أظهرت دراسة حديثة نشرت في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” أن بعض الكائنات الدقيقة قادرة على العيش داخل خلايا حيوانات أخرى، حيث توفر لها الطاقة، وهذا الاكتشاف يفتح آفاقًا جديدة لفهم التعايش الداخلي بين الكائنات الحية وتطوره عبر الزمن.
التعايش الداخلي التنفسي يعني وجود كائن حي، يُعرف بالمتعايش، داخل خلية مضيفة تتبع كائنا حيا آخر، حيث يقوم الأول بتوفير الطاقة اللازمة للثاني. في هذه الدراسة، اكتشف الباحثون كائنًا يُسمى “كانديديتس أزوأميكوس سيلياتيكولا” يعيش داخل نوع من الكائنات الأولية يُعرف بالهدبيات اللاهوائية.
هذا الكائن يوفر الطاقة للخلية المضيفة باستخدام عملية تنفس تعتمد على أكسدة النيتروجين، وهي وظيفة مشابهة لما تقوم به الميتوكوندريا في خلايا الإنسان، التي تعرف باسم “بيت الطاقة” بسبب هذا الدور.
في الواقع، يرى علماء أن الميتوكوندريا الموجودة في خلايانا الآن كانت كائنا بكتيريا منفصلا، منذ حوالي 1.5 إلى 2 مليار سنة، حينما ابتلع خلية بدائية حقيقية النواة واحدة من هذه الكائنات، وبدلاً من هضمها، شكلت البكتيريا علاقة تكافلية مع الخلية المضيفة، إذ زودت البكتيريا المضيف بالطاقة (عبر التنفس الهوائي)، وزود المضيف البكتيريا ببيئة مستقرة ومغذيات.
دراسة الحياة
وعثر الباحثون على 4 جينومات مكتملة لكائنات مشابهة للمتعايش “كانديديتس” في عينات مياه جوفية من كاليفورنيا وأوهايو بالولايات المتحدة وفي ألمانيا. تشترك هذه الكائنات في قدراتها على التنفس الهوائي ونزع النيتروجين، مما يعني أنها قادرة على التكيف مع بيئات متنوعة، سواء احتوت على الأكسجين أو خَلَت منه.
لهذا الاكتشاف أهمية كبيرة في فهم كيفية تطور التعايش الداخلي. في العادة، تتطور الكائنات المتعايشة الداخلية من أسلاف كانت في الأصل طفيليات. ومع مرور الوقت، تصبح هذه الكائنات مفيدة للمضيف. أما في حالة كائنات “كانديديتس” المكتشفة حديثًا، فإن قدرتها على التنفس الهوائي تعني أنها قد تطورت من كائنات قادرة على العيش في بيئات تحتوي على الأكسجين، ثم تكيفت للعيش في بيئات لا هوائية.
وقد أظهرت الدراسة أن هذه الكائنات ليست محصورة في أماكن محددة، بل توجد في بيئات متنوعة حول العالم، مثل المياه الجوفية والبحيرات العميقة، مما يدل على قدرة تكيف هائلة لهذه الكائنات مع ظروف بيئية مختلفة.
قد يُساهم هذا الاكتشاف في تطوير فهمنا لكيفية تطور الحياة على الأرض، وكيف تكيفت الكائنات الحية مع ظروف بيئية مختلفة عبر الزمن. كما قد تكون لهذا الاكتشاف تطبيقات في دراسة البيئات القاسية مثل أعماق البحار والمياه الجوفية العميقة، كما يُبرز أهمية دراسة الكائنات الدقيقة وما يمكن أن تكشفه لنا عن أسرار الحياة على سطح كوكب الأرض.