ضمن شراكة نادرة، أثمر عمل مشترك بين الصين وفرنسا إطلاق قمر صناعي لتعقب آثار انفجارات أشعة غاما الضخمة، وذلك بهدف البحث في تاريخ الكون السحيق. وذلك رغم حظر الولايات المتحدة أي تعاون مع الصين في مجالات الفضاء.
ويحتوي القمر الصناعي الذي يُطلق عليه “إس في أو إم” (SVOM)، على جهازين من صناعة فرنسية، وآخرين من صناعة صينية، لغرض البحث عن آثار لانفجارات أشعة غاما التي تقطع مليارات السنوات الضوئية للوصول إلى الأرض، وتعد أكثر الأحداث الكهرومغناطيسية المضيئة في الكون.
وأشارت إدارة الفضاء الوطنية الصينية إلى أنّ القمر الصناعي الذي يبلغ وزنه 930 كيلوغراما، انطلق بنجاح مساء السبت 22 يونيو/حزيران على متن الصاروخ الصيني “لونغ مارش 2 سي” من قاعدة إطلاق الصواريخ في “شيتشانغ” التابعة لمقاطعة “سيتشوان” جنوب غربي البلاد.
وتقع انفجارات أشعة غاما عادةً نتيجة لانفجار النجوم العملاقة؛ تلك التي يزيد حجمها عن حجم الشمس بعشرين مرّة تقريبا، أو عندما تحدث عملية اندماج نجمين نيوترونيين معا، وتعادل الطاقة الناتجة من مثل هذه الانفجارات الكونية في بضع ثوانٍ كمية من الطاقة تعادل ما تطلقه الشمس طوال عمرها الممتد لـ10 مليارات سنة.
ويقول عالم الفيزياء في مركز الفيزياء الفلكية التابع لمعهد “فلاتيرون” في نيويورك “أوري غوتليب”: “إنّ مراقبة انفجارات أشعة غاما يشبه النظر إلى الوراء في الزمن، إذ يقطع الضوء المنبعث منها وقتا طويلا للوصول إلينا”.
حقل تجارب على مسافات شاسعة
تستغرق معظم انفجارات أشعة غاما أجزاء من الثانية إلى بضع دقائق، ولوحظ أنّها تحدث في المجرات البعيدة التي تقع على حافة الكون المرئي، وهو ما يجعلها أدوات قيّمة لدراسة الكون في المراحل المبكرة من عمره. ويوضح غوتليب ذلك قائلا: “إنّ القمر الصناعي الجديد لديه القدرة على كشف العديد من الألغاز والخبايا في هذا الشأن، بما في ذلك الكشف عن الانفجارات التي حدثت في نقاط بعيدة في الكون”.
وعلى مستوى الكون، فإنّ المسافة ترتبط بالعمر، فكلّما كان الشيء بعيدا كان أقدم، ويقع أبعد انفجار لأشعة غاما جرى اكتشافه على بعد 630 مليون سنة فقط من بَعد نشأة الكون، ويحمل رمز “انفجار أشعة غاما 090423″، والتقطه مرصد “سويفت” الفضائي في عام 2009.
ويقول عالم الفيزياء الفلكية في معهد باريس للفيزياء الفلكية “فريدريك دايغن”: “نحن مهتمون بانفجارات أشعة غاما لذاتها لأنّها انفجارات كونية نشطة للغاية تسمح للعلماء بفهم نهاية بعض النجوم بشكل أفضل، والحصول على كلّ تلك البيانات يجعل من الممكن اختبار القوانين الفيزيائية التي من المستحيل اختبارها ضمن تجارب مخبرية على الأرض”.
ولا يغرد القمر الصناعي “إس في أو إم” وحيدا في الفضاء لتعقب انفجارات أشعة غاما، بل ثمّة العديد من الأقمار الصناعية والتلسكوبات القابعة في مدار الأرض القريب للقيام بذات المهمة، في حين سيحلّق القمر الصناعي على مسافة 625 كيلومترا ليكون مداره الأخير ويبدأ العمل مباشرة بإرسال البيانات إلى المحطات المعنية في الأرض.
الخروج من عباءة ناسا والبحث عن حليف آخر
ويأتي هذا المشروع نتيجة شراكة ناجحة بين كلّ من وكالتي الفضاء الفرنسية والصينية، ويقول الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء الفرنسية “فيليب بابتيست” لوكالة فرانس برس: إنّ العملية أجريت بنجاح كبير، وإنّه كان تعاونا مميزا بين باريس وبكين.
وجاء المشروع على الرغم من أنّ التعاون الفضائي على مستوى الغرب والصين أصبح شبه نادر إلى حدٍ كبير، لأنّ الولايات المتحدة حظرت جميع مظاهر التعاون بين وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” والصين في عام 2011 لدواع أمنية. ويشمل الحظر كذلك منع حلفاء أميركا من التعامل مع الصين، إلا أنّه في بعض المنافسات يحدث ذلك.
ففي عام 2018، أطلقت الصين وفرنسا بشكل مشترك قمرا صناعيا لدراسة المحيطات والأرصاد الجوية البحرية، كما أنّ العديد من الدول الأوروبية شاركت في برنامج الصين لاستكشاف القمر “تشانغ آه” الواعد.