مكافحة “الشغب البروتيني” بقوة إضافية يمهد لأدوية جديدة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

تحدث معظم الأمراض بسبب البروتينات التي خرجت عن نطاق السيطرة، ولكن المؤسف أن الأدوية التقليدية لم تتمكن حتى الآن من إيقاف سوى جزء ضئيل منها. غير أن فريقا بحثيا ألمانيا نمساويا مشتركا، نجح في اكتشاف طريقة جديدة ضمن الآلية المعروفة باسم “البروتاكس” لإنهاء هذا الشغب البروتيني، وإجبار مسببات الأمراض البروتينية على التحلل بطريقة أكثر فعالية وكفاءة، وأُعلن عنها في دورية “نيتشر كومينيكيشن”.

و”البروتاكس” آلية تستخدمها بعض الأدوية الحديثة للتخلص من البروتينات المشاغبة، عبر تجنيد قوات مكافحة الشغب من الأنزيمات التي تساعد على وضع علامة معينة على المشاغبين حتى تتخلص منهم عبر نظام التنظيف الخاص بالخلية (عمليات مسؤولة عن التخلص من المكونات القديمة أو التالفة أو غير الضرورية داخل الخلية للحفاظ على صحتها ووظائفها).

وما فعله هربرت فالدمان من معهد ماكس بلانك للفيزيولوجيا الجزيئية بألمانيا، وجورج وينتر من مركز أبحاث الطب الجزيئي التابع للأكاديمية النمساوية للعلوم في فيينا، أنهما توصلا لطريقة جديدة تسمح بإضافة قوة إضافية لمكافحة الشغب البروتيني، مما قد يفتح أبوابا جديدة لتحلل مسببات الأمراض.

ما هو المتاح حاليا؟

وقبل الخوض في تفاصيل ما فعله فالدمان ورفيقه وينتر، يرسم بيان صحفي أصدره معهد ماكس بلانك للفيزيولوجيا الجزيئية صورة مختصرة للوضع الراهن.

وتشير تفاصيل تلك الصورة إلى أن معظم الأدوية التي لدينا الآن تتكون من جزيئات صغيرة تشبه المفاتيح الصغيرة التي تتناسب مع “أقفال” بروتينية معينة، لكن العديد من البروتينات المزعجة لا تتأثر بهذه المفاتيح، مما يجعلها “غير قابلة للعلاج”.

وأحد هذه البروتينات التي يصعب علاجها يسمى “راس” ويرتبط بالعديد من أنواع السرطان. وكان فريق فالدمان توصل في 2013 إلى طريقة للتأثير بشكل غير مباشر على هذا البروتين من خلال استهدافه ببروتين آخر يسمى “بي دي إي دي”، ومع ذلك لم يوقف ذلك تأثيرات “راس” الضارة تماما.

إضافة قوة مساعدة

وللتغلب على مشاكل الوضع الراهن، استكشف فالدمان ورفيقة جورج وينتر، طريقة جديدة للتحكم في نشاط “راس” وغيره من البروتينات غير القابلة للعلاج، وذلك عبر إضافة قوة مساعدة لإعطاء مزيد من الفعالية لآلية “البروتاكس”، حيث استخدم مركبات ترتبط بالبروتين المشاغب وترسله إلى نظام تنظيف الخلية الذي يسمى نظام “يوبيكويتين بروتيزوم”، وأخرى تتصل بنظام الالتهام الذاتي (عملية طبيعية مسؤولة عن تنظيف وإعادة تدوير المكونات التالفة أو غير الضرورية داخل الخلية) بهدف تحطيم البروتين المستهدف.

وفي حديث بالبريد الإلكتروني مع “الجزيرة نت”، يقول الأستاذ بقسم الأحياء الكيميائية بمعهد ماكس بلانك للفيزيولوجيا الجزيئية بألمانيا هربرت فالدمان: إن كلمة السر في هذا الإنجاز هو اكتشاف قدرة المركبات “جي دبليو 5074″ 1 و”جي دبليو 5074” 2 على التفاعل مع البروتين “دي سي إيه إف 11″، وهو الذي يلعب دورا في تنظيم الأنشطة الخلوية المختلفة بالجسم من خلال دوره في استهداف بروتينات معينة للتحلل.

وتستهدف صناعة الأدوية الجديدة لبعض الأمراض مثل السرطان والاضطرابات الوراثية -والتي لم تخرج للسوق بعد- بشكل أساسي بروتين “سيريبلون”، وهو موجود في الخلايا ويلعب أدورا متعددة، بما في ذلك تنظيم نشاط بروتينات معينة، والمساعدة في العمليات الخلوية المختلفة، ومن وظائفه الهامة العمل كجزء من الآلية الخلوية المسؤولة عن انهيار البروتين، حيث يشارك في عملية تحديد بروتينات معينة للتحلل، مما يساهم في تنظيم مستويات البروتين داخل الخلايا.

لكن بعض المشكلات المتعلقة بهذا البروتين هو تطويره طفرات للمقاومة، ولهذا السبب هناك حاجة كبيرة للعمل مع بروتينات جديدة مثل “دي سي إيه إف 11” الذي لم يستخدم كثيرا في تصنيع الأدوية حتى الآن، كما يوضح فالدمان.

لماذا البداية بالسرطان؟

وعن السبب في تركيز عملهم على بروتين “راس” المرتبط بالسرطان، أوضح فالدمان أن اكتشافهم يمكن توظيفه في العديد من الأمراض، ولكن عادة عند إدخال تقنيات جديدة في اكتشاف الأدوية، تُجرب لأول مرة في علاج السرطان، لأنه في علاجات السرطان هناك مرونة أكبر، حيث إن الحاجة إليها ملحة، وقد يكون الناس على استعداد لقبول بعض العيوب في التقنيات الجديدة.

ويتابع: “أما في أمراض مثل مرض السكري حيث يحتاج المرضى إلى دواء مدى الحياة، فإن السلامة مهمة للغاية، ويجب أن تكون الأدوية آمنة للغاية للاستخدام على المدى الطويل”.

ووفق التجارب التي أجريت حتى الآن على النطاق المعملي، يؤكد فالدمان أن أدوية “البروتاكس” الجديدة، تبدو فعاله في التعلق بالأهداف الصحيحة، مشيرا إلى أن مخاوف تعلقها بأهداف غير مقصودة في أجزاء أخرى من الخلية، يحتاج تبديدها إلى مزيد من التجارب المعملية على الخلايا وحيوانات التجارب.

ويتوقع انتقال عملهم إلى نطاق المرحلة الأولى والثانية من التجارب السريرية خلال 5 سنوات.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *