وصلت درجات الحرارة العالمية إلى مستويات قياسية في 2023، العام الذي حطَّم الأرقام القياسية المناخية مع ما شهده من ظواهر جوية متطرفة خلّفت آثارا مدمرة، ويبدو أنه مجرد بداية لفصول صيف أكثر حرارة في التاريخ البشري، حتى إن درجات الحرارة ارتفعت بشكل غير معتاد عند سطح المحيط، وهناك حرائق الغابات والجفاف والفيضانات والزلازل والبراكين التي ضربت أجزاء مختلفة من العالم.
مثل هذه الظروف الجوية القاسية كافية لدفع بعض الناس للملمة ما تبقى من حيواتهم والبحث عن أماكن أكثر ملاءمة للعيش فيها، لكن السؤال الآن: هل هناك بالفعل أماكن يمكنها أن تنجو في عالم يتغير بسبب المناخ، وهل هذه المدن جاهزة لمواجهة المزيد من الأحداث المناخية المتطرفة، وما الذي يجعل هذه الأماكن محصنة تماما ضد ارتفاع درجة حرارة العالم؟
البحث عن ملاذ آمن
في مختلف أنحاء العالم، من شأن ارتفاع منسوب المياه وفترات الجفاف الطويلة والطقس المتطرف وارتفاع درجات الحرارة والرطوبة العالية، أن تجعل مناطق بأكملها غير صالحة للعيش، وقد تكون منطقة الشرق الأوسط وأجزاء كبيرة من أوروبا والولايات المتحدة ومناطق أخرى من العالم معرضة للخطر بشكل خاص.
ووجدت الأبحاث المنشورة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أن البشر أكثر عرضة لدرجات الحرارة المرتفعة والرطوبة مما كان يُعتقد سابقًا، حيث أصبح من المفهوم الآن أن قدرتنا على التنظيم الحراري -تبريد أنفسنا- تصل إلى ذروتها عند درجة حرارة أقل مما كان مقدّرا سابقا.
وإذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع كما هو متوقع، فقد تصبح مساحات واسعة من الكوكب في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية غير صالحة للعيش، لكن بفضل الجغرافيا فإن بعض أجزاء من العالم ستكون أقل تأثرا بتغير المناخ، ومن المتوقع أن تبرز بعض المدن الأقل تعرضا لخطر هذه التغيرات المتطرفة، وتتخذ خطوات استباقية للاستعداد لمستقبل غير مستقر.
ومع تزايد وضوح العواقب المترتبة على ظاهرة الاحتباس الحراري، تسوِّق بعض المدن نفسها على أنها “ملاذات مناخية” من الظروف المناخية القاسية، في إشارة إلى المناطق الأقل عرضة للمعاناة من الحرارة الشديدة وارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات والأضرار المدمرة للكوارث البيئية.
واكتسبت مسألة “الملاذات المناخية” رواجا في السنوات الأخيرة، لكن كيف يمكن معرفة ما إذا كان مكان ما أكثر ملاءمة للتعامل مع تغير المناخ من المكان الذي نعيش فيه الآن؟
يشير الخبراء إلى عاملين رئيسيين:
الأول هو الجغرافيا، ويشير إلى الأماكن التي تندر فيها الظواهر الجوية المتطرفة، والتي تميل إلى أن تكون موجودة في المناطق القريبة من مسطحات المياه العذبة، وبالتالي يمكن لأجزاء من كندا وروسيا والدول الإسكندنافية أن توفر اللجوء على المستوى الدولي.
والثاني القدرة على استيعاب القادمين الجدد، سواء أكانوا من لاجئي المناخ أم لا، وهؤلاء هم الضحايا المنسيون للتأثير المتصاعد للكوارث الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ التي تسببت على مدى العقد الماضي في 21.5 مليون حالة نزوح جديدة كل عام، أي أكثر من ضعف عدد حالات النزوح الناجمة عن الصراع والعنف، بحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويقدِّر البنك الدولي أن ما يصل إلى 216 مليون شخص قد يتعرضون للنزوح بسبب تغير المناخ داخل بلدانهم بحلول عام 2050، ويُتوقع ارتفاع هذه الأرقام في العقود القادمة إذا استمرت الكوارث الطبيعية بالمعدل نفسه الذي شهدناه في العقود القليلة الماضية، وقد ينتهي الأمر بتشريد 1.2 مليار شخص على مستوى العالم بحلول عام 2050.
وتثير هذه الأرقام المتصاعدة الكثير من الأسئلة ومنها: هل المنطقة قادرة على استيعاب هذه الأعداد، وهل لديها ما يكفي من السكن بأسعار معقولة، وهل يرحب السكان بالغرباء، وهل تستعد الحكومات المحلية وحكومات الولايات للزيادات السكانية؟
وإذا كانت الإجابة على بعض هذه الأسئلة على الأقل بنعم، فربما وجدتَ لنفسك وجهة محتملة.
الانتقال إلى بر الأمان
قبل سبتمبر/أيلول 2017، لم يفكر أحد ولو للحظة واحدة في مغادرة مدينة أغواديلا، وهي واحدة من أفضل الوجهات السياحية في جزيرة بورتوريكو التابعة للولايات المتحدة، لكن بعد أن ضرب إعصار ماريا ذلك الشهر، وأسفر عن مقتل حوالي 3 آلاف شخص وقلب الحياة في الجزيرة رأسا على عقب، تغير كل شيء.
لم يبق أمام عدة آلاف من الأشخاص من الجزيرة الكاريبية سوى تجربة حظهم على بعد آلاف الأميال شمالا في مدينة بوفالو بولاية نيويورك التي تعد بالفعل موطنا لمجتمع كبير من بورتوريكو.
لم يكن نزوح مهاجري المناخ إلى بوفالو فقط تلبية لاحتياجاتهم الثقافية واللغوية، فقبل أشهر من الإعصار المدمر أعلن عمدة المدينة بايرون براون أن بوفالو “ملجأ مناخي”، مشيرا إلى امتلاكها فرصة لتصبح كذلك في مسودة خطته الإستراتيجية للسنوات الأربع.
ومنذ ذلك الحين، أطلقت المدينة دليلا للانتقال يعلن عن مزايا العيش في بوفالو، بما في ذلك أن متوسط درجة الحرارة في شهر يوليو/تموز يبلغ 22 درجة مئوية، وتوقعا لارتفاع محتمل في عدد السكان قامت المدينة بمراجعة قوانين تقسيم المناطق في عام 2017 لتشجيع التطوير في ممرات المدينة الحالية وبدأت في تحديث البنية التحتية القديمة للصرف الصحي.
بوفالو ليست وحدها، فقد صُنفت مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو نفسها على أنها ملجأ مناخي مستقبلي في “خطة سينسيناتي الخضراء” لعام 2023، والتي تنص على أنه “على الرغم من أن المدينة لديها نقاط ضعف مناخية خاصة بها، فمن المرجح أن تظهر كملاذ مناخي”.
وذهب الأستاذ المشارك بجامعة تولين جيسي كينان، إلى حد وصف مدن بعينها بأنها “مقاومة للمناخ”، وحدد بعض هذه المدن مثل كليفلاند وآن أربور وميشيغان ومينيسوتا وأماكن أخرى أيضا على أنها ملاذات مناخية مستقبلية، وبدأ المخططون فيها برسم خريطة لما يمكن أن يبدو عليه المستقبل مع وجود آلاف آخرين من السكان.
وفي الولايات المتحدة، يرشح بعض الخبراء أماكن أكثر أمانا ضد تقلبات الطقس، وتشمل ثلاث مناطق هي: ولايات وسط غرب الولايات المتحدة أو كما تُعرف بـ”الغرب الأوسط الأميركي”، مع درجات حرارة منخفضة بشكل طبيعي، وتوفر البحيرات الكبرى والأنهار المحيطة بها مصادر موثوقة للمياه، مما يمنع بعضا من أسوأ آثار الجفاف.
وتنطبق هذه العوامل أيضا على جزء كبير من المكانين الآخرين وهما: السهول الكبرى الشمالية ذات المناخ الأكثر اعتدالاً، والشمال الشرقي الداخلي، وهي مناطق داخلية بعيدة عن المحيطات والبحار المرتفعة والأكثر سخونة، والتي من شأنها أن تسبب المزيد من الفيضانات والأعاصير الأكثر شدة.
وكانت العديد من هذه المجتمعات تعتمد اقتصاديا على التصنيع، ومن المحتمل أن تكون في وضع جيد لتلبية احتياجات تدفق مهاجري المناخ، ولديها شيء واحد مشترك هو تقلُص عدد سكانها بمئات الآلاف منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وانتقال الكثير منهم إلى أماكن أخرى بحثا عن العمل، تاركين وراءهم منازل فارغة ومساحات واسعة يمكن إعادة استخدامها اليوم.
وتقع العديد من المدن التي تُصنَّف -أو تصنِّف نفسها- على أنها ملاذات مناخية في تلك المناطق، وتلبي معايير التعامل مع تغير المناخ، ومن الأمثلة الشائعة على ذلك مدينة كليفلاند الواقعة على الشاطئ الجنوبي لبحيرة إيري، ويوجد فيها نحو 30 ألف قطعة أرض شاغرة.
ولدى أكبر مدن ولاية ميشيغان؛ “ديترويت” التي فقدت نحو ثلثي سكانها منذ ذروة الصناعة في الخمسينيات من القرن الماضي، أكثر من 30 ميلا مربعا من الأراضي الفارغة داخل حدود مدينتها، كما تمتلك مدينة دولوث بولاية مينيسوتا بالفعل البنية التحتية اللازمة لاستيعاب عشرات الآلاف من السكان.
وبالمثل تتمتع معظم مناطق نيوإنغلاند الداخلية والسهول الكبرى الشمالية؛ بجغرافيا صديقة للمناخ ومساحة كبيرة يمكن للناس الانتقال إليها، وكميزة إضافية توفر هذه المناطق أيضا مناظر خلابة وعددا من أشكال الترفيه في الهواء الطلق.
وعلى الرغم من أن توفر الأراضي قد يكون ميزة بالنسبة للبعض، فإن مدنا أخرى تدرس كيفية تحديث المساكن القائمة من خلال تحصينها ضد البرد في الشتاء والحرارة في الصيف.
أما مدينة فينيكس التي تعد واحدة من أسرع المدن الأميركية نموا وأكبر مدن ولاية أريزونا، ففي العام الماضي اكتسبت مقاطعة ماريكوبا، حيث تقع فينيكس عددا أكبر من السكان مقارنة بأي مقاطعة أخرى في الولايات المتحدة، تماما كما فعلت في الأعوام 2021 و2019 و2018 و2017.
بالنسبة لكثير من الناس، فإن العيش في فينيكس أمر منطقي تماما، فدرجات الحرارة اللطيفة معظم أيام العام، والمساكن الرخيصة نسبيا، والزيادة المطردة في الفرص الاقتصادية، اجتذبت الناس لمدة 80 عاما، مما حوّل المدينة من موقع صحراوي صغير يبلغ عدد سكانه 65 ألف نسمة إلى منطقة مترامية الأطراف تضم أكثر من 5 ملايين نسمة، وأدَّت سلسلة من الابتكارات إلى جعل الحرارة تبدو وكأنها إزعاج مؤقت وليس تهديدا وجوديا للعديد من السكان.
ملاذ مناخي مثالي
لعقود من الزمن، جرت الإشادة بمدن مثل برث وسيدني وملبورن باعتبارها من أكثر الأماكن الملائمة للعيش على هذا الكوكب، لكن في السنوات الأخيرة انتقل الآلاف من سكان هذه المدن التي يطلق عليها “البر الرئيسي”، إلى هوبارت عاصمة ولاية تسمانيا الأسترالية، حيث ذكر كثيرون أن قضايا المناخ هي السبب الأول.
وباعتبارها أقل عواصم الولايات الأسترالية سكانا، وموطنا لنحو 250 ألف شخص، تتمتع هوبارت بمناخ معتدل على مدار العام. وتقول المدينة إنها تحتاج إلى ما يقرب من 30 ألف منزل إضافي، وتسعى ضمن إستراتيجيتها الكبرى إلى استيعاب 70% من النمو السكاني ضمن البصمة المناخية الحضرية الحالية، ويعتقد الخبراء أن استهداف المساحات الحضرية غير المستخدمة للحفاظ على تماسك المدينة سيكون له فوائد بيئية واجتماعية واقتصادية.
هوبارت ليست وحدها التي تبنت هذه الرواية بشأن الهجرة والملاذات المناخية، فالعاصمة النمساوية فيينا تقع أيضا في قلب أوروبا القارية، وتتميز بمساحات عامة ذات شهرة عالمية وإمدادات مياه مباشرة من جبال الألب النمساوية، وعلى الرغم من أن البلاد ستظل تعاني من تأثيرات مناخية مثل الطقس غير المتوقع وحرارة الصيف الحارقة، فإنها تتكيف بنشاط مع التغير المناخي.
وتبنت فيينا برنامجها الأول لـ”حماية المناخ” في عام 1999، وتفتخر بنظام كبير لتخفيف آثار الفيضانات يحمي السكان من ارتفاع منسوب مياه نهر الدانوب، وفي عام 2020 أطلقت أول مناطق “حماية المناخ”، حيث لا يُسمح ببناء المباني الجديدة إلا باستخدام أنظمة التدفئة والمياه الصديقة للمناخ.
واليوم، أكثر من نصف المدينة يتكون من مساحات خضراء، كما أن البنية التحتية للإسكان في المدينة تجعل فيينا في وضع جيد للتعامل مع تدفق المهاجرين الفارين من آثار تغير المناخ.
وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ضاعفت فيينا عدد الوحدات السكنية ذات الأسعار المعقولة التي بنتها إلى نحو 10 آلاف وحدة سنويا. واليوم، يبلغ مخزون الإسكان المدعوم نحو 200 ألف وحدة، ويعيش نصف سكان فيينا إما في مساكن عامة أو مدعومة.
ومع ارتفاع درجة حرارة العالم، تصبح سنغافورة كذلك عرضة للطقس المتطرف وارتفاع منسوب مياه البحار، ولكن من المرجح أيضا أن تصبح ملاذا مناخيا للكثيرين في جنوب شرق آسيا.
وتجتذب الفرص الاقتصادية في الدولة الآسيوية ونوعية الحياة العالية المهاجرين بالفعل، حيث إن ما يقرب من نصف سكانها ولدوا في الخارج، ومن المتوقع أن تزيد السياسات المناخية الطموحة للمدينة من جاذبيتها.
وهنا، تعني الجهود الهائلة لتحويل أجزاء من الدولة إلى “غابة حضرية” أن 46% من المدينة طُورت إلى مساحات خضراء، وهذا يقلل من تأثير الجزر الحرارية الخطيرة التي تغذيها الخرسانة والأسفلت، وتعمل كنظام طبيعي لتكييف الهواء.
ولكن.. هل هذه المدن محصنة ضد تغير المناخ؟
على الرغم من أن العديد من الأماكن المذكورة سلفا تتميز بمناخ معتدل ومساحة كبيرة وأقل عرضة للتأثر بشدة ببعض عواقب تغير المناخ، يتفق الخبراء على أن ذلك لا يُترجم بالضرورة إلى وضع الملاذ المناخي على المدى القصير، ويؤكد البعض أنه لن يكون هناك مدينة أو ولاية أو منطقة محصنة من أزمة المناخ.
فعلى سبيل المثال، يمكن أن تشهد مدينة بوفالو التي تشتهر بأنها واحدة من أكثر المدن تساقطا للثلوج في الولايات المتحدة، عواصف ثلجية أكثر شدة بسبب تغير المناخ، وشهدت المدينة إحدى هذه العواصف الثلجية الشديدة في ديسمبر/كانون الأول 2022 عندما أسقطت عاصفة قياسية بلغت سرعتها 70 ميلا في الساعة أكثر من أربعة أقدام من الثلوج على مدى أربعة أيام، وتركت العاصفة الثلجية الآلاف من دون كهرباء وسط درجات حرارة شديدة البرودة وقتلت ما لا يقل عن 40 شخصا.
ومن بين العديد من مدن البحيرات العظمى لأميركا الشمالية، تعد ولاية فيرمونت في إقليم نيوإنغلاند في الشمال الشرقي ملاذا مناخيا محتملا بسبب جغرافيتها ورغبتها في جذب المزيد من الناس، لكن الفيضانات أصبحت مؤخرا مشكلة أكبر. ففي يوليو/تموز الماضي، تسببت الأمطار الغزيرة في الولاية بفيضانات كارثية هي الأقوى منذ نحو قرن، وربطها الباحثون بتغير المناخ الذي يؤثر في كل مكان، حتى لو تمكن السكان من اتخاذ خطوات للتخفيف من الأضرار.
ولا أحد يستطيع الهروب من الحرارة، فعلى الرغم من أن هذه الظاهرة لا تشهدها كل المدن بنفس المستوى المتطرف الذي شهدته مدينة فينيكس الأكثر سخونة في أميركا على سبيل المثال التي عانت من ارتفاع درجات الحرارة إلى أعلى من 43 درجة مئوية على مدى شهر كامل الصيف الماضي، فإن كل مكان يزداد سخونة نتيجة لتغير المناخ.
وحتى ولاية مينيسوتا موطن عدد قليل مما يسمى بالملاذات المناخية، أصبحت أكثر دفئا ورطوبة، وارتفعت درجات الحرارة في الولاية بمقدار 3 درجات فهرنهايتية منذ عام 1895، وتستعد الولاية أيضا لموجة حارة الصيف القادم بعد أن عانت من الطقس الحار في وقت سابق من صيف 2023.
وفي وقت سابق من سبتمبر/أيلول 2023، خضع أكثر من ثلث الأميركيين لتحذير من الحرارة، حيث أدى مزيج من الضغط العالي والهواء الدافئ إلى خلق قبة حرارية فوق وسط البلاد، وهذا هو السبب الذي يجعل بعض الخبراء لا يحبون مصطلح “الملاذ المناخي”.
ووبينما يُتوقع أن تكون مدن أخرى خارج الولايات المتحدة آمنة نسبيا من بعض الظواهر الجوية المتطرفة، فإن العديد منها معرضة لأحداث أخرى. فبالنسبة لمدينة هوبارت الساحلية، ونظرا إلى أن شعبيتها باعتبارها “ملاذا مناخيا” مسؤولة جزئيا عن النمو السكاني في المدينة، فإن المخططين الحضريين هناك يستعدون لاستقبال آلاف السكان الإضافيين في السنوات القادمة، ومن المقرر أن ينتقل نحو 45 ألف شخص إلى هناك خلال العقد المقبل وحده، مع انجذاب الكثير منهم إلى درجات الحرارة المريحة.
ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن الغالبية العظمى من لاجئي المناخ في جميع أنحاء العالم لن يتمكنوا من الانتقال إلى مدن بعيدة مثل هذه، ففي فيينا مثلا سنّت الحكومة سياسة صارمة للهجرة في السنوات الأخيرة، لكن البلاد لا تزال تعاني من الهجرة غير الشرعية. كما أن العديد من الأشخاص لا يستطيعون -أو لا يريدون- مغادرة منازلهم، وبعضهم -وخاصة في الدول النامية الأكثر فقرا- لا يستطيعون ببساطة تحمل تكاليف التحرك لتجنب الكوارث المحتملة.
كما أن الأماكن الأكثر ثراء ليست مستعدة دائما للطقس القاسي، وتشكل حرائق هاواي العام الماضي مثالا على ذلك، ومن المحتمل أن يكون الافتقار إلى الاستعداد والأخطاء البشرية المحتملة أدت إلى تفاقم الوضع مما جعل المأساة تتجاوز في حجمها الخطر المناخي.
إن مزيجا من الافتقار إلى الموارد، وسياسات الهجرة الصارمة التي تنتهجها البلدان الأكثر ثراء، وغياب القوانين الدولية التي تحمي لاجئي المناخ، يعني أن حلول التكيف في بيئة أكثر حرارة وأقل استقرارا بالنسبة للكثيرين يجب أن تبدأ وتنتهي في الوطن مباشرة.
وهذا بالضبط ما يحدث في إقليم السند الباكستاني، ففي عام 2022 تسببت الفيضانات الكارثية في مقتل أكثر من 1700 شخص، وكانت المنطقة موطنا مؤقتا لربع النازحين في العالم، ومع ذلك لم يستطع الناس التحرك، وبمجرد انحسار المياه اضطروا إلى الاستقرار في نفس المنطقة، ولم يكن لديهم خيار آخر.
حتى المدن التي يُروَّج لها على أنها “ملاذات آمنة” قد لا تكون كذلك. ففي تسمانيا، من المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة بنحو 5.2 درجات فهرنهايتية بحلول عام 2100، وتأثرت صناعة الرياضات الشتوية بالفعل بفصول الشتاء الدافئة، في حين يتزايد تأثير حرائق الغابات والجفاف.
ووفقًا لأستاذ الجغرافيا البشرية والتخطيط في جامعة تسمانيا جيسون بيرن، تعد هوبارت واحدة من أكثر المدن المعرضة للحرائق في أستراليا. ومع انتقال المزيد من المهاجرين بسبب المناخ إلى هناك، ساءت حركة المرور، وارتفعت تكاليف السكن إلى عنان السماء، ومن المقلق أن العديد من مباني المدينة غير مهيأة لارتفاع درجات الحرارة.
وتنفق سنغافورة أيضا عشرات المليارات من الدولارات على الأسوار البحرية وأنظمة الدفاع عن المحيطات، ومع ذلك يقول المراقبون إن الأمر الواضح هو أنه لن يفلت أي مكان على وجه الأرض من تأثيرات ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
وبما أنه لا يوجد مكان يخلو من مخاطر المناخ، يحث الخبراء على توخي الحذر عندما يتعلق الأمر بالبحث عما يسمى بـ”الملاذات”، فقد تهرب من نوع واحد من نقاط الضعف لتجد نفسك أمام نوع آخر، ويؤكدون أيضا أن هناك طرقا لتكييف المجتمعات من أجل مواجهة المناخ المتغير بشكل أفضل.
وبحسب ليزا ألين ديل المحاضرة في كلية المناخ بجامعة كولومبيا، فإن “التحدي الأساسي الذي نواجهه ليس أن المناخ سوف يدمر، بل أننا بنينا حضارة لمناخ مختلف عن المناخ الذي نعيشه الآن والذي سنشهده في المستقبل، لذلك تعيد الحكومات في كل مكان التفكير في كيفية بناء المدن من أجل التكيف بشكل أفضل مع تغير المناخ”.
وتقول ليزا لصحيفة “ذا هيل” الأميركية إن بناء بنية تحتية أكثر مرونة والاستثمار في الحد من مخاطر الكوارث وإصلاح الممارسات الزراعية ليست سوى عدد قليل من الأشياء التي يمكن القيام بها للمساعدة في العمل في مجال تغير المناخ، مضيفة أنه يصعب تخيل أي ملاذ آمن خال من المخاطر المناخية، لذا فإن جزءا من التحدي الذي نواجهه هو تعديل بيئتنا المبنية لاستيعاب الواقع الجديد بشكل أفضل.
وفي المجمل، سوف يستمر ارتفاع درجة حرارة الكوكب في العقود المقبلة، وفقا لأحدث التوقعات، وستجلب درجات الحرارة المرتفعة هذه المزيد من الأحوال الجوية القاسية والمزيد من الكوارث، وسيتعين على الناس إيجاد طرق للتعامل مع هذه المشاكل.
وفي بعض الحالات، قد يكون القيام بذلك أمرا بسيطا مثل تركيب مكيف الهواء في المزيد من المنازل، لكن قد يشعر البعض بأنهم مجبرون على اتخاذ خطوات أكثر قسوة، بما في ذلك ترك منازلهم وراءهم.