كنوز المغرب المعدنية.. هل تتسيد سوق بطاريات السيارات العالمي؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

مع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات الكربونية، أصبحت السيارات الكهربائية تمثل الحل الأمثل لمستقبل مستدام، إلا أن هذا التحول لا يمكن أن يكتمل دون العنصر الأساسي في هذه المعادلة، وهو بطاريات الليثيوم أيون التي تشكل العمود الفقري للتنقل الكهربائي الأخضر.

ومع تزايد الطلب على هذه البطاريات، تبرز الحاجة الملحة لتأمين موارد المعادن الأساسية اللازمة لتصنيعها، وهنا يظهر دور المغرب، الذي يمتلك كنوزا معدنية هائلة تفتح أمامه فرصا واعدة ليصبح لاعبا رئيسيا في سلسلة إمداد بطاريات الليثيوم أيون على الصعيد العالمي، لكن هذه الفرص لا تخلو من تحديات.

وألقت دراسة مغربية، نشرت في دورية “ساستينابل إينيرجي تكنولوجيز آند اسثمنتس”، الضوء على هذه الفرص والتحديات، وأيد الدكتور ماهر القاضي، الأستاذ المساعد في الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا، والشريك المؤسس لشركة إنتاج البطاريات “نانوتك إنيرجي”، ما جاء في الدراسة من تحليل، مشيرا في تصريحات لـ”الجزيرة نت” إلى فرصة استثمارية قد تساهم في التغلب على التحديات.

واستهل الباحثون من مختبر الكيمياء وفيزياء المواد بكلية العلوم، جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، دراستهم بمراجعة شاملة للأبحاث السابقة لتحديد المعادن الحيوية المستخدمة في بطاريات الليثيوم أيون، ومن هناك، انطلقوا لمناقشة الفرص التي يمتلكها المغرب لتوفير هذه المعادن المهمة.

ووفقا للدراسة، يمتلك المغرب احتياطيات وقدرات إنتاجية كبيرة من المواد الخام اللازمة للبطاريات، بما في ذلك 30 مليون طن متري من الفوسفات، 1.5 مليون طن متري من المنغنيز، 45 مليون طن متري من الكوبالت والنيكل، 5 ملايين طن متري من النحاس، إضافة إلى ترسبات مستقبلية من الحديد، الليثيوم، والجرافيت.

وعلى الرغم من هذه الثروة المعدنية واستقرار المغرب السياسي، أوضح الباحثون أن هناك حاجة إلى تحسين استكشاف وإنتاج هذه المعادن الأساسية، بالإضافة إلى استغلال هذه الموارد التي تصدر حاليا في شكل خام أو نصف مصنع، دون إضافة قيمة كبيرة للاقتصاد الوطني.

لماذا يجب على المغرب اقتحام هذا المجال؟

وتمثل هذه الدراسة قراءة واعية لسوق متنامٍ للسيارات الكهربائية تحت ضغط الاهتمام العالمي بتقليل الاستخدام المفرط للوقود الأحفوري.

وتسبب الاستخدام المفرط لهذا الوقود التقليدي في مشاكل بيئية مثل الاحتباس الحراري وتأثير الدفيئة، حيث يعد تقليل انبعاثات الكربون من قطاع النقل، الذي يسهم بحوالي 15% من الانبعاثات الكربونية العالمية، خطوة حيوية لتقليص الانبعاثات بنسبة 45% بحلول عام 2030، لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، كما هو محدد في اتفاقية باريس.

ويمكن للسيارات الكهربائية، التي تعتمد على تكنولوجيا تخزين الطاقة (أي البطاريات)، أن تقلل بشكل كبير من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن التنقل، ومن المتوقع أن يصل عدد السيارات الكهربائية على الطرقات قريبا إلى 142 مليون سيارة، مما يعكس زيادة كبيرة مقارنة بعدة آلاف في عام 2010 و11.3 مليون سيارة في عام 2020.

والبطارية هي جزء لا يتجزأ من السيارات الكهربائية، وتمثل حوالي 30% من إجمالي تكلفة السيارة، وخلال العقود الثلاثة الماضية، تم تطوير وتقديم عدة تقنيات للبطاريات، ومنذ بدء تسويقها في التسعينيات من قبل شركة سوني، قدمت بطاريات الليثيوم أيون مساهمة كبيرة في قطاع السيارات الكهربائية بفضل خصائصها مثل الكثافة العالية للطاقة، طول عمرها الافتراضي، وانخفاض معدل التفريغ الذاتي، وبحلول عام 2030، من المتوقع أن تمثل بطاريات الليثيوم أيون المستخدمة في السيارات الكهربائية أكثر من 80% من السوق العالمية.

وانطلاقا من هذا الاستعراض، ذهب الباحثون إلى أن المغرب يمكنه الاستفادة من احتياطيات ضخمة من الفوسفات، وهو المعدن الأساسي الذي يدخل في صناعة أحد أنواع بطاريات الليثيوم أيون، إلى جانب معادن أخرى مثل المنغنيز والكوبالت والنيكل والنحاس، ليلعب دورا محوريا في تأمين سلاسل التوريد العالمية للبطاريات، لكن الوضع الحالي يشير إلى أن المغرب يصدر حاليا هذه المواد بشكل خام دون إضافة قيمة كبيرة.

ويقول الباحثون إنه “لتطوير إنتاج محلي للبطاريات، هناك حاجة لتعزيز استكشاف هذه الموارد ورفع مستويات الإنتاج، بالإضافة إلى تبني إستراتيجيات لتحويل هذه المواد إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية تستخدم في صناعة البطاريات، مما يمكن أن يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي للمغرب، وخلق فرص عمل جديدة، ودعم الاستدامة البيئية”.

مفارقة لافتة.. خمسة أسباب

ولم يشر الباحثون في دراستهم إلى مفارقة لافتة تستحق الاهتمام في سياق استعراض التحديات والفرص، وذلك وفق الدكتور ماهر القاضي، الذي اختير مؤخرا كأحد أكثر 10 قادة مؤثرين في مجال التنقل الكهربي لعام 2025، وفقا لمجلة “سي آي أو لوك” الأميركية.

وقال القاضي: “يوجد أكثر من نوع لبطاريات الليثيوم منها بطارية (ليثيوم نيكل منغنيز كوبالت أكسيد)، وهي الأكثر انتشارا في مجال صناعة السيارات الكهربائية، وبطارية (ليثيوم كوبالت أكسيد)، التي تستخدم بشكل كبير في الأجهزة الإلكترونية المحمولة مثل الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب المحمولة، لكن الأرقام تشير إلى أن سوق البطارية التي تعتمد على خام الفوسفات في تنامٍ كبير، إذ تشكل حاليا 28% من السوق، ومن المتوقع أن تصل إلى 38% عام 2030، وتشير بعض التقديرات إلى أنها ستصبح الأكثر انتشارا خلال 15 عاما”.

وانطلق القاضي من هذه المقدمة إلى مفارقة وهي أن “المغرب يحتل قائمة الدول صاحبة المخزون العالمي الأكبر من خام الفوسفات، يليها الصين، ثم مصر، لكن عندما نتحدث عن تكرير خام الفوسفات، فإن الصين تأتي في المقدمة عالميا وبدون أي منازع، ذلك لأنها أدركت أن المستقبل يتجه نحو السيارات الكهربائية، فخططت للسيطرة على سوق تكرير المعادن المستخدمة في إنتاج البطاريات التي تحتاجها هذه السيارات”.

وحتى يتحقق الهدف الذي سعت له الدراسة، وهو تبني إستراتيجيات لتحويل خام الفوسفات وغيره من المعادن إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية، يوجه القاضي إلى ضرورة دراسة الأسباب التي جعلت الصين تتقدم حتى على أوروبا وأميركا في سوق تكرير المعادن المستخدمة في إنتاج البطاريات، ويوضح أن أبرز هذه الأسباب هي:

  • أولا: الاستثمار المبكر في تطوير صناعة تكرير المعادن الضرورية لصناعة البطاريات، والعمل على بناء سلسلة إمداد متكاملة تشمل الاستخراج، التكرير، والتصنيع، وقيام الحكومة والشركات الصينية في هذا الإطار بالاستثمار بكثافة في المناجم في أفريقيا، وأميركا الجنوبية، وأستراليا لتأمين الإمدادات اللازمة من هذه المعادن.
  • ثانيا: امتلاك بنية تحتية صناعية كبيرة تدعم تكرير المعادن على نطاق واسع، بالإضافة إلى امتلاك شبكات طاقة رخيصة نسبيا يمكنها تشغيل مصانع التكرير التي تحتاج إلى استهلاك ضخم من الطاقة.
  • ثالثا: وجود خبرة فنية ومصانع قادرة على تشغيل عمليات التكرير بشكل فعال، مما جعلها وجهة رئيسية لتكرير المعادن.
  • رابعا: تقدم الصين تكاليف إنتاج أقل مقارنة بأميركا وأوروبا بسبب الأجور المنخفضة، كما أن التكاليف العالية الناجمة عن الالتزام باللوائح البيئية تجعل تكرير المعادن في الولايات المتحدة وأوروبا أقل تنافسية بالمقارنة مع الصين.
  • خامسا: الدعم الحكومي للشركات الصينية العاملة في تكرير المعادن وصناعة البطاريات، لأن الحكومة لديها رؤية إستراتيجية لتأمين السيطرة على سلاسل التوريد العالمية المتعلقة بالطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة، وتكرير المعادن جزء رئيسي من هذه الرؤية.

فرصة استثمارية تستحق الاهتمام

ويرى القاضي أن هناك فرصة سانحة الآن لاستفادة المغرب من التجربة الصينية، حيث ستسعى شركات صينية لإنتاج البطاريات من المغرب، لاستغلال توفر الخامات، وللهروب من تداعيات الحرب التجارية التي تشنها أميركا وأوروبا على الصين.

وتفرض أميركا والصين في إطار تلك الحرب التجارية تعريفات جمركية مرتفعة على المنتجات القادمة من الصين، وهذا من شأنه أن يرفع سعر البطارية بشكل مبالغ فيه، قد يضر من قدرة الصين على المنافسة في هذا المجال، ومن ثم فإن التصنيع في دول أخرى قد يكون حلا تلجأ له الشركات الصينية للهروب من تلك المشكلة.

ويقول القاضي: “بالفعل لجأت مؤخرا شركة (سي إن جي آر) الصينية، الرائدة عالميا في مجال مواد بطاريات الطاقة الجديدة، إلى توقيع اتفاقية مع شركة مغربية لتصنيع بطاريات في المغرب باستثمار قيمته تتعدى ملياري دولار، وستكون نسبة الشركة المغربية وفق هذا الاتفاق 50% من الأسهم، لكن الأهم من ذلك هو أن الخبرة الصينية جاءت إلى الأرض المغربية، وهذه فرصة أكبر للاقتراب من التجربة والاستفادة منها بشكل يسمح بتدشين استثمارات محلية خالصة تستفيد من الحرب التجارية الدائرة بين الصين وأميركا وأوروبا”.

ويضيف أن “مصر لديها الفرصة نفسها أيضا، حيث تمتلك ثالث احتياطي عالمي من الفوسفات، وتصدره هي الأخرى بشكل خام دون إضافة قيمة كبيرة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *