على شاشات السينما فقط تجد الأساطير سبيلها الوحيد للتحقق، أما في الواقع فتظل مجرد رواية تتناقلها الأجيال. لكن قبل أيام تمكن علماء من جامعة ملبورن من التحقق من “أسطورة فئران جزر سليمان” التي لطالما سمعوا عنها دون أن يروها.
فلسنوات طويلة ظل العلماء يسمعون فقط عن نوع من الفئران كبيرة الحجم تسكن الغابات القديمة لجزر سليمان، ولم يتمكنوا من إلقاء حتى نظرة خاطفة عليها، ليعتقد العلماء أن هذه الفئران العملاقة ما هي إلا “أسطورة” يرويها سكان الجزيرة.
لكنهم أخيرا تمكنوا بفضل السكان الأصليين للجزيرة من التقاط أول صور لأكبر وأندر فئران في العالم وتسمى “الفيكا”. وتعيش هذه “الفيكا” في أشجار غابات جزر سليمان، وهى دولة تقع في جنوب المحيط الهادي وتتكون من أكثر من 990 جزيرة.
وتظهر الصور أن الفأر العملاق يعيش في غابات “زايرا” (Zaira)، وتمثل هذه الأراضي الموطن الأخير المتبقي لهذا النوع”.
ولسنوات لم تكشف المساحات البيئية المكثفة لغابة زايرا عن أي جلد أو شعر لهذا النوع، ولم يتمكن العلماء من العثور إلا على الفئران السوداء.
وفي عام 2017 عندما قُطعت شجرة عملاقة، عثر على جثة لكائن عملاق من القوارض لم يكن يعرف العلماء عنه شيئا، وبدأت من وقتها البحث عن صور حية للفيكا، وكان هذا أول نوع جديد من القوارض من جزر سليمان يُكتشف منذ أكثر من 80 عاما.
وبحسب الدراسة التي نشرتها مجلة “علم البيئة والتطور” فإن حجم الفيكا يصل إلى نحو كيلوغرام وطوله يبلغ تقريبا طول طفل حديث الولادة، وتعيش بين الأشجار ولا تخرج إلا في المساء.
وطبقا للبيان الصحفي لفريق الباحثين “فإن التقاط صور للفيكا العملاق لأول مرة يعد خبرا إيجابيا للغاية لهذه الأنواع غير المعروفة”، ويعتقد الباحثون أنهم التقطوا ما لا يقل عن أربعة أفراد في لقطاتهم، بما في ذلك ذكر وأنثيان.
وبحسب الدراسة فعلى الرغم من أن العلماء لم يتعرفوا على الفيكا إلا مؤخرا، فإن هناك خطرا يؤرقهم وهو أن الفيكا تحب العيش في نفس الأشجار التي تفضلها شركات قطع الأشجار التجارية، بالإضافة إلى أنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، منحت حكومة جزر سليمان الموافقة على قطع تلك الأشجار.
وتحذر الدراسة من أنه إذا سمحت حكومة جزر سليمان بمواصلة قطع الأشجار في هذه الغابة، فستكون الدولة في تناقض مباشر مع التزاماتها المتعلقة بالتنوع البيولوجي للأمم المتحدة، والتي تهدف إلى منع انقراض الأنواع المهددة بالانقراض.
وفي حديث مع “الجزيرة نت” عبر البريد الإلكتروني، يقول تيرون لافيري رئيس فريق البحث والمحاضر في علم الأحياء الفقارية الأصلية بجامعة ملبورن: إن الفيكا تلعب دورا مهما في توزيع الفاكهة والبذور في الغابات لمساعدة النباتات على الإنبات والحفاظ على صحة الغابات، لذا فهي شديدة الأهمية للحفاظ على التنوع البيولوجي للغابات.
لكن مع الاتجاه إلى قطع أشجار الغابات التي تعيش فيه الفيكا فإن ذلك بمثابة كارثة بيئية يجب التصدي لها، ويوضح تيرون “أن فريق البحث يبذل جهودا في “دعم مجتمع زايرا في جزيرة فانغون (Vangunu) التي تعيش فيها فقط الفيكا، ولدى زايرا آخر منطقة متبقية من الغابة الأولية في الجزيرة”.
ويكشف تيرون أن “سكان زايرا” يقاومون قطع الأشجار والتعدين في أراضيهم القبلية،.وهذا يحمي الموطن الأخير للفيكا، ومع ذلك هناك جهود “لتقويض ذلك من خلال شركات قطع الأشجار، لذلك تحتاج زايرا إلى دعمنا لمساعدتها في الحفاظ على غابتها كما هي”.
ويقول ماريا تاليوتو أحد سكان زايرا المتعاونين مع فريق البحث “إن عملية قطع قطع الأشجار في جزيرة فانغونو دمّر المكان بأكمله، وأعتقد أن هذا هو المكان الوحيد المتبقي لضمان استمرار حياة الفيكا”.
ويوضح أنه “لم يعد هناك طعام في تلك المناطق، وهو ما يعنى أن الفيكا ستكون أول ما يغادر الجزيرة من الكائنات الحية، وهو أمر محزن للغاية”.