قبل أيام كانت كتابة جملة “قنابل إسفنجية” باللغة الإنجليزية (Sponge Bombs) على محرك البحث “غوغل” تأتيك بنتائج تتعلق بلعبة أطفال، وهي عبارة عن كرات مائية مصنوعة من شرائح من الإسفنج، ولكن أجواء الحرب في غزة طالت هذه اللعبة، وأصبحت اسما لما قالت صحيفة بريطانية، إنه أحدث سلاح كيميائي سيستخدمه الاحتلال الإسرائيلي في الحرب بقطاع غزة.
وقالت صحيفة “تلغراف” البريطانية إن الاحتلال الإسرائيلي سيدخل هذا السلاح الكيميائي في حربه البرية بالقطاع، لمهاجمة الأنفاق التي يستخدمها مقاتلو كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وسارعت وسائل إعلام غربية وعربية لنقل مضمون ما ذكرته الصحيفة البريطانية، لتتراجع نتائج لعبة الأطفال على محرك البحث، لصالح الحديث عن هذا “السلاح المزعوم”.
رغوة سريعة التصلب والتمدد
ولم يستشهد تقرير “تلغراف” المنشور يوم الأربعاء الماضي، بأي مصادر، سواء كانت مسجلة أو مجهولة، وقال صراحة إن “جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يتحدث عن استخدام هذا السلاح”، إلا أن آلية عمله التي ذكرها التقرير، تتحدث عن إنتاج رغوة سريعة التصلب والتمدد، كالتي تستخدم تجاريا على نطاق واسع منذ زمن بعيد في العديد من التطبيقات السلمية، وأصبحت تدخل مؤخرا في بعض الاستخدامات العسكرية، لذلك فإنه، كما أكد خبراء استطلعت “الجزيرة نت” آراءهم، ليس سلاحا جديدا، كما أن استخدامه عسكريا يحتاج لشروط، قد لا تجعله السلاح المناسب لحرب الأنفاق.
ويقول أحمد إسماعيل، الأستاذ بقسم البوليمرات والمخصبات في المركز القومي للبحوث بمصر، في تصريحات هاتفية، إن “الرغوة سريعة التصلب والتمدد، تنتج عن طريق خلط مادتي (البولي أوليفين) و(الإيزوسيانيد)، وتستخدم في تطبيقات تجارية متنوعة منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تدخل في بناء المادة العازلة بالأجهزة الكهربائية، كما تدخل في تصنيع أجزاء مختلفة بالسيارة مثل التابلوه وعجلة القيادة (المقود)، كما أنها تدخل أيضا في الأعمال الإنشائية، لسد الفراغات عند تركيب أبواب جديدة، أو لإصلاح بعض العيوب التي تظهر عند البناء”.
ولا ينكر إسماعيل أن هذه الرغوة تنتج مادة بصلابة الصخور تحتاج إلى مطرقة من أجل إحداث خدوش بها، إلا أنه يرى أن استخدامها في سياق العمليات العسكرية بالأنفاق، قد يكون صعبا، هذا فضلا عن أنها قد لا تكون الاختيار المناسب.
ويوضح أن من نواتج التفاعل بين مادتي “البولي أوليفين” و”الإيزوسيانيد”، يكون غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي سيصبح أكثر كثافة في بيئة الأنفاق تحت الأرض، لذلك فإن استخدام الرغوة، قد يكون من نتيجته الإضرار بمن يستخدمها.
وتحدث تقرير تلغراف عن إصابات محتملة في العين، وصلت إلى حد فقدان البصر بين بعض الجنود أثناء التدريب على استخدام تلك الرغاوي في معسكر تدريب عبارة عن نظام أنفاق وهمي في قاعدة ” تسئليم” العسكرية بالقرب من الحدود مع غزة، غير أن إسماعيل يتحدث عما هو أخطر من ذلك، وهو الإصابة باختناق يفضي إلى الوفاة، نتيجة ارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض.
بين الهندسة المدنية والتطبيقات الأمنية
ورغم أن دراسات في الهندسة المدنية منذ التسعينيات، مثل تلك التي نشرها غرانت فونداو، الأستاذ بقسم الهندسة الصناعية بجامعة تكساس التقنية بأميركا، على موقع مركز المعلومات التقنية الدفاعية في مارس/آذار عام 1993، قد ترد على ما أشار إليه إسماعيل، حيث تتحدث عن فاعلية استخدام مثل هذه الرغاوي في إنتاج بطانة للتخفيف من موجات الصدمة في الأنفاق، بما يشير إلى أن ما يمكن أن يقدم عليه الاحتلال الإسرائيلي، هو إعادة توظيف لهذا التطبيق الإنشائي في أنفاق غزة، فإن محمود حسانين، الأستاذ بقسم الهندسة المدنية بجامعة جنوب الوادي المصرية، يرد على ذلك، بأن السياق في التطبيق العسكري سيكون مختلفا.
ويقول حسانين في تصريحات هاتفية للجزيرة نت “عندما نستخدم الرغاوي في التطبيقات الإنشائية يكون ذلك في بيئة محكومة للغاية، تمنع حدوث الأضرار، لكن في السياق العسكري، لن يسمح الطرف الآخر بتنفيذ ذلك دون تدخل، هذا فضلا عن الحاجة إلى رغوة تكون أسرع في التصلب من التركيبات التجارية المتاحة حاليا، وهذا تحد ليس مطلوبا في الأعمال الإنشائية”.
وقد يكون الحل في مواجهة تلك التحديات التي أشار إليها حسانين، في الرغاوي سريعة التصلب التي يتم استخدامها، أو على الأقل اختبارها، من قبل القوات العسكرية والأمنية، في الولايات المتحدة.
واستخدم سلاح مشاة البحرية الأميركي أجهزة ميدانية مصممة لإطلاق تيارات من الرغوة اللزجة كأداة غير مميتة لشل حركة الأفراد المعادين، وكانت بعض وحدات مشاة البحرية التي أُرسلت إلى الصومال في التسعينيات تستخدم هذه التقنية.
وفي عام 2009، منح الجيش الأميركي عقدا “أيدرنت تكنولوجيز” (Adherent Technologies)، التي تنتج المواد اللزجة، للعمل على مادة مشابهة لتلك التي استخدمها مشاة البحرية، وادعت تلك الشركة في ذلك الوقت، أنها توفر رغوة قوية بما يكفي لاستخدامها لإيقاف السيارات والشاحنات التجارية في مساراتها.
ومن المعروف أيضا أن الموزعات المليئة برغوة التثبيت فائقة الالتصاق من بين الميزات الدفاعية الموجودة في شاحنات تستخدمها الإدارة الوطنية للأمن النووي التابعة لوزارة الطاقة الأميركية، لنقل الأسلحة النووية وغيرها من الشحنات الحساسة ذات الصلة.
كما طورت مختبرات سانديا الوطنية، التابعة لوزارة الطاقة الأميركية مادة رغوية، للتعامل مع القنابل المملوءة بمواد كيميائية، حيث تشبه رغاوي مكافحة الحرائق الشائعة، ولكنها مصممة خصيصا لاحتجاز الجزيئات المشعة التي قد تكون موجودة في القنبلة، كما تعمل أيضا عند تغليف القنبلة بها على قمع الانفجار عن طريق امتصاص قوة موجة الصدمة داخل هيكل الفقاعة المصمم كيميائيا.
تحدي العثور على الأنفاق
ولا تدرج التطبيقات العسكرية للرغوة السريعة التصلب، تحت فئة الأسلحة الكيميائية، بحسب أوليفر ترزيتش، من قسم التفتيش بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بلاهاي بهولندا، التي قالت في تصريحات عبر البريد الإلكتروني عن القنبلة الإسفنجية المزعومة إنها “لا تندرج ضمن فئة ما يسمى (أسلحة الحرب الكيميائية)، حيث يتم تصميم الأسلحة الكيميائية لإيصال حمولتها إلى الهدف، وهي تؤثر على الأشخاص في المقام الأول من خلال إحداث تأثيرات فسيولوجية”.
وأضافت أنه يبدو أن القنبلة الإسفنجية المزعومة “مصممة لإنشاء حاجز مادي، أي أنها أشبه بسلاح هندسي، ومن المؤكد أنها لا تندرج ضمن تصنيف الأسلحة الكيميائية، كما هو منصوص عليه في الاتفاقية المنظمة لهذا النوع من الأسلحة”.
ولم يهتم ثيودور بوستول، أستاذ الهندسة والتكنولوجيا وسياسة الأمن القومي في برنامج العلوم والتكنولوجيا والمجتمع في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بأميركا، بتفاصيل السلاح الفنية، وإن كان يمكن تشغيله في بيئة الأنفاق أم لا، لكنه أشار إلى ما هو أهم، من وجهة نظره، وهو تحدي المعلومات، وقال في تصريحات هاتفية إن “مجرد العثور على الأنفاق يمثل تحديا كبيرا، قبل الحديث عن آلية تدميرها”.
ويعتقد بوستول أن الفرق المتخصصة في سلاح الهندسة التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي والمجهزة بأجهزة استشعار أرضية وجوية، ورادار اختراق للأرض وأنظمة حفر خاصة، قد فشلت إلى الآن في تحديد مواقع الأنفاق.
وإضافة لذلك، فإنه في حال العثور عليها، فإن التساؤل الذي يطرحه بوستول هو كيف يمكن ضمان سلامة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في تلك الأنفاق؟.
بدوره يقول مازن قميصة، مدير ومؤسس متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي ومعهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة بجامعة بيت لحم، في تصريحات عبر البريد الإلكتروني إنه لن يكون من المفيد إغلاق الأنفاق باستخدام هذا السلاح المزعوم.
ويعلل قميصة ذلك بأنه “لن تكون هناك صعوبة على الأشخاص الموجودين تحت الأرض أن يفتحوا فتحات جديدة، بالنظر إلى التربة الناعمة لجزء كبير من قطاع غزة”.
وبناء على ذلك فإنه يرى أنه “سواء كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يمتلك سلاح القنابل الإسفنجية أم لا، فإنه محكوم عليه بالفشل، لأن بيئة الأنفاق تبدو أبعد ما يكون عن استخدامه، وقد يكون الحديث عن وجوده من قبيل الحرب النفسية التي يتم توظيف الإعلام الغربي فيها”.