لا ينضب معين تيموثي سواغر، أستاذ الكيمياء بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأميركا أبدا، فيكفي كتابة اسمه على محرك البحث الخاص بالأبحاث العلمية “غوغل سكولار”، لتكتشف أن هذا العالِم ابن الـ63 عاما، ما إن يفرغ من اختراع حتى يبدأ في التفكير بآخر، ليصبح لديه 29 براءة اختراع، وأكثر من 200 مقالة علمية، وهو ما أهله للحصول في عام 2007 على الجائزة الأميركية الأرفع في مجال الاختراعات والتي تبلغ قيمتها النقدية نصف مليون دولار، وهي جائزة “ليميلسون” من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وتُكرّم تلك الجائزة المخترعين الذين تساهم اختراعاتهم في تعزيز الفرص الاقتصادية ورفاهية المجتمع مع حماية البيئة الطبيعية واستعادتها، وهو النهج نفسه الذي يسير عليه سواغر، والذي كان ينوي في بداية حياته أن يصبح مزارعا قبل أن يقع في غرام الكيمياء، محاولا البحث عن أوجه للتشابه بين عمل الكيميائي والمزارع.
وفي مقابلة خاصة مع “الجزيرة نت” عبر البريد الإلكتروني، يكشف سواغر، الذي تستفيد أغلب جيوش العالم من اختراعه للكشف عن المتفجرات، عن فلسفته الخاصة في التقارب بين عمل المزارع والكيميائي، وكيف دعمت نشأته في بيئة زراعية محدودة الموارد ميله الدائم نحو الابتكار والاختراع.
ولم يبخل علينا بالحديث عن بعض التفاصيل المتعلقة بالتقنيات التي اعتمدت عليها أبرز اختراعاته، وفلسفته الخاصة في الحياة، وكيفية إدارة يومه بين العمل الجامعي والتعاون مع المجتمع الصناعي، ونصيحته للباحثين الراغبين في السير على دربه. وفيما يلي نص الحوار.
- في مقابلة صحفية أجريت معك، ذكرت أنك كنت تخطط لأن تصبح مزارعا، فكيف تحولت من نية أن تصبح مزارعا إلى أن تصبح عالما في الكيمياء ومخترعا بارزا؟
من الصعب جدا، فهم القرارات التي اتخذتها في الحياة بأثر رجعي، لكن مما لا شك فيه أن هناك رابطا بين العمل في المزرعة والعمل في مجال الكيمياء الصناعية، فأنت تقوم في كلا العملين بالعديد من الأنشطة اليدوية.
وكجزء من نشأتي في مونتانا، كان والداي مهتمين جدا ببناء الأشياء، وقاما ببناء منزلهما على مدار نحو 10 سنوات، وساعدتُ في بناء المواقد وتعلمت العمل من والدي الذي صنع كل شيء بما في ذلك الأسرّة وخزائن المطبخ والطاولات وما إلى ذلك، لقد اعتقدت أنه سيكون أمرا رائعا حقا بناء جزيئات ومواد من وحدات البناء الجزيئية، فالكيمياء العضوية تسمح لك بالقيام بذلك.
- استرعى انتباهي في الحوار نفسه محاولتك البحث عن أوجه تشابه بين استقلال الفلاح في أرضه واستقلال العالم في مختبره، وقلت إن استقلال العالم يجعله لا يخشى إجراء تجارب مجنونة، لكنني أعتقد أن الفلاح قد يخاف من أي تجربة مجنونة تضر بأرضه أو بمواشيه.. أليس كذلك؟
معظم المزارعين ومربي الماشية كما يطلقون على أنفسهم في مونتانا؛ لديهم وسائل محدودة للغاية لمواصلة عملياتهم، وغالبا ما يتعين عليهم محاولة إصلاح المعدات بأنفسهم أو أخذ أجزاء من قطعة واحدة من المعدات لاستخدامها في قطعة أخرى، ولقد صنعت عددا من الأنواع المختلفة من الأجهزة الميكانيكية عندما كنت في سن المراهقة.
- قطعتَ شوطا طويلا منذ أيام العمل في المزرعة وصولا إلى قائمة طويلة من الاختراعات، كان آخرها إعلانكم في دراسة نشرتها دورية “بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس”، عن مستشعر يكشف عن الكميات القليلة من مواد “السلفونات المشبعة بالفلور ألكيل” في مياه الشرب.. فما هي آلية عمله، ورؤيتكم للشكل التطبيقي لتسويقه؟
الآلية الرئيسية التي يقوم عليها هذا المستشعر هي أن البوليمر الذي نستخدمه يتحول من مادة عازلة إلى مادة موصلة للغاية (مثل المعدن تقريبا) يحفزها الجزيء محل الاهتمام (وهو في هذه الحالة مواد السلفونات المشبعة بالفلور ألكيل )، ويمكن أن يصل هذا المستوى من التغيير في الموصلية إلى 100 ألف ضعف، وبالتالي فإن نقل البوليمر الموصل للمواد الكيميائية قوي جدا، ولقد أظهرنا أن هذه الطريقة يمكن استخدامها للمؤشرات الحيوية الصحية، وقياس المقاومة هو أمر كمي في جوهره، ويعد قياس المقاومة الطريقة الأساسية لإنشاء استجابة استشعار إلكترونية، لذلك لدينا اهتمامات واسعة النطاق في التطبيقات من حيث الاختبارات البيئية للأيونات السامة أو الجزيئات في الماء، بالإضافة إلى أجهزة تحديد المؤشرات الحيوية في الدم (مثل جهاز مراقبة الجلوكوز) أو البول، ونحن نعمل على تطوير الأجهزة التي يمكن إنتاجها واستخدامها في المنزل.
- رغم عملك على كثير من المستشعرات، يظل مستشعر كشف المتفجرات مثل مادة “تي ني تي”، هو الأشهر، حيث ذكر تقرير لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في سياق الحديث عن مبررات منحك جائزة “ليميلسون”، أن الجيش الأميركي يستخدمه للكشف عن المتفجرات، فهل يمكنك أن تشرح بطريقة مبسطة كيف يعمل هذا المستشعر؟
لقد قمنا بتطوير عدد من الطرق البصرية للكشف عن المتفجرات، والتي أصبحت تجارية منذ نحو 20 عاما، وهذه التكنولوجيا مملوكة الآن لشركة “فلير تيليدين” المتخصصة في تصميم وإنتاج كاميرات وأجهزة استشعار، ويسمى المنتج “فيدو” اختصار لـ”التعرف الميداني على المتفجرات”، وهو كاشف المتفجرات الأكثر حساسية اليوم، وهو محمول ويعمل بالبطارية، والجهاز الحالي أكبر قليلا من جهاز التحكم عن بعد الخاص بالتلفاز.
ويعمل هذا الجهاز بتقنية مختلفة عن المستشعرات البيئية الأخرى، حيث يقوم الجهاز بجمع عينة من الهواء أو السطح الذي يجري اختباره، ويُحلِّل بعد ذلك العينة المجمّعة باستخدام تقنية تسمى قياس طيف التنقل الأيوني، وتُؤين العينة، مما يعني أن جزيئاتها تعطى شحنة كهربائية، ويؤدي ذلك إلى إنشاء أيونات يمكن التحكم فيها بواسطة مجال كهربائي، وبعد ذلك تُمرر الجزيئات المتأينة عبر حجرة مملوءة بالغاز، ويتسبب المجال الكهربائي في تحرك الأيونات بسرعات مختلفة حسب حجمها وشكلها، ويؤدي هذا إلى فصل الأيونات بناء على حركتها عبر الغاز، وبعد الانفصال، يُكشف عن الأيونات بواسطة جهاز استشعار، ووجود أيونات محددة يدل على وجود متفجرات معينة أو بقاياها، وبُرمج الجهاز للتعرف على أنماط الأيونات المميزة المرتبطة بالمتفجرات، وفي حالة اكتشاف متفجرات يُنبه الجهاز المشغِّل، وهذا يسمح لأفراد الأمن باتخاذ الإجراء المناسب.
- من الكشف عن المتفجرات، إلى إعلانك مؤخرا العمل على استخدام أجهزة الاستشعار السلكية الجزيئية في تطبيقات جديدة، مثل اكتشاف الملوثات البيئية والخلايا السرطانية في مراحلها المبكرة.. فما الذي ألهمك لاستكشاف تطبيقات أخرى لهذه الأجهزة؟
“أجهزة الاستشعار السلكية الجزيئية” هي أجهزة تستخدم مكونات ذات نطاق جزيئي للكشف عن محفزات محددة والاستجابة لها مثل المواد الكيميائية، وتتضمن هذه المستشعرات عادة دمج جزيئات ذات قدرات استشعار محددة جنبا إلى جنب مع مكونات الأسلاك التي تسهل نقل الإشارة.
وأنا بدوري أبحث دائما عن طرق يمكن من خلالها استخدام أجهزة الاستشعار لتحسين حياة الناس في العالم، وفي هذه الأيام أنا مهتم بشكل خاص بالتكنولوجيا التي يمكن أن تؤثر في الأشخاص الذين لا يستطيعون الوصول إلى التقنيات الأخرى، وسيستفيد الأشخاص في المناطق الريفية أو البلدان النامية من أجهزة الاستشعار منخفضة الكلفة التي تتطلب الحد الأدنى من الأجهزة المادية، ونحن نعمل كثيرا مع الأشياء التي يمكن تشغيلها وقراءتها بواسطة الهواتف الذكية.
- بخبرتك الواسعة في المجالات الأكاديمية والصناعية، ما هي النصيحة التي تقدمها للعلماء والمخترعين الطموحين؟
حاول تحقيق توازن جيد بين العلوم الأساسية التي تتعلق بالمفاهيم والتطبيقات الجديدة، وهذا هو المجال الذي يمكن فيه الابتكار الحقيقي.
- وكيف توازن بين دورك كعضو هيئة تدريس في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومشاركتك في المجالس الاستشارية العلمية المختلفة، واستشاراتك الفنية للشركات الناشئة؟
يعد معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومنطقة بوسطن بيئة فريدة تقدم للأشخاص فرصا لا يمكن الوصول إليها في أي مكان آخر، ومع ذلك كعضو في هيئة التدريس أُعطي “وظيفتي اليومية” الأولوية، وأقوم بمعظم أنشطتي المهنية الخارجية (مصطلح تقني نستخدمه) في الليل وفي عطلات نهاية الأسبوع، ويعرف طلابي أنهم دائما يأتون في المرتبة الأولى، وهذا أمر أساسي حقا، لأن القيام بخلاف ذلك سيكون بمثابة إساءة استخدام امتياز كونك أستاذا.
- لقد فزت بجائزة “ليميلسون” من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهي بلا شك جائزة مهمة، لكن هل لديك حلم بالحصول على جائزة نوبل، وما الذي ينقصك للحصول على هذه الجائزة المرموقة؟
لقد عرفت عددا من الأشخاص الذين فازوا بجوائز نوبل، والعديد منهم يقومون بحملة للحصول على جائزة “ليميلسون” من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأنا لست من هذا النوع، وبالطبع لن أرفض مثل هذه الجائزة، لكنها ليست ما يدفعني للبحث، فأنا أجد أن معظم جوائز نوبل تُمنح لأشخاص ركزوا بشكل كبير على موضوعات معينة، ونهجي الذي يحركه حل المشكلات أصبح أقل تركيزا.