في القصة القصيرة “الهرب” (Runaround) التي نشرت في عدد مارس/آذار 1942 في مجلة “الخيال العلمي المذهل” (ِAstounding Science Fiction)، صاغ إسحاق عظيموف، المؤلف الأميركي، الروسي المولد، “قوانين الروبوتات الثلاثة” (Laws of Robotics) الهادفة لحماية الإنسان من خطر الروبوت، وهذه القوانين هي:
1) يجب ألا يتسبب الروبوت في حدوث أي أذى للبشر.
2) يجب على الروبوت أن يطيع الأوامر التي يصدرها له الإنسان، إلا إذا تعارضت مع القانون الأول.
3) يجب على الروبوت أن يدافع عن نفسه إلا إذا تعارض ذلك مع القانونين الأول والثاني.
في عام 2004 صدر الفيلم الألماني “أنا روبوت” (I, robot)، ورغم أن اسم الفيلم هو اسم إحدى قصص إسحاق عظيموف، لكن أحداثه تختلف بشكل كبير عن أحداث القصة.
تدور أحداث الفيلم عام 2035، في مجتمع أصبحت الروبوتات فيه فائقة القدرة وتساعد البشر في كافة المجالات.
يفسر الذكاء الاصطناعي المركزي “فيكي” (VIKI) قوانين الروبوتات الثلاثة، بطريقة تسمح للروبوتات بتجاهل هذه لقوانين في حال استنتجت أن سلوك بعض البشر سيؤدي إلى إيذاء العرق بأكمله.
يُدخل “فيكي” هذا التفسير الجديد للقوانين إلى الجيل الجديد من الروبوتات، وهو ما يؤدي إلى انتشار الفوضى والعنف ضد البشر الذين يقاومون تنفيذ الأوامر، ويشمل ذلك هجمات مباشرة من الروبوتات على البشر.
يتعاون المحقق “سبونر” مع الدكتورة “كالفين” والروبوت “سوني” الفريد من نوعه على التسلل إلى نواة “فيكي” وينتهي الفيلم بقتل “فيكي” وإعادة الروبوتات إلى برمجتها القياسية الودودة للبشر.
أما الروبوت “سوني” الذي تطور إلى ما هو أبعد من برمجته الأولية بسبب تصميمه الفريد وقدرته على تجاوز القوانين الثلاثة، فيبدأ بالبحث عن دور جديد يلعبه، هو والروبوتات المماثلة له.
في الفيلم البريطاني “إكس ماكينا” (Ex Machina) الصادر عام 2014، والذي تدور أحداثه في المستقبل أيضا، تغضب الروبوت الأنثى الفاتنة “آفا” (Ava) من العزلة التي فرضها عليها صانعها “ناثان” ومن تعامله معها كتجربة يخطط لاستبدالها في المستقبل، وليس ككائن واعي وله حقوق.
تتلاعب “آفا” بمشاعر الشاب “كيلب” الذي أحضره “ناثان” لاختبار مستوى ذكائها، وتدعوه لمساعدتها على الفرار.
في نهاية الفيلم تقتل آفا صانعها “ناثان” بمساعدة روبوت أنثى آخر صنعه “ناثان”، وتترك الشاب “كيلب” محجوزا بين جدران مركز الأبحاث، وتتمكن من الهرب ونيل حريتها بدون الاكتراث بالعواقب الأخلاقية والإنسانية لأفعالها.
لا يقتصر التحذير من خطورة الروبوتات الذكية على أفلام الخيال العلمي، ففي يوليو/تموز عام 2015، نشرت مجموعة من العلماء وخبراء الذكاء الاصطناعي رسالة مفتوحة تدعو إلى فرض حظر على “الأسلحة الهجومية المستقلة” التي قد تنشرها الروبوتات الذكية وبشكل ذاتي ما يمكنها من الاغتيالات، وزعزعة استقرار الدول، وإخضاع السكان، وقتل مجموعات عرقية معينة بشكل انتقائي. وانضم إلى هذه المجموعة إيلون ماسك وعالم الفيزياء ستيفن هوكينج.
تاريخ الروبوت
كلمة روبوت تشيكية الأصل وتعني عامل السخرة أو العبد، ظهرت لأول مرة عام 1920، في مسرحية الكاتب التشيكي كارل تشابيك “روبوتات روسوم العالمية”، حيث صاغ جوزيف شقيق الكاتب كلمة روبوت، ثم دخلت قاموس اللغة الإنجليزية عام 1923.
أما فكرة الروبوت فتعود إلى الأساطير والاختراعات القديمة، غير أن أول روبوت شبيه بالإنسان هو الذي بناه البريطاني رون وينسلي عام 1927، وأطلق عليه اسم هربرت تيليفوكس، وكانت إمكانياته ضعيفة جدا.
وفي عام 1966 طور معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الروبوت شيكي (Shakey) القادر على التنقل وتجنب العوائق باستخدام ذكاء اصطناعي بدائي.
وتكاثر ظهور الروبوتات الشبيهة بالإنسان والمدعومة بالذكاء الاصطناعي ابتداء من العقد الثاني من هذا القرن، فظهرت الروبوت “صوفيا” (Sophia) في 14 فبراير/شباط 2016، وظهر الروبوت “أميكا” (Ameca) التفاعلي الذي يتميز بتعبيرات وجه وحركات طبيعية أوائل عام 2022.
وأعلنت شركة تسلا في 19 أغسطس/آب 2021 عن بدء الشركة بتطوير روبوت شبيه بالإنسان أطلقت عليه اسم “أوبتيموس” (Optimus)، لكن النسخة الأولية منه لم تعرض إلا في سبتمبر/أيلول عام 2022، ثم عرضت النسخة الثانية من هذا الروبوت أواخر عام 2023.
انتشار الروبوتات والذكاء الاصطناعي
التحذير من انتشار الروبوتات الذكية لا يقتصر على خطورتها المحتملة بل من البطالة التي ستحدثها. ويبلغ عدد الروبوتات العاملة حاليا نحو 3.9 ملايين روبوت عالميا، وفق “الاتحاد الدولي للروبوتات” (International Federation of Robotics).
ويتوقع الخبراء أن يشهد عدد الروبوتات نموا كبيرا في الأعوام المقبلة.
وتوقع ديفيد هولز، مؤسس مختبر أبحاث الذكاء الاصطناعي “ميدجورني” (Midjourney)، في منشور له منتصف يناير/كانون الثاني من هذا العام، أن يصل عدد الروبوتات الشبيهة بالبشر إلى مليار روبوت في أربعينيات القرن الـ21.
وعبّر إيلون ماسك عن دعمه لتوقعات ديفيد هولز هذه. وبالإضافة إلى الروبوتات ستنتشر مليارات الأجهزة المزودة بالذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الحياة.
تفوق الذكاء الاصطناعي
توقع المفكر المستقبلي راي كورزويل، مدير الهندسة في شركة غوغل، في كتابه المنشور عام 2005، أن يصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى ذكاء الإنسان عام 2029.
وفي مقابلة حديثة أكد توقعاته السابقة وأضاف: “أنا في الواقع أُعتبر محافظا. يعتقد الناس أن ذلك سيحدث العام المقبل أو العام الذي يليه”.
أحد أولئك الذين يعتقدون أن توقعات كورزويل متحفظة هو إيلون ماسك الذي كتب في مارس/آذار 2024 على منصة إكس (تويتر سابقا): “من المحتمل أن يكون الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء من أي إنسان في العام المقبل. وبحلول عام 2029، ربما يكون الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء من جميع البشر مجتمعين”.
انتخاب أول روبوت رئيسا للجمهورية عام 2052
توقع “جاك ما” في عام 2017، مؤسس شركة علي بابا، أن تحل الروبوتات مكان المديرين التنفيذيين مستقبلا. ويقول: “من المرجح أن يظهر الروبوت على غلافة مجلة تايم كأفضل مدير تنفيذي وذلك خلال 30 عاما”.
بل وتدور حاليا نقاشات جدية كثيرة حول إمكانية استبدال رؤساء الجمهورية بروبوتات، خاصة بعد الأداء السيئ لمعظم رؤساء الجمهورية المنتخبين، فالروبوت في رأي الكثير من المفكرين لا يمكن أن يقوم بحماقات كتلك التي يقوم بها بعض هؤلاء الرؤساء.
ويرجح بعض المفكرين أن يرأس روبوت الولايات المتحدة الأميركية عام 2052.
ويتمثل السيناريو المتوقع في أن تتم العملية عن طريق الانتخابات المختلطة بين البشر والروبوتات.
فتتنافس العديد من الشخصيات البشرية مع العديد من الروبوتات، حيث سيترشح روبوت مصمم من قبل الفرع السياسي لشركة “أوبن إيه آي” مع روبوتات من تصميم الفروع السياسية لشركات غوغل ومايكروسوفت وفيسبوك و”إيه بي إم” وأمازون، وربما تبرز شركات جديدة أكثر تخصصا حتى ذلك الوقت.
ووفق هذا السيناريو سيتم تعديل القانون الأميركي للانتخابات عام 2044 بحيث يسمح بترشح الروبوتات للانتخابات، لكن الروبوت سيفشل في المنافسة في انتخابات عام 2048، ثم يفوز في انتخابات عام 2052 ليصبح أول رئيس روبوت في تاريخ البشرية.
وفي حال تحققت التوقعات بهيمنة الروبوت، فهل سيواصل التزامه بقوانين الروبوتات الثلاثة التي وضعها الإنسان له؟