تعتمد الحيتان والدلافين التي تفتقر إلى آذان خارجية، على تقنية تسمى تحديد الموقع بالصدى للتنقل والصيد في الظلام الدامس لأعماق البحار، حيث تصدر هذه الحيوانات أصواتا عالية النبرة ترتد عن الأشياء وتنعكس عليها، مما يسمح لها برسم خريطة لمحيطها.
وما يسمح لتلك الثدييات البحرية بذلك هو أن جماجمها والأنسجة الرخوة قرب فتحة النفخ وداخلها غير متماثلة، مما يعني أن الهيكل الموجود على أحد الجانبين أكبر أو يختلف شكله عن نظيره على الجانب الآخر.
و”عدم التماثل” هذا يمكّنها من إنتاج الصوت، وفي الوقت نفسه ينقل عظم الفك السفلي المملوء بالدهون الموجات الصوتية إلى الأذن الداخلية، مما يسمح للحيوانات بتحديد مصدر الأصوات وتحديد اتجاهاتها، وهو ما يعرف باسم “السمع الاتجاهي”.
سونار مدمج في الجماجم
ولفهم تفاصيل كيفية تطوير الحيتان والدلافين لهذا “السونار المدمج” المتطور، شارك باحثون من قسم التشريح بمعهد نيويورك للتكنولوجيا وآخرون من متحف علم الحفريات بجامعة كاليفورنيا، في تقديم دراسة نشرت في دورية “دايفرستي” تقدم رؤية جديدة عن كيفية قيام تلك الثدييات البحرية بالتنقل في عالم البحار باستخدام الموجات الصوتية.
وكما يشير البيان الصحفي المنشور على موقع “فيز دوت أورغ”، قام الباحثون بتحليل مجموعة كبيرة من الحفريات التي شملت نوعين قديمين من الدلافين ضمن جنس “زينوروفوس”، وهذه الأنواع هي بعض الأعضاء في رتبة الحيتان البدائية المسننة، وهي رتبة فرعية من الثدييات البحرية التي تشمل جميع الحيتان والدلافين الحية التي تحدد موقعها بالصدى.
وكان “زينوروفوس” هذا مخلوقا كبيرا يبلغ طوله نحو 3 أمتار، وكان يسبح في مياه شرق أميركا الشمالية منذ 25 إلى 30 مليون سنة، ومن المحتمل أنه كان يتغذى على الأسماك وأسماك القرش والسلاحف البحرية والثدييات البحرية الصغيرة. وكان شكله خارجيا يشبه الدلافين الحديثة، ولكن كان لديه عدة أسنان متشابكة تشبه الأضراس، وتشبه إلى حد كبير أسلاف الثدييات البرية.
وعلى غرار الحيتان المسننة الموجودة اليوم، كان لدى “زينوفوروس” عدم تناسق حول فتحة النفث، كما كان لديه أيضا التواء واضح وتحول في الخطم عدة درجات إلى اليسار. وتشير الدراسات السابقة التي أجريت على الحيتان القديمة البدائية الأخرى إلى أن “انحناء الخطم” هذا قد يكون مرتبطًا بوضع غير متماثل للأجسام الدهنية في الفك، مما يزيد من قدرات السمع الاتجاهي.
عدم التماثل لدى الحيتان والدلافين
وكما يشير الباحثون في البيان الصحفي فمن المعروف أن التماثل البيولوجي، أو تماثل الشق الأيمن والشق الأيسر، هو سمة رئيسية في الحيوانات والبشر. ومع ذلك، تظهر الدراسة التي قام بها الباحثون الدور المهم لعدم التماثل لدى بعض الحيوانات في التكيف مع البيئات المختلفة.
ومن ذلك ما كان في حيوان الزينوروفوس الذي كانت الأجسام الدهنية في فكيه السفليين تعمل مثل الأذنين الخارجيتين في الثدييات البرية، حيث كانت مائلة، مما أدى إلى المبالغة في قدرات السمع الاتجاهي لديه، وهو ما يبدو أنه مشابه لآذان البوم غير المتماثلة، والتي يمكنها اكتشاف الموقع الدقيق للفريسة بناء على أصواتها.
وتشير الأدلة الجديدة التي أظهرتها الدراسة إلى أن “زينوفوروس”، الذي يتمتع بعدم تناسق أقل وضوحا قرب فتحة النفخ، ربما لم يكن ماهرا في إنتاج أصوات عالية النبرة أو سماع ترددات عالية مثل الحيتان السنية الحية الموجودة حاليا. ومع ذلك فإنه كان قادرا على تحديد مواقع الأصوات.
لذلك، فإن “الزينوفوروس” يظهر أنه كان أقوى من أي حوت أو دولفين أو خنازير البحر، سواء أكانت حية أو منقرضة. وهذا يشير إلى أن حيوان الزينوفوروس كان قطعة لغز مهمة في فهم كيفية عمل الحيتان والدلافين وتطور قدراتها على تحديد الموقع بالصدى، كما يقول الباحثون.
وكخطوة تالية، سيقوم الباحثون بفحص أنواع الحيتان المسننة الأخرى والبحث عن الخطم المنحني إلى جانب واحد، ويمكن أن تساعد هذه الدراسات المستقبلية في تحديد ما إذا كانت هذه الميزة منتشرة على نطاق واسع أم لا.