يتزايد الاهتمام باستخدام الألعاب وسيلة لتشجيع الطلاب على المشاركة والتفاعل، حيث تقدم بيئة تعليمية تفاعلية تحفز التفكير النقدي، وتحسن الفهم، وتساعد في اكتساب المهارات.
وبالرغم من أن فكرة استخدام ألعاب الفيديو في الفصل الدراسي قد تبدو متناقضة، ولكن الطلاب يتعلمون عندما يشاركون.
ووفقًا لبحث بعنوان “أساسيات التعلم القائم على الألعاب” فإن هذه النوعية من التعليم القائم على الألعاب يحفز المتعلمين على المشاركة لفترات أطول بالإضافة إلى تطوير مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية.
وبالإضافة إلى ذلك، وجدت إحدى الدراسات أن ألعاب الفيديو قد تساعد الطلاب المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط في التركيز، وأظهرت نتائج واعدة في علاج اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط لدى الأطفال.
ومن خلال دمج ألعاب الفيديو في المنهج الدراسي، فإن ذلك يرفه عن الطلاب، إلى جانب المساعدة في تطوير المهارات النقدية وتعزيز تجربة التعلم الشاملة.
الألعاب التعليمية
لا شك في إمكانية استخدام ألعاب الفيديو بصفتها أداة قوية في الفصل الدراسي طالما أنها تُستخدم لتعزيز أهداف التعلم وتتوافق مع الموضوع الذي تدرسه وتطور المهارات، مثل التفكير النقدي وحل المشكلات والتعاون وما إلى ذلك.
وخلال جائحة كورونا، اعتمد المعلمون على ألعاب الفيديو الشهيرة، مثل “أساسنز كريد” (Assassin’s Creed) و “ماين كرافت” (Minecraft) و “روبلوكس” (Roblox) لإجراء دروس حول مجموعة من المواضيع بصفتها أدوات تعليمية، حيث تحولت العديد من الفصول الدراسية إلى التعلم من بُعد.
ومع ذلك، فإن الألعاب لا تساعد فقط في التعلم من بُعد، إذ خلص بحث مكثف حول فعالية الألعاب في مجموعة متنوعة من البيئات التعليمية إلى استنتاج مفاده أن التعلم القائم على الألعاب -أي استكشاف المفاهيم التعليمية من خلال التفاعل مع الوسائط الرقمية- هو مكمل قيم للأنماط الأكثر تقليدية للتعليم التربوي.
وعلى وجه التحديد، هناك أدلة على أن الألعاب لها فوائد ملحوظة في تطوير التفكير النقدي وحل المشكلات والتفكير في النظم ومهارات الإبداع، وكلها ضرورية لتعليم العلوم.
وتوفر الألعاب فرصًا للاستكشاف والتفاعل الموجه ولديها إمكانات مفيدة للاستخدام التعليمي.
وتصمم الألعاب التعليمية خصيصًا لتحفيز التعلم وتطوير المهارات المعرفية أو الحركية لدى الطلاب.
وتختلف عن الألعاب الترفيهية التقليدية في أنها تركز على تحقيق أهداف تعليمية واضحة، مثل تعزيز الفهم في مادة معينة أو تحسين مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.
وتتنوع هذه الألعاب بين الرقمية التي تستخدم تقنيات الحاسوب والتطبيقات، تلك التي تعتمد على التفاعل في الفصل الدراسي مثل الألعاب الورقية أو ألعاب الطاولة.
الفوائد التعليمية للألعاب
غالبًا ما يفكر الآباء والمعلمون في ألعاب الفيديو باعتبارها منافسة للتعلم، ولكن كلما تعلمنا المزيد عن الألعاب وتأثيرها في الدماغ رأينا فائدتها كأداة تعليمية.
ووفقًا للأبحاث، تتمتع ألعاب الفيديو بعدد من الفوائد بصفتها أداة تربوية، وتتناسب مع دروس الرياضيات أو التاريخ أو اللغة أكثر مما تعتقد، وتستطيع تعزيز مهارات التعلم لدى الطلاب وإيجاد طرق جديدة للتفاعل الاجتماعي.
وفيما يلي عدة طرق قد تفيد بها ألعاب الفيديو القدرات الإدراكية للطلاب:
- التنسيق: تتضمن ألعاب الفيديو محفزات بصرية وسمعية مفصلة ومعقدة في بعض الأحيان، على عكس مشاهدة مقاطع الفيديو، لأن اللاعبين يستوعبون هذه المحفزات بشكل سلبي ويتعين عليهم التحرك والتفاعل مع ما يرونه عبر الشاشة، مما يمنحهم فرصة لممارسة مهارات التنسيق لديهم. ومع التقدم في تتبع الحركة والواقع الافتراضي، تتمتع ألعاب الفيديو بالقدرة على تشجيع اللاعبين على تحريك أجسامهم بالكامل للتقدم خلال اللعبة، مما يوجد فرصًا للتمرين أيضًا.
- مهارات حل المشكلات: تعد ألعاب الفيديو غنية بالألغاز والتحديات والقواعد والقيود التي يجب على اللاعبين العمل من خلالها للوصول إلى أهدافهم، ولا يدرك الطلاب غالبًا أنهم يمارسون مهارات حل المشكلات لأنهم منغمسون في اللعبة ويركزون على الفوز.
- تعزيز الذاكرة: تتطلب ألعاب الفيديو من اللاعبين تدريب الذاكرة. ومن أجل تحقيق النجاح في معظم الألعاب، يجب على الطلاب تذكر قواعد اللعبة وضوابطها وأهدافها والتفاصيل المتعلقة بالإعدادات والشخصيات والحبكة والمزيد.
- تحسين التركيز: لا شك أن ألعاب الفيديو قادرة على جذب الانتباه. ويستطيع الطلاب تعلم مبادئ تحفيزية جيدة منها.
أداة تعلم فعالة: تؤكد الأبحاث أن ألعاب الفيديو قد تكون أداة تربوية مفيدة بفضل مبادئ اللعب، ويمكن استخدام ألعاب الفيديو لتدريس مجموعة متنوعة من الموضوعات. - تسريع وظائف المخ: تمتلئ ألعاب الفيديو بالمحفزات البصرية والسمعية التي يجب على اللاعبين استيعابها وتفسيرها والرد عليها، غالبًا في جزء من الثانية. وتظهر الدراسات أن ألعاب الفيديو قد تدرب على الاستجابة بشكل أسرع دون التضحية بالدقة.
- مهارات المهام المتعددة: تتطلب العديد من الألعاب من اللاعبين مراقبة قضايا متعددة في وقت واحد، مثل صحة ومخزون الشخصية، والحدود الزمنية لمستوى أو مهمة، والتحديات أو التهديدات الواردة المحتملة.
- المهارات الاجتماعية: تستفيد هذه المهارة بشكل كبير من الإشراف لأن الطلاب قد ينجرفون بسهولة في خضم اللحظة. وعند فعل ذلك بشكل صحيح، يمكن لألعاب الفيديو أن تساعد اللاعبين في التواصل الاجتماعي حيث يتعلمون العمل في فرق، والمشاركة في المنافسة الصحية، والترابط من خلال تجارب اللعبة المشتركة.
- تعزيز الفهم: تساعد الألعاب في تبسيط المفاهيم المعقدة من خلال تقديمها في شكل تجارب تفاعلية. وتوفر ألعاب، مثل “إصدار ماين كرافت التعليمي” (Minecraft Education Edition) بيئة افتراضية يمكن للطلاب من خلالها تعلم مبادئ الرياضيات والفيزياء عبر محاكاة حية.
- تعزيز المشاركة: تزيد الألعاب مستوى التفاعل في الفصل الدراسي، حيث تبين أن الطلاب الذين يشاركون في ألعاب تعليمية تكون لديهم مشاركة أعلى في النشاطات الصفية ويشعرون بمزيد من الحماس تجاه الدروس.
ألعاب الفيديو لتعزيز التعلم
جرى تصميم بعض الألعاب مع وضع المحتوى التعليمي في الاعتبار، في حين تساعد الألعاب الإستراتيجية أو الألعاب المتعددة اللاعبين الأخرى المتعلمين في اتخاذ القرارات أو تطوير المهارات الاجتماعية.
ويلعب نحو 3 أرباع الأطفال في الولايات المتحدة ألعاب الفيديو، ويشير نحو 7 من كل 10 معلمين من رياض الأطفال حتى الصف الثامن إلى أنهم يدمجون التعلم القائم على الألعاب الرقمية في الفصول الدراسية.
وفيما يلي بعض ألعاب الفيديو التي يمكن استخدامها في الفصل الدراسي لإشراك الطلاب.
ماين كرافت
يحول إصدار ماين كرافت التعليمي اللعبة التقليدية القائمة على الكتل إلى منصة تعليمية تفاعلية تشرك الطلاب من خلال مشاريع البناء والتحديات، مما يتيح للمعلمين دمجه في جميع مجالات المواد الدراسية بمناهجهم، مثل الرياضيات والعلوم والتاريخ. ويطبق الطلاب مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات أثناء عملهم بشكل تعاوني مع الآخرين للتنقل عبر المهام معًا.
سيفيلايزيشن 6
تعتمد لعبة “سيفيلايزيشن 6” (Civilization VI) على الإستراتيجية، حيث يبني الطلاب حضارة من الصفر. وتتطلب من الطلاب أن يكون لديهم فهم أساسي للجغرافيا والمال لأنهم يحتاجون إلى إنفاق أموالهم من أجل الصالح العام للمجتمع، يشمل ذلك الشؤون العسكرية، والتنمية الحضرية، والمنافع العامة. وخلال اللعبة، ينخرط الطلاب في مفاهيم تاريخية وثقافية وجيوسياسية أثناء تطوير مجموعة متنوعة من المهارات، مثل التفكير النقدي وحل المشكلات.
فالينت هارت: ذا غريت وور
يمكن استخدام لعبة “فالينت هارت: ذا غريت وور” (Valiant Hearts: The Great War) في الفصل الدراسي أداة تعليمية لأنها تمزج بين الحقائق التاريخية ورواية القصص والألغاز الصعبة التي يتعين على الطلاب إكمالها. وتدور أحداث اللعبة في الحرب العالمية الأولى، حيث يستطيع الطلاب شق طريقهم عبر لعبة الفيديو هذه التي تشبه القصص المصورة ويكتسبون فهمًا أعمق للصراعات التاريخية والعالمية. وباعتبارها لعبة مغامرات، فهي تقدم طريقة لتطوير الذكاء العاطفي والتعاطف لدى الطلاب من خلال تعلم الحقائق التاريخية من خلال تجربة تعليمية تفاعلية وجذابة.
دراغون بوكس
تعد “دراغون بوكس” (Dragonbox) -التي طورتها شركة “كاهوت” (Kahoot) التعليمية- سلسلة ألعاب فيديو تُعلِّم وتُعزز مفاهيم الرياضيات. وتستخدم هذه المجموعة من الألعاب الألغاز والتحديات التفاعلية لتعليم المفاهيم الرياضية التي تتراوح من الحساب الأساسي إلى الضرب والجبر والعناصر الهندسية. ومن خلال إشراك الطلاب في تجربة التعلم التفاعلية هذه، يكتسب الطلاب فهمًا عميقًا لمفاهيم الرياضيات أثناء تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.
كيربال سبيس بروغرام
تعتمد لعبة محاكاة الفضاء “كيربال سبيس بروغرام” (Kerbal Space Program) على الفيزياء وتعلم الطلاب هندسة الطيران والفضاء والفيزياء والرياضيات. وبينما يقوم الطلاب بتصميم وإدارة وإطلاق مهامهم الفضائية الخاصة، فإنهم يتعلمون المهارات والمفاهيم التي تشجع التفكير النقدي واتخاذ القرار. ويجب على الطلاب مراعاة التحديات الواقعية أثناء إكمالهم للمهام وتطبيق المفاهيم الرياضية لحساب المهام الناجحة. كما يتعلمون أهمية التخطيط والتكيف والمثابرة أثناء المشاركة في اللعب.

الألعاب التعليمية في الفصول الدراسية
في حين تزدهر الألعاب بصفتها صناعة مبنية على الترفيه، فقد برز استخدامها في مجالات جديدة في السنوات الأخيرة، إذ تستخدمها الجيوش في تمارين التدريب، وتطبق الهواتف الذكية مبادئها لتتبع اللياقة البدنية، كما تُستخدم في الفصول الدراسية بصفتها أداة للتدريس.
تعليم الرياضيات باستخدام ألعاب الفيديو
تعد ألعاب الفيديو طريقة مفيدة للطلاب الذين يفكرون بصريًا لممارسة المفاهيم الرياضية الأساسية. وعلى سبيل المثال، تعد “ماث سناكس” (Math Snacks) منصة مجانية عبر الإنترنت تقدم رسومًا متحركة وألعابًا وتطبيقات لمساعدة طلاب المدارس المتوسطة على ممارسة مهارات الرياضيات وفهمها بشكل أفضل.
وتقدم المنصة ألعابًا حول التعبيرات الرياضية والمتغيرات والرسوم البيانية والكسور وخطوط الأعداد والقيمة المكانية والنسب والمزيد.
تدريس التاريخ باستخدام ألعاب الفيديو
تستفيد العديد من ألعاب الفيديو من التاريخ في الكثير من الأمور. وعلى سبيل المثال، عندما احترقت كاتدرائية نوتردام عام 2019، تكهن الكثيرون بأن المهندسين المعماريين قد يستفيدون من لعبة “أساسنز كريد يونيتي” (Assassin’s Creed Unity) للمساعدة في جهود إعادة البناء، نظرًا لأن فناني اللعبة أمضوا عامين في إعادة رسم كل لبنة من المبنى التاريخي بعناية.
وغالبًا ما يكون من الصعب نقل كل التفاصيل الغنية للأحداث والثقافات التاريخية في كتاب التاريخ، وتعد ألعاب الفيديو طريقة مفيدة لتقديم أو تعزيز البيئة التاريخية التي قد لا تتمكن من تغطيتها في الفصل.
وتُظهر لعبة “إيست أوف ذا روكيز” (East of the Rockies) للطلاب كيف كانت حياة الأشخاص من أصل ياباني أثناء اعتقالات الحرب العالمية الثانية.
وتغوص لعبة “ريس تو راتفاي” (Race to Ratify) في الحجج المؤيدة والمعارضة للتصديق على الدستور، كما جادل بها أشخاص حقيقيون عام 1787.
ضمان التجربة التعليمية
يتطلب استخدام ألعاب الفيديو أداة تعليمية في الفصل الدراسي بعض التخطيط لضمان تجربة تعليمية مثالية.
وفيما يلي بعض الخطوات لضمان تجربة تعليمية مثرية.
- تحديد الأهداف: يبدأ التخطيط باختيار الألعاب التي تتوافق مع الأهداف، مثل ما الذي تريد أن يحصل عليه الطلاب من لعبة الفيديو هذه. وبمجرد أن يكون هناك هدف واضح، فإن ذلك يساعد في تضييق نطاق نوع اللعبة التي يجب أن يلعبها الطلاب.
- حدد الألعاب: يجب أن تتوافق الألعاب مع الأهداف ويجب أن تكون مناسبة للعمر، لذا يجب البحث عن الألعاب المناسبة لجميع مستويات المهارة ضمن النطاق العمري المحدد، مع التركيز على الألعاب المصممة مع وضع النتائج التعليمية في الاعتبار.
- دمج الموارد: يجب التخطيط لكيفية ملاءمة اللعبة للمنهج الدراسي، وهل تقدم مفهومًا جديدًا أم تعيد النظر في مفهوم قديم. وبمجرد معرفة ذلك، يمكن إعداد الموارد، مثل جمع التكنولوجيا، أو تثبيت البرامج، أو إنشاء حسابات مستخدمين، أو التعرف على اللعبة.
ويعد دمج ألعاب الفيديو في الفصل الدراسي نهجًا تقدميًا قد يجذب اهتمامات الطلاب. ومن خلال اختيار الألعاب بعناية وموازنتها مع طرق التدريس التقليدية، يمكن تحسين تجربة التعلم للطلاب وإنشاء بيئة صفية حيث ينخرط الطلاب بأساليب التدريس المبتكرة.
وفي الختام، فإن ألعاب الفيديو مجرد واحدة من العديد من الأدوات القائمة على التكنولوجيا التي يمكن للمعلمين الاستفادة منها في الفصل الدراسي، حيث أصبحت أداة هامة في الفصول الدراسية المعاصرة.
ومن خلال تفعيل التفاعل والمشاركة، وتحفيز التفكير النقدي، وتنمية المهارات المعرفية، تُظهر الألعاب فوائد جمة في تعزيز الفهم والمشاركة.
ومع استمرار تطور التكنولوجيا، من المتوقع أن يزداد دور هذه الألعاب في التعليم، مما يتطلب من المعلمين تبني إستراتيجيات دمج مبتكرة لضمان تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه الأدوات.