بعد أن تعرضت السواحل الليبية لعاصفة دانيال الإعصارية شهدت مدينة درنة خلال الأيام الماضية فيضانات مدمرة أدت إلى مقتل أكثر من 5 آلاف شخص، مع وجود أكثر من 10 آلاف آخرين في عداد المفقودين.
قبل ذلك، وفي هذا العام أيضا غمرت فيضانات شديدة أجزاء كبيرة من الصين مما أدى إلى مقتل العشرات ونزوح أكثر من مليون شخص. وفي اليونان، جاءت الفيضانات الشديدة في أعقاب حرائق الغابات التي أحرقت مساحات واسعة من الغابات والأراضي الزراعية.
وفي فبراير/شباط 2022، هطلت على الساحل الشرقي لأستراليا في أسبوع واحد أمطار توازي أمطار عام بأكمله، مما أدى إلى سلسلة من الفيضانات المدمرة التي أسفرت عن مقتل 23 شخصا وتسببت في أضرار تزيد قيمتها على 6 مليارات دولار.
هذه مجرد أمثلة قليلة على الدمار والخطر الناجم عن الأمطار الغزيرة والفيضانات في جميع أنحاء العالم، التي من المحتمل، مع ارتفاع درجة حرارة كوكبنا، أن نشهد المزيد منها.
رسم خرائط تدفقات المياه
لذا، في حين يحتاج العالم إلى التحرك بشأن تغير المناخ، فإننا نحتاج أيضا إلى خطوات عملية للتخطيط للتعامل مع الفيضانات، وهنا يأتي دور علماء الهندسة الهيدرولوجية.
أحد مجالات التركيز الرئيسية لعلماء هيدرولوجيا الفيضانات هو توفير معلومات دقيقة حول الفيضانات الوشيكة التي يمكن أن تساعد في التخطيط لإخلاء السكان، بالإضافة إلى تصميم البنية التحتية للمساعدة في تقليل تأثير الفيضانات، وهذا يعني تقديم تنبؤات دقيقة بالفيضانات قبل حدوثها.
وللقيام بذلك، قام المهندسون بتطوير وتحسين استخدام النماذج الهيدروديناميكية خلال القرن الماضي. والنماذج الهيدروديناميكية هي نماذج عددية تحاكي الفيضانات عن طريق تقسيم المنطقة إلى مناطق فرعية أصغر (تسمى خلايا الشبكة) ثم حساب كيفية تحرك المياه بين تلك الخلايا.
ويتم وصف حركة الماء عن طريق حل المعادلات التفاضلية المعقدة بناء على المبادئ الفيزيائية لتدفق الماء. ويستغرق حل المعادلات المعقدة لملايين من خلايا الشبكة المترابطة تلك وقتا طويلا، في حين تتحرك الفيضانات بشكل أسرع مما يمكن التنبؤ به باستخدام هذه النماذج الهيدروديناميكية عالية الدقة.
وهذا يعني أنه من غير الممكن استخدام تلك النماذج الأكثر دقة في أثناء حالات الطوارئ المتعلقة بالفيضانات، إذ إن العملية الحسابية البطيئة لا تترك وقتا للإخلاء أو إستراتيجيات التخفيف المخطط لها.
ولهذا السبب، أصبح من الواضح أننا بحاجة ماسة إلى نهج فعال ودقيق للتنبؤ بأحداث الفيضانات لتوفير معلومات قيمة مع ظهور الفيضانات، فضلا عن تصميم البنية التحتية القوية التي يمكن أن تخفف من تأثير الفيضانات.
التنبؤ السريع بالفيضانات
لذلك فقد قام فريق من الباحثين من جامعة ملبورن الأسترالية بتطوير نموذج يمكن استخدامه للتنبؤ بمدى وعمق الفيضانات بشكل أسرع بكثير من ارتفاع مياه الفيضانات، وتم نشر التفاصيل في دورية “نيتشر ووتر”.
وكما يشير البيان الصحفي المنشور على موقع الجامعة مؤخرا، فإن الفكرة تتمثل في استخدام نموذج هيدروديناميكي منخفض الدقة لتوفير تقدير أولي للفيضانات، ثم باستخدام أساليب رياضية يتم تحويل التقديرات المنخفضة الدقة إلى تنبؤات بأنماط غمر الفيضانات في الزمان والمكان التي تكون دقيقة مثل النماذج الهيدروديناميكية عالية الدقة.
كان يُعتقد سابقا أننا يمكن أن نحقق سرعة معتدلة في التنبؤ، تصل إلى نحو 10 مرات مقارنة بسرعة النموذج الهيدروديناميكي العالي الدقة بواسطة تطبيق هذا النهج، لكن الفريق تمكن من خلال نموذجه الجديد الخاص من تجاوز ذلك بكثير، وذلك عبر تحقيق سرعة تنبؤ أعلى ألف مرة من النماذج عالية الدقة.
الحفاظ على البساطة
وكما يقول البيان الصحفي فإن المفتاح لتحقيق هذا التسريع الهائل هو تطوير واستخدام نموذج منخفض الدقة ومبسط للغاية، يحتوي هذا النموذج على خلايا شبكية تغطي أكثر من مليون متر مربع، ولكن باستخدام منهجية النموذج من قبل الفريق يمكن تحسين مهارات التقديرات لتوفير تنبؤات دقيقة مثل النموذج الذي يحتوي على أكثر من 50 مرة من خلايا الشبكة.
وتم اختبار النموذج على نظامين نهريين كبيرين في أستراليا. الأول هو سهل فيضان تشويلا المسطح والمعقد في جنوب أستراليا (740 كيلومتر مربع)، والثاني هو نهر بورنيت شديد الانحدار وسريع التدفق في شمال شرق أستراليا (1479 كيلومتر مربع).
ووجد الفريق أن نموذجهم يمكنه محاكاة التطور الديناميكي لغمر الفيضانات في كلتا دراستي الحالة، مما يوفر معلومات دقيقة عن وقت الوصول، ومدى الفيضان، وعمق المياه الأقصى بدقة مماثلة للنموذج الهيدروديناميكي التقليدي عالي الدقة، ولكن بشكل أسرع بكثير.
وكما يقول الباحثون فإن هذا يعني أننا إذا كنا نتطلع إلى التنبؤ بالفيضانات في سهول تشويلا الفيضية، فإن نموذجهم يستغرق 33 ثانية بدلا من 11 ساعة، وفي دراسة حالة نهر بورنيت، استغرق النموذج 27 ثانية إذ كان سيستغرق ساعات باستخدام الطرق التقليدية. ويلتقط نموذجهم المسمى “إل إس جي” (LSG) أيضا مدى الفيضان في منطقتي الدراسة بدقة 99% مقارنة بالنموذج الهيدروديناميكي عالي الدقة.
ويمثل هذا قفزة كبيرة إلى الأمام عندما يتعلق الأمر بتقديم تنبؤات مفيدة بالفيضانات. ويتم ذلك في أثناء حالات الطوارئ، للمساعدة في اتخاذ قرارات مستنيرة يمكن أن تنقذ الأرواح وتحمي البنية التحتية القيمة، ولكن أيضا في التخطيط والإعداد قبل أحداث الفيضانات في تصميم البنية التحتية القوية.