مؤتمر كوب 16.. كيف للغربان بالأمازون أن تؤثر في حياتك بالعالم العربي؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

بدأ في كولومبيا -أول أمس- المؤتمر الأممي “كوب 16” وحضره أكثر من 15 ألف مشارك بمن فيهم 10 رؤساء دول وأكثر من 100 وزير من مختلف أنحاء العالم، وذلك للحديث عن الكيفية التي يمكن بها الحفاظ على التنوع البيولوجي على كوكب الأرض.

ويتخذ المؤتمر من “إطار كونمينغ-مونتريال للتنوع البيولوجي” خريطة طريق، وهي خطة بارزة لوقف وعكس فقدان التنوع البيولوجي بحلول عام 2030، وتم اعتمادها بالمؤتمر الـ15 الذي أقيم بكندا في ديسمبر/كانون الأول 2022.

وكان “كوب 15” بمثابة معاهدة سلام تاريخية مع الطبيعة تهدف إلى حماية الأراضي والمحيطات والأنواع الحيوانية من التدهور عاما بعد عام، مع وتخصيص 30 مليار دولار من المساعدات السنوية للبلدان النامية في جهودها لحماية التنوع البيولوجي.

وتصف اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي هذا الاصطلاح بأنه “التنوع داخل الأنواع، وبين الأنواع والنظم البيئية، بما في ذلك النباتات والحيوانات والبكتيريا والفطريات” حيث تعمل هذه العناصر الثلاثة معًا لتهيئة الحياة على الأرض بكل تعقيداتها.

وربما تسأل: لماذا نهتم كبشر بكل تلك الكائنات الحية؟ ألا يجدر بنا أن نلتفت إلى قضايا أهم مثل المرض أو الفقر أو انعدام العدل؟ والواقع أن كل تلك القضايا حقا مهمة، لكن الحياة على سطح الأرض مهمة أيضا، أكثر مما قد تظن.

شبكة الحياة

دعنا هنا نضرب مثالا واقعيا للتقريب، فبحسب دراستين صدرتا من جامعة أوتاوا الأميركية قبل عدة سنوات، فإن النحل في العموم، وتحديدًا الطنان، يواجه حاليا مخاطر الانقراض بسبب التغيرات المناخية. وخلال 3 عقود فقط، انخفضت أعداد هذا النوع من النحل بمقدار 30%.

وقد تعتقد أن للنحل دورا وحيدا وهو إخراج العسل اللذيذ، لكن ذلك خاطئ. فمن بين 100 محصول يأكلها 90% من سكان العالم، هناك 70 منها يتم تلقيحها عبر النحل، يعني ذلك أن النحل يتنقل بين زهور تلك المحاصيل ويحمل في أقدامه حبوب اللقاح لينقلها من زهرة لأخرى فيتم تلقيحها وتنمو لتصنع الثمار، ومن دون النحل لن يتم تلقيح تلك النباتات. وبالتبعية، لن تخرج الثمار وستنقرض هي الأخرى، وبالتالي ستختفي مأكولات نعرفها مثل الجزر والتفاح والليمون.

ومع بعض التأمل يمكن لك أن تخمن أن عددا كبيرا من الكائنات الحية يؤثر بشكل مباشر في حياتنا كبشر، خذ مثلا الشعاب المرجانية ومستنقعات المنغروف التي توفر حماية لا تقدر بثمن من الأعاصير وأمواج تسونامي لأولئك الذين يعيشون على السواحل. وبدون العناكب، سيكون من المستحيل زراعة المحاصيل لأن الحشرات ستلتهمها كلها.

أما السلاحف الاستوائية والسعادين العنكبوتية، ورغم أنها ليس ذات علاقة مباشرة في الحفاظ على مناخ مستقر للكوكب، لكن الأشجار الكثيفة ذات الخشب الصلب في الغابات، وهي الأكثر فعالية في إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، تعتمد على هذه الكائنات لنشر بذورها حينما تقطفها من الشجر لأكلها ثم الإلقاء ببقية الثمرة على الأرض.

ومع مد الخطوط على استقامتها، وبعض التفكير، ستجد أن كل كائن على هذا الكوكب يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على كل كائن آخر، فتكون حشرة صغيرة ملقى بها على الجبال في كينيا، أو غراب بسيط في الأمازون يمكن أن تراه في وثائقيات عالم الحيوان له علاقة مباشرة بحياتك في مصر أو ليبيا أو عمان أو قطر أو الكويت، إلخ.

وتخيل الحياة على كوكب الأرض كشبكة ضخمة مشدودة بقوة ودقة، يوجد كل كائن فيها عند نقطة تقاطع بين خيوطها، وحينما ينقرض كائن ما فإن ذلك يُحدث فجوة في المكان الذي وُجد فيه، وهو ما يضعف الشبكة، لأنه كلما كانت عدد نقاط الشبكة أقل ازدادت هشاشتها وكانت فرصة فقدان نقاط جديدة أكبر من الفرص السابقة.

الأمر كذلك بالنسبة للتنوع البيولوجي، فكلما ازدادت درجات التنوع كانت الحياة على الأرض أكثر صلابة في مواجهة التغير، وكلما قلت أصبحنا في مهب الريح.

الأشجار الكثيفة التي تعد الأكثر فعالية في إزالة ثاني أكسيد الكربون تعتمد على هذه الكائنات لنشر بذورها (بيكسابي)

مصير المها العربية

لا شك أنك استمعت يوما ما أو قرأت عن المها العربية، عيونها السوداء الواسعة الكبيرة كانت على مر تاريخ بلاد العرب مثلا شائعا يُضرب في جمال عيون الفتيات، ويكتب فيها أبيات شعر تتناقلها الناس من جيل إلى جيل.

وفي الواقع فإن تاريخ المها العربية سابقٌ للشعر نفسه، لقد وجدت رسوم المها في الكهوف جنوبي فلسطين قبل آلاف السنين، وانتشرت في كل الجزيرة العربية وصولا إلى الشام ومصر، وقام البشر الساكنون في تلك المناطق باصطيادها على مر تاريخنا كله.

لكن، ألم تسأل نفسك عن هذا الكائن؟ أين ذهب؟ ولِمَ لا يتكلم عنه الناس كثيرا؟ بحلول السبعينيات من القرن الفائت قُتل آخر فرد من هذه الكائنات اللطيفة في البرية، في تلك الفترة صُنّفت المها العربية على أنها كائن منقرض، لكن لأهميتها التاريخية عملت عدة هيئات عربية وعالمية على جمع المتبقي منها في المزارع الخاصة والحدائق وإتاحة أفضل الظروف لها من أجل التزاوج.

وعادت المها العربية من جديد للحياة، لكن هذا الكائن الذي عاشت منه عشرات إلى مئات الآلاف يوما ما حولنا، أصبحت أعداده في البرية الآن حول رقم يقترب من ألف إلى ألفين فقط، مع عدة آلاف أخرى في أماكن مغلقة حول العالم.

المها العربية ليس الوحيد الذي عانى من أهوال الانقراض (بيكسابي)

غير أن المها العربية ليس الوحيد الذي عانى من أهوال الانقراض. وفي دراسة نشرت قبل عدة سنوات بدورية “بي إن إيه إس” ظهر أن النشاط البشري على كوكب الأرض قلّص 85% من الكتلة الحيوية للثدييات، و50% من الكتلة الحيوية للنباتات، وهذه نسب من الضخامة بحيث لا نراها إلا في حالات محددة يعرفها العلماء باسم “الانقراض”.

وتشير دراسة سابقة في نفس الدورية إلى انقراض 200 نوع من الفقاريات في 100 عام السابقة فقط، وأنه من بين أكثر من 27 ألف نوع من البرمائيات والثدييات والزواحف، انخفضت أعداد نصف هذه الكائنات في أماكن انتشارها بصورة لافتة للنظر.

فمثلا، مع متابعة دقيقة لأكثر من 177 نوعا من الثدييات وجدت الدراسة انخفاضا ملحوظا في 40% منها، أما بالنسبة إلى الأسود الأفريقية فقد انخفضت أعدادها بنسبة 40% فقط في السنوات العشرين الفائتة، بينما أصبح عدد أسود غرب أفريقيا فقط 400 أسد.

وما يثير الرعب أن معدلات انقراض تلك الأنواع ارتفعت بقيمة 100 مرة عن الطبيعي خلال القرن الفائت، ويعني ذلك أنه ربما قد انقرضت أنواع من الكائنات الحية لم نعرف بعد بوجودها.

وتلك الشبكة البيئية الضخمة المتماسكة عبر ملايين السنين كانت دائما سلاحنا الأول في مواجهة التغيرات المناخية، لكن مع هذا الانخفاض الواضح، والمؤكد عبر عدد كبير من الدراسات والتقارير الدولية، أصبحت البشرية بلا درع يحميها في مواجهة هذا الخطر الجديد، في تلك النقطة يحين موعد سؤالنا الرئيس: هل تخوض الأرض انقراضها السادس إذن؟

“عالم بدون غابات”.. وحش الانقراض السادس ينقض على الكوكب خاص الجزيرة الوثائقية

الانقراض السادس

هناك 5 انقراضات هائلة عانتها الحياة على هذا الكوكب على مدى 500 مليون سنة مضت، في أثنائها لا تنتهي الحياة تماما، لكن وجودها ينخفض بشكل جذري، وبحسب إليزابيث كولبرت في كتابها الحاصل على جائزة بوليتزر “الانقراض السادس.. تاريخ لا طبيعي” فإن فريقا من العلماء بات يعتقد أننا الآن نعيش بالفعل داخل الانقراض السادس.

وتسببت أحداث طبيعية في الانقراضات السابقة، فإما كويكب أو مذنب قادم من الفضاء، أو بركان هائل، أو سبب لا نعرفه بعد، لكن الانقراض الحالي هو الوحيد الذي تسبب فيه كائن حي، وكلنا نعرفه باسم “الإنسان”.

ونستخدم نحن البشر الوقود الأحفوري، مما تسبب في أن تخطت نسبة ثاني أكسيد الكربون حاجز 400 جزء من المليون، أكثر مما كان موجودا خلال مئات الآلاف من السنوات السابقة، وإذا استمر الأمر بالمعدلات المتسارعة نفسها التي تسجلها الدراسات عاما بعد عام، فإنه بحلول نهاية القرن الحالي سيصل ثاني أكسيد الكربون إلى مستويات لم تحدث من 15 مليون سنة.

وبحسب دراسة في دورية “ساينس” المرموقة فإنه بوصولنا إلى حاجز 3 درجات إضافية في متوسط درجات الحرارة ستخسر 47% من الحشرات، و26% من الفقاريات، و16% من النباتات نطاقاتها الجغرافية، مما سيؤدي إلى انحسار واضح في درجات التنوع البيولوجي بكوكب الأرض.

وفي المقابل، يمكن أن نلتقي بالتوأم الشرير للتغير المناخي، وهو زيادة حامضية محيطات الأرض، فمع ارتفاع نسب ثاني أكسيد الكربون في المحيطات ترتفع نسبة حامضيتها، مما يؤثر بدرجة شديدة القسوة في قدرة الكائنات التي تعيش في الماء على تنظيم كيميائها الداخلية، ونتحدث هنا عن إفساد عمليات كالأيض ونشاط الإنزيمات ووظائف البروتينات، كذلك ستؤثر الحامضية في كامل التركيبة الميكروسكوبية (البكتيريا) لعوالم المحيطات والبحار، وهو ما يغير -حرفيا- كل شيء آخر.

كتاب الإنقراض السادس لإليزابيث كولبرت (مواقع التواصل الاجتماعي)

عصر الإنسان

بسبب ما سبق، فإن النشاط البشري على كوكب الأرض قد دفع بعلماء الجيولوجيا إلى إعلان دخولنا حقبة جيولوجية جديدة تسمى “عصر الإنسان” (الأنثروبوسين) حيث يشير العلماء إلى أن النشاط البشري غير نصف سطح اليابسة الأرضية بالكامل، وغير شكل أنهار العالم الرئيسية، باتت كلها ذات سدود، وأنتج عبر مصانع الأسمدة كمية نيتروجين تفوق كل الأنظمة الطبيعية.

وكل شيء يتغير، مع الثورة الزراعية أزال البشر آلاف الأنواع من أجل زراعة نوع واحد، ليس فقط من أجل الطعام، بل من أجل الزيوت التي تُستخدم في مستحضرات التجميل وغيرها من الأغراض الجانبية.

ومع الثورة البتروكيميائية أضاء البشر الأرض وتجولت الآلة في كل مكان بها، مع هذا التغيير الهائل لشكل الطبيعة، في أقل من 200 سنة فقط، انخفض التنوع البيولوجي بصورة مجنونة لم تحدث من قبل على هذا الكوكب.

وإذا تأملت الأمر قليلا، فستجد أن ما فعلناه نحن البشر، ونستمر في فعله حتّى لحظة كتابة هذه الكلمات، هو أننا نُبيد الحياة على كوكب الأرض بلا رحمة، ونستهلك من رصيد نظن أنه مجاني لمجرد أنه ظل يتراكم في بنك الحياة طوال 4.5 مليارات من السنوات. إنها المرة الأولى في تاريخ هذا الكوكب التي يقوم خلالها كائن واحد بإبادة رفاقه من الكائنات بعزم وسرعة لا هوادة فيهما.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *