تتناول أكثر من 150 مليون امرأة حول العالم حبوبا لتحديد النسل، والتي غالبا ما تسمى ببساطة “حبوب منع الحمل”، ويتحملن وحدهن عبء ومسؤولية الرغبة في الإنجاب. ولكن ماذا لو كان للرجل حبوب يتناولها لتقليل الخصوبة عنده ومنع الحمل عند النساء؟
تُجرى حاليا تجارب على أول حبوب منع حمل للرجال على الإطلاق، لتضع قريبا المزيد من القوة بين أيدي الرجال لمنع الحمل غير المرغوب فيه بموثوقية عالية، بعد عشرات السنوات من اقتصار تلك الوسائل على النساء.
وتسعى التجارب إلى الإجابة على سؤال طبي أساسي: هل هذا الدواء آمن وفعال؟ لكن لا شك في أن الشركات المصنعة تتساءل عن شيء آخر هو: هل نرى الرجال يُقبلون عليه دون خوف من الآثار على خصوبتهم؟
وسائل أنثوية محفوفة بالمخاطر
كان عام 1960 عاما محوريا في تاريخ تنظيم الأسرة، حين طُرحت حبوب منع الحمل في الأسواق الأميركية والعالمية لأول مرة بعد حصولها على موافقة “إدارة الغذاء والدواء الأميركية”، وبعد مرور عام أصبحت حبوب منع الحمل متاحة في ألمانيا الغربية، ثم في ألمانيا الشرقية بعد أربع سنوات. وسُمّي العقار الأول “إنوفيد”، وكانت تدخل في تركيبه مادة البروجِستين التي تُضعف فرص الحمل. وطُوِّرت هذه الحبوب بجهود طبيب أمراض النساء الأميركي “جون روك” وعالم الأحياء الأميركي “غريغوري بينكوس”، وبدعم من “مارغريت سانغر” التي اعتُبرت من الرائدات في مجال تنظيم الأسرة.
في البداية، سَوّقت صناعة الأدوية الحبوب على أنها علاج لشكاوى الدورة الشهرية، ووُصفت حصريا للنساء المتزوجات. وفي ذلك الوقت، كان الخوف من الحمل غير المرغوب فيه يهيمن على الحياة الجنسية.
وعلى الرغم من صغر حجمها، فإن الحبوب سرعان ما انتشرت وكان لها تأثير اقتصادي واجتماعي، إذ ذهبت إلى أبعد من أي طريقة سابقة في الفصل بين الجنس من أجل المتعة والجنس من أجل الإنجاب، واعتُبرت حينها “قضية نسائية”، إذ أتاحت للنساء التفرغ للدراسة والعمل بدلا من أعمال المنزل وتغيير الحفاظات.
وفي القرن العشرين، انتشرت العديد من وسائل منع الحمل التي زادت من ثقل المسؤولية على النساء. فبحسب الأمم المتحدة، مازالت 67% من وسائل منع الحمل نسائية، ومن أبرزها الحبوب اليومية وحُقن الإستروجين والبروجسترون والأدوات التي تُزرع تحت الجليد في أعلى الذراع، يُضاف ذلك إلى التعقيم الدائم عبر ربط أو قطع قناتي فالوب لمنع وصول البويضات إلى الرحم.
واليوم، يمكن للنساء الاختيار بين وسائل أخرى بما في ذلك حبوب منع الحمل، واللصقات أو الأغشية، وحقن منع الحمل، وتلك التي تُوضع داخل المهبل مثل اللولب والواقي الأنثوي، والتي تتراوح فعاليتها من 71 إلى 99%. وعلى الرغم من أن لها فوائدها، فإن هناك أيضا مخاطر صحية مرتبطة بتحديد النسل الهرموني، وفقا لموقع “هيلث لاين”.
يعتمد عمل حبوب منع الحمل الأنثوية على الهرمونات التي تعطِّل الدورة الشهرية، وأُثيرت الكثير من الشائعات حولها، منها مثلًا أنها قد تتسبب بأنواع مختلفة من السرطانات وفق بعض الدراسات، لكن العلماء يقولون إن هذا الأمر غير صحيح إلا في حالة استخدامها على المدى الطويل مثل تأثير أي دواء نتناوله لفترة طويلة. بل ثبت أن استخدام وسائل منع الحمل عن طريق الفم قد يقلل بشكل كبير من سرطان المبيض، وخطر الإصابة بسرطان الرحم، كما يمكنه أن يقلل من خطر الإصابة بسرطان القولون.
كما يُشاع أيضا أن وسائل منع الحمل تمنع الحمل نهائيا حتى بعد التوقف عن استخدامها، بينما يقول العلماء إن هذا غير صحيح. وأثارت عدد من الدراسات المتعارضة الجدل حول العلاقة بين حبوب منع الحمل والاكتئاب لدى النساء، فقالت بعض الدراسات إن حبوب منع الحمل تُسبب الاكتئاب ونفت ذلك دراسات أخرى، وقالت دراسات ثالثة إن الأمر غير واضح.
هذا التركيز على النساء اللواتي يُمكن لهن الحمل، ساهم في انتشار فكرة أنهن “مسؤولات بشكل طبيعي” عن وسائل منع الحمل، كما تقول الأستاذة المساعدة في جامعة أوريغون “كريستال ليتل جون”، في كتاب “فلتتعودي على الحبة.. العبء غير المتكافئ للسياسة الإنجابية”.
وهكذا ظلت النساء لسنوات يتساءلن: متى سيتمكن العلم من تحقيق المكاسب السريعة في مجال المساواة بين الجنسين ويُطلب من الرجال أن يتحملوا جزءا صغيرا من المسؤولية عن تنظيم الأسرة؟ ومتى سيسمح الطب الحديث للرجال بالقيام بدورهم على الأقل في التخطيط لإنجاب الأطفال، ومنع حالات الحمل في التوقيت الخاطئ أو غير المرغوب فيه؟
كيف دخل الرجال عالم منع الحمل؟
كانت حبوب منع الحمل للرجال رؤية مطروحة لعقود من الزمن، فمنذ السبعينيات على الأقل -أي بعد وقت قصير من إتاحة حبوب منع الحمل للنساء على نطاق واسع- حاول العلماء على فترات متقطعة تطوير وسائل منع حمل فعالة وطويلة الأمد للرجال، إلا أن الفكرة واجهت عقبات كثيرة.
وتعرقلت المحاولات الرامية إلى طرح وسيلة جديدة وفعالة لمنع الحمل في السوق بسبب عدد من العوامل، منها التمويل المحدود، والإجراءات التنظيمية المطوّلة، والتحديات البيولوجية، والقضايا المجتمعية مثل الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بأن الأشخاص الذين يمكنهم الحمل (أي النساء) يجب أن يتحملوا مسؤولية منع الحمل.
وبالإضافة إلى ذلك يقول بعض الخبراء إن نجاح حبوب منع الحمل لدى النساء قد يكون مسؤولا جزئيا عن التأخر في تطوير خيارات منع الحمل للرجال، فقد سيطرت وسائل منع الحمل عن طريق الفم، وكان تأثيرها على النساء عميقا لدرجة أنها غيَّرت من أنماط الحياة لديهن.
وعلى مدى السنوات الماضية، تخلت صناعة الأدوية عن معظم استثماراتها في مجال وسائل منع الحمل بشكل عام، وتراجعت عن تطوير أبحاث منع الحمل لدى الذكور بشكل خاص، ولم يتبق سوى المنظمات غير الربحية والكيانات العامة التي تسعى إلى استخدام وسائل منع الحمل للرجال. وتُرجع التفسيرات الرئيسية ذلك إلى التوقعات غير المؤكدة للطلب في السوق مقابل الحاجة إلى استثمارات مهمة لإثبات سلامة المنتجات المرشحة الحالية، وعلاوة على ذلك ركزت العديد من الموارد على إعطاء المزيد من الخيارات للنساء.
وحاول الباحثون طويلا تطوير نظير لهذه الحبوب للذكور باستخدام الطرق نفسها، والعمل على هرمون الذكورة، وتسببت هذه المحاولات في آثار جانبية غير مرغوب فيها مثل زيادة الوزن ونوبات الاكتئاب وزيادة مستويات الكولسترول، وهو ما يزيد من مخاطر أمراض القلب.
وعلى الرغم من أن ما يقرب من نصف حالات الحمل في جميع أنحاء العالم تكون غير مقصودة، انحصرت خيارات منع الحمل المتاحة للرجال في شكلين معتمدين: الواقي الذكري وقطع القناة الدافقة، وفقا للمعهد الوطني للصحة.
وهذه الخيارات فعالة لكنها لا تخلو من عيوب، فالواقي الذكري له فائدة إضافية تتمثل في حماية الناس من الأمراض المنقولة جنسيا، لكنه لا يحظى بشعبية نسبيا، فعندما لا يُستخدم بشكل صحيح فإنه يمكن أن يتمزق، ولديه معدل فشل في الاستخدام يبلغ نحو 13%، وفقًا لـ”مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها”.
من ناحية أخرى هناك التعقيم عبر قطع أو سد الأسهرين، وهما القناتان اللتان تنقلان الحيوانات المنوية نحو القضيب، وهذا لا يعني توقف إنتاج السائل المنوي لكنه يكون خاليا من الحيوانات المنوية، وتتمتع هذه العملية بمعدل نجاح مرتفع، إلا أن الأطباء لا يوصون أبدا بإجراء هذه العملية الجراحية إذا كان صاحبها ينوي استعادة وصل الأسهرين لاحقا.
وتشير إرشادات قطع القناة الدافقة للجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية، إلى أن عمليات استعادة الخصوبة قد لا تكون ناجحة دائما. ويميل إجراء عكس قطع القناة الدافقة إلى أن يكون صعبا ومكلفا وليس مضمونا بشكل كامل، مما قد يتسبب بعقم نهائي وفق مراجع صحية عديدة، كما يوجد ربط بين عمليات التعقيم ومضاعفات مثل العدوى والألم قصير الأمد والمزمن.
وبالإضافة إلى ذلك، يلجأ بعض الرجال أيضا إلى الأساليب الحرارية، وهي حلقة حرارية مطاطية أو سروال يحتوي على حلقة تُمرَّر حول القضيب والصفن المغلف للخصيتين فترتفعان إلى أعلى، مما يزيد درجة حرارتهما ويتوقف إنتاج الحيوانات المنوية.
استدعت هذه الوسائل التفكير في طرق أسهل لتحكم الرجل في الرغبة في الإنجاب، وفي الآونة الأخيرة فقط كان هناك تدفق متواصل للدراسات البحثية التي جعلت العديد من وسائل منع الحمل الذكورية -الهرمونية وغير الهرمونية- قيد البحث والتطوير السريري، لكن أغلبها تستخدم عوامل هرمونية تثبط هرمون التستوستيرون لمنع إنتاج الحيوانات المنوية.
فعلى سبيل المثال، هناك تركيبة هُلامية (جِل) لمنع الحمل تسمَّى “إن إي إس/تي”، تُدهَن على أكتاف الرجل وأعلى ذراعيه مرة واحدة يوميا، وتقلل إنتاج الحيوانات المنوية إلى أقل من مليون حيوان منوي لكل مليلتر مقارنة بما بين 15 مليونا و200 مليون حيوان منوي لكل مليلتر اللازمة لحدوث الحمل. وتقوم المعاهد الوطنية للصحة بتمويل تجربة سريرية لاختبار جِل منع الحمل الهرموني الذي يعد أول وسيلة لمنع الحمل للرجال تصل إلى المرحلة الثالثة من التجارب في عام 2022.
وتنتظر شركة “كونترالاين” للتكنولوجيا الحيوية بولاية فرجينيا، التجارب السريرية لوسائل منع الحمل غير الهرمونية الجديدة للذكور التي تسمى “إيه دي إيه إم”، وهو “هيدروجِل” قابل للحقن صُمِّم لمنع الحيوانات المنوية من السفر عبر الأسهرين دون التأثير في الإحساس أو القذف، ويستمر مفعوله لمدة عام، وتصفه الشركة بأنه “لولب للرجال”، وكانت نتائجه الأولية واعدة، وبدا أنه فعال بنسبة 96% في منع الحمل.
وفي عام 2018 أجُريت تجربة سريرية على حبوب منع حمل جديدة تؤخذ عن طريق الفم، وشارك فيها 83 رجلًا، وجمعت بين نشاط هرمون الأندروجين (هرمون الذكورة) وهرموني التستوستيرون والبروجستين اللازمين لإنتاج الحيوانات المنوية، وتأخذ الحبوب مرة واحدة يوميا. ولا تزال التجارب مستمرة على هذه الحبوب الهرمونية التي تسمى “دي إم إيه يو”، على الرغم من أن دراسة سابقة أجريت عام 2019 وجدت أنها آمنة عند استخدامها يوميا لمدة شهر مع استجابات هرمونية منخفضة تتفق مع وسائل منع الحمل الفعالة وعدم وجود آثار جانبية خطيرة.
ومع ذلك فإن هرمون التستوستيرون لا يوقف إنتاج الحيوانات المنوية تماما، كما أنه يرتبط أيضا بآثار جانبية خطيرة مثل زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بالإضافة إلى زيادة الوزن وحب الشباب وتغيرات المزاج مثل العنف وانخفاض الرغبة الجنسية.
خيارات جديدة للرجال
بعد سنوات واجهت خلالها الطرق الهرمونية السابقة تحديات مثل الكثير من الآثار الجانبية وقضايا تقليل إنتاج الحيوانات المنوية، قَدّمت دراسة جديدة على الحيوانات منافسا آخر في البحث عن وسيلة جديدة لتحديد النسل للرجال.
ففي مارس/ آذار 2022، أعلن باحثون في جامعة مينيسوتا أنهم ابتكروا حبوب منع الحمل غير الهرمونية الأولى من نوعها للذكور، والتي كانت فعالة بنسبة 99% في منع الحمل لدى الفئران، وتقليل عدد الحيوانات المنوية لدى القرود، وأنهم يخططون لبدء التجارب البشرية في أقرب وقت.
ويحتوي هذا العقار المُشار إليه باسم “واي سي تي 529″، على مضادات لبروتين يدعى “مستقبِل ألفا لحمض الرِيتنويك”، وهو شكل من أشكال فيتامين “أ”، ويلعب دورا مهما في تكوين الخلايا، بما في ذلك تكوين الحيوانات المنوية وتطور الجنين. وأعطى الباحثون هذا العقار لذكور الفئران لمدة 4 أسابيع، وأظهرت الحيوانات انخفاضا كبيرا في عدد الحيوانات المنوية. وبعد 4 إلى 6 أسابيع من التوقف عن تلقي وسائل منع الحمل، عادت الفئران إلى خصوبتها المعتادة، دون ملاحظة آثار جانبية.
وبينما يتحمس الفريق الذي يقف وراء هذه الدراسة الجديدة لنتائجها الواعدة، فإن آخرين يشككون فيها، ويرون أن نتائج الدراسة مجرد تقدم آخر مثير للاهتمام قد لا يصل إلى السوق بالفعل، ويستدلون بأن هناك اختلافات رئيسية بين كيفية تفاعل جينات الإنسان والفئران.
وبعد عام ونصف تقريبا من إجراء التجارب ما قبل السريرية، وتحديدا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، خاض 16 رجلا بريطانيا المرحلة الأولى من التجارب السريرية لحبوب منع الحمل الذكورية الجديدة الخالية من الهرمونات، في خطوة واعدة ترعاها شركة تطوير الأدوية “كوشِنت ساينسز”، ومقرها مدينة نوتنغهام.
وخلافا للحبوب الأنثوية، فإن حبوب منع الحمل اليومية المكافئة للذكور”واي سي تي 529″ خالية من الهرمونات، وتمنع إنتاج الحيوانات المنوية والخصوبة عن طريق منع الوصول إلى فيتامين “أ” الضروري لتكاثر الذكور وإنتاج الحيوانات المنوية وصيانة الجهاز التناسلي الذكري، ويأمل العلماء إذا أثبتت الاختبارات نجاحها أن تُقسّم مسؤولية منع الحمل بشكل عادل بين الجنسين.
ويعتقد صنّاع هذه الطريقة الجديدة أنها قد تحقق تأثيرا أكبر في منع الحمل من الواقي الذكري، لكن هيئة الخدمات الصحية الوطنية “إن إتش إس” في إنجلترا تقول إن الواقي الذكري فعال بنسبة 98% عند استخدامه بشكل صحيح. وحاولت الإصدارات السابقة من وسائل منع الحمل لدى الذكور تثبيط هرمون التستوستيرون في محاولة لوقف إنتاج الحيوانات المنوية، ولكن هذا لم يكن فعالا تماما، وكان مرتبطا بالمضاعفات.
وأظهرت الدراسات التي يعود تاريخها إلى ما يقرب من 100 عام أن حرمان الفئران والجرذان والقردة من فيتامين “أ” يمكن أن يؤدي إلى العقم، وأنه يمكن استعادة الخصوبة بسهولة بمجرد انتهاء العلاج، وهي الحقيقة التي ألهمت حبوب منع الحمل الجديدة الخالية من الهرمونات.
ووفقا للمديرة المؤسسة لمعاهد اكتشاف وتطوير العلاجات بجامعة مينيسوتا “جوندا جورج” التي طوَّرت هذه النوعية من الحبوب، فإن العالم جاهز لوسائل منع الحمل الذكورية، وقالت ضمن بيان ببحثها إن تقديم منتج خالٍ من الهرمونات هو ببساطة الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به نظرا للآثار الجانبية التي تحملتها النساء لعقود من حبوب منع الحمل، وتشمل تقلبات المزاج وتغير الوزن وتهيج المهبل والصداع النصفي.
وأشارت أبحاث مؤخرا إلى أن النساء اللواتي يتناولن أي نوع من وسائل منع الحمل الهرمونية قد يواجهن خطرا متزايدا للإصابة بسرطان الثدي. وفي الوقت نفسه، وجدت أبحاث أن النساء اللواتي يتناولن بعض مسكنات الألم الشائعة -بما في ذلك الإيبوبروفين- إلى جانب حبوب منع الحمل، يمكن أن يعانين من زيادة خطر الإصابة بجلطات الدم.
هل ستكون متاحة قريبا؟
مع الوصول إلى هذه المرحلة الزمنية فيما يتعلق بالمسار الذي تتجه إليه الأمور مع وسائل منع الحمل الذكورية الجديدة، يُحذر البعض من أنه على الرغم من الاهتمام العام بوسائل منع الحمل للرجال، فإنه من المحتمل ألا يكون المنتج الجديد متاحا قريبا. وقال خبراء إنه لا ينبغي لنا أن نتوقع أن تصل النسخة البشرية إلى الرفوف في أي وقت قريب، ويُقدَّر أن الأمر سيستغرق 10 سنوات على الأقل حتى تصل حبوب منع الحمل المخصصة للرجال إلى السوق.
وتعود المشكلة في ابتكار طرق جديدة لمنع الحمل للذكور إلى علم الأحياء، فبينما تثنتج النساء بويضة واحدة شهريا، فإن الرجال ينتجون نحو 1000 حيوان منوي في الثانية، أي ملايين الحيوانات المنوية يوميا، مما يجعل التعديلات الهرمونية أصعب بكثير.
وتشير الأبحاث السابقة إلى أن عدد الحيوانات المنوية قد يحتاج إلى تقليله إلى أقل من مليون لكل مليلتر لتوفير مستوى جيد من الحماية من وسائل منع الحمل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير وسائل منع الحمل الواعدة يمكن أن يعوقه عملية تنظيمية معقدة، فمنذ تطوير وسائل منع الحمل للنساء، والتي شملت تجارب حبوب منع الحمل المثيرة للجدل في بورتوريكو، أصبحت متطلبات جلب وسائل منع الحمل إلى السوق أكثر صرامة.
وفي التسعينيات، أجرت منظمة الصحة العالمية بحثا حول هرمون التستوستيرون كشكل محتمل من وسائل منع الحمل، ووجدت أنه فعال للغاية في تقليل عدد الحيوانات المنوية، لكنْ كانت هناك حاجة لمستويات عالية من الهرمون لتثبيط الحيوانات المنوية بشكل فعال، مما أدَّى إلى آثار جانبية مرهقة منها زيادة الوزن وحب الشباب والتهيج وتقلب المزاج. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الآثار الجانبية المحتملة لوسائل منع الحمل الذكورية الجديدة مصدر قلق خاص للمنظمين، ففي عام 2016 أوقف الباحثون المرحلة الثانية لإحدى التجارب الواعدة لهرموني البروجستيرون والتستوستيرون بتكليف من منظمة الصحة العالمية بعد أن أبلغ المشاركون عن الكثير من الآثار الجانبية، مثل التقلبات المزاجية والألم بعد تلقي الحقن والاكتئاب والتفكير في الانتحار.
وأثارت هذه الخطوة غضبا عاما في ذلك الوقت، عندما أشار الكثيرون إلى أن هذه النتائج تتطابق مع الآثار الجانبية الموثقة جيدا التي أبلغت عنها النساء بسبب حبوب منع الحمل الهرمونية.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن جِل “إن إي إس/تي” في مرحلة التطوير الأطول، وتقوم المعاهد الوطنية للصحة بتمويل تجربة سريرية لاختباره، على الرغم من أن تجربة المرحلة الثالثة قد تستغرق 5 سنوات على الأقل حتى تكتمل.
وفي الوقت نفسه، تستعد شركة كونترالاين لبدء أولى تجاربها البشرية على عقار “إيه دي إيه إم” بأستراليا، ومن المتوقع أن تنتهي التجارب السريرية لحبوب منع الحمل غير الهرمونية المعروفة باسم “واي سي تي 529” التي استمرت لعقدين من البحث، في يونيو/ حزيران 2024، ويتوقع العلماء أن تُطرح في الأسواق في غضون 5 سنوات.
ويختبر الباحثون في الهند إجراءً غير جراحي لقطع القناة الدافقة يُعرف باسم التثبيط العكسي للحيوانات المنوية تحت التوجيه، أو “آر آي إس يو جي”، والذي يتضمن حَقن مادة هلامية في الأنابيب الموجودة في القضيب والتي تخزن الحيوانات المنوية. ولكن إلى أن تمر هذه المساعي بدراسات جوهرية وتجارب على البشر والحصول على التراخيص اللازمة ليصبح العقار متاحا للاستخدام التجاري في العالم، فإن الشكل الذكوري لتحديد النسل الذي يمكن مقارنته بالحبوب المتوفرة في السوق للنساء يطرح سؤالاً: هل سيُدرج الرجال هذه الحبة في روتينهم اليومي؟
هل يأخذها الرجال؟
وبينما تقترب تلك اللحظة التي تكون فيها وسائل منع الحمل للرجال متاحة، فإنها ستكون اختبارا آخر لما إذا كان الرجال مستعدين بالفعل لتحمل المسؤوليات المشتركة لحياة البالغين، أم يفضلون ترك المرأة تقوم وحدها بكل أعمال التحكُّم في وقت الإنجاب. ويدرك الباحثون أن الطلب على وسائل منع الحمل للرجال موجود، فقد وجد استطلاع يُستشهد بها كثيرا نُشرت نتائجه في عام 2005 وأجري على أكثر من 9 آلاف رجل في 9 دول؛ أن القبول الإجمالي للأساليب الهرمونية بلغ نحو 55%، مع إبداء ما يقرب من 28 إلى 71% من المشاركين في الاستطلاع في البلدان الفردية استعدادهم لاستخدام مثل هذه الطريقة.
كما درس الباحثون موقف الزوجات أيضا في عام 1894 عندما حضرت النساء عيادات تنظيم الأسرة في إدنبرا وكيب تاون وشانغهاي وهونغ كونغ، واعتبر أكثر من 90% من النساء في إدنبرا وكيب تاون أن حبوب منع الحمل للرجال فكرة جيدة، بينما كانت النسبة أقل في هونغ كونغ وشانغهاي حيث بلغت 71 و87% على التوالي. ولم تثق سوى 2% من النساء في أن شريكهن سيستخدم حبوب منع الحمل الذكورية.
وفي دراسة أجريت في إنجلترا، كان لكل من الرجال والنساء مواقف إيجابية تجاه حبوب منع الحمل الذكورية، وكان لدى النساء موقف أكثر إيجابية تجاه حبوب منع الحمل الذكورية الجديدة، ولكن كانت لديهن ثقة أقل في أن الرجال سيستخدمونها بفعالية. وقدمت هذه الدراسات التي أُجريت على الرجال والنساء دليلا على أنه عند توفر وسيلة جديدة لمنع الحمل للرجال، سحاول أكثر من 50% من الرجال استخدامها، وأظهرت أن الزوجات سيثقن بأزواجهن لتناول حبوب منع الحمل الذكورية عن طريق الفم.
ووفقًا لـ”أكاش باكشي” المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “يور تشويس ثيرابيوتيكس” وهي الشركة المصنعة لأول حبوب منع الحمل الخالية من الهرمونات للرجال ومقرها سان فرانسيسكو، فإن “واي سي تي 529” سيكون أكثر جاذبية للرجال الذين يَعتبر معظمهم منع الحمل مسؤولية مشتركة حتى رغم خيارات منع الحمل المحدودة اليوم، والتي تعتبر دائمة أو فعالة بدرجة معتدلة فقط.
ويقول العديد من الرجال الذين شاركوا في تجربة الحبوب الهرمونية التي تسمى “دي إم إيه يو”، إنهم يفضلون حبوب منع الحمل اليومية كوسيلة لمنع الحمل القابلة للعدول عنها مُستقبلا، بدلا من الحقن ذات المفعول الطويل أو المواد الهلامية الموضعية التي هي أيضًا قيد التطوير.
وتشير البيانات إلى أن معظم الرجال والنساء يعتقدون أن منع الحمل مسؤولية مشتركة، ووفقا لدراسة أُجريت عام 2021 ونُشرت في مجلة أبحاث الجنس، تتراوح نسبة الرجال الراغبين في تناول وسائل منع الحمل الذكورية بين 34 و82.3%.
ووفقًا لـدراسة أخرى ركزت على الجوانب الاقتصادية لوسائل منع الحمل الهرمونية الجديدة للرجال، فإن التقديرات الأولية لحجم السوق المحتمل لوسائل منع الحمل الآمنة والفعالة للذكور تتراوح بين 40 و200 مليار دولار، بافتراض أن حجم السوق يبلغ 10 ملايين رجل في الولايات المتحدة و50 مليونا في جميع أنحاء العالم.
ويشدد الخبراء على أهمية معالجة التأثيرات الاجتماعية مثل تلك التي تساهم في ندرة الخيارات الموجهة للذكور، والتأكد من أن التجربة مقبولة بالنسبة للرجال، ومواصلة العمل بجدية أكبر لتغيير التصوّرات الاجتماعية عن منع الحمل للرجال لتتماشى بشكل أفضل مع هذه التقنيات بمجرد وصولها إلى السوق.