت + مواقع إلكترونية