بسبب ما آل إليه النمط المعيشي الحديث في الإضاءة الاصطناعية غير المحكمة، نتجت ظاهرة التلوث الضوئي الذي غزا سماء المدن وحجب لألأة النجوم عن ساكني الأرض، ولا تقف مساوئ التلوث الضوئي عند هذا الحد، بل يتجاوز تأثيره على حياة الإنسان وسلامته، وكذلك بقيّة الكائنات الحيّة بما يتعلّق بساعتها البيولوجية وهجرتها.
وسعيا من عدة منظمات دولية مثل الاتحاد الفلكي الدولي والاتحاد الأميركي، في إيجاد الحلول اللازمة، أوجد سكان يابانيون لأنفسهم حلا فريدا جاعلين مدينتهم النائية شمعة أمل مطفأة في وسط نور خانق.
ففي مدينة بيسي في الجانب الجنوبي الغربي من محافظة أوكاياما اليابانية، حيث تعد موطنا للعديد من مراكز المراقبة الفلكية والرصد، بما في ذلك مرصد بيسي الفلكي الذي يبلغ حجمه 40 بوصة والذي يعمل على مدار العام، ونظرا للحاجة الملحة للحفاظ على سماء المدينة من أيّ تلوث ضوئي، فإنّ السكان المحليين ما زالوا يحتفظون بتقاليد تمنعهم من العبث في سماء مدينتهم.
فسنت المدينة في عام 1989 قوانين صارمة بما يتعلق بالتلوث الضوئي، وهو ما يجعلها أول إدارة محلية في البلاد تمرر مثل هذه القوانين، وقد نص التعاون بين إدارة المدينة والمرصد مع شركة باناسونيك على إنشاء منطقة مظلمة صديقة للسماء، على أن تستبدل جميع الإضاءات العامة في المدينة بمصابيح “إل إي دي” بدرجة حرارة 3000 كلفن أو أقل.
شبح التلوث
وعلى الرغم من حفاظ سكان المدينة على تقاليدهم، فإنّهم ما زالوا يواجهون شبح التلوث الضوئي القادم من المدن الأخرى في المنطقة، فإنارة المصابيح شديدة السطوع وذات درجات حرارة مرتفعة ما زالت قيد الاستخدام في البلدات المجاورة.
ويعمل عالما الفلك اليابانيان ريوسوكي إيتوه وسيوتا ماينو معا لمراقبة مدى تأثر الرؤية في مرصد بيسي على مدار السنوات الماضية ما بين عامي 2006 و2023، واستخدم العالمان جهازا مجهزا خصيصا لقياس سطوع السماء للحصول على قيمة فوتومترية لسطوع السماء.
وأظهرت النتائج أنّ مدينة بيسي كانت تحتل مستوى سطوع على مقياس بورتل من المجموعة الرابعة، ومقياس بورتل هو معيار يُستخدم لتقييم مستوى التلوث الضوئي في السماء، وهذا يعني أنّ المدينة تقع ضمن المناطق الريفية ظاهريا وفقا للمقياس، وذلك يعد مؤشرا واضحا إلى مدى فعالية استخدام المصابيح “إل إي دي” ذات درجات حرارة لونية أقل كبديل.