قنابل إسرائيل الغبية في غزة.. نوايا الاحتلال بنظرة علمية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

تقول العلوم العسكرية إن القنابل الذكية هي الأداة الأكثر فعالية في الحروب، فبدلا من أن يضطر المفجر إلى إسقاط العشرات أو حتى المئات من “القنابل الغبية” لضرب الهدف بشكل فعال، فإن واحدة من القنابل الذكية قد تؤدي هذا الغرض.

وبينما يردد جيش الاحتلال الإسرائيلي دوما أن هدفه من الحرب في غزة هو استهداف حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، فإن إفراطه في استخدام “القنابل الغبية” يكشف نواياه الحقيقية في استهداف الحاضنة الشعبية للمقاومة “شعب غزة”، وليس مقاتلي المقاومة.

ذكية وغبية.. ما الفرق؟

تتكون القنبلة التقليدية بشكل عام من بعض المواد المتفجرة المعبأة في صندوق قوي مزود بآلية صمام، وتحتوي آلية الصمامات على جهاز إطلاق، وعادة ما يكون نظام تأخير زمني أو جهاز استشعار للصدمات أو جهاز استشعار لقرب الهدف والذي يقوم بإشعال القنبلة، وعندما يُضرب الزناد يُشعل الصمام المادة المتفجرة مما يؤدي إلى انفجار، ويؤدي الضغط الشديد والحطام المتطاير الناتج عن الانفجار إلى تدمير الهياكل المحيطة.

يقول الأستاذ المشارك في بحوث العمليات بجامعة بروك الكندية مايكل أرمسترونغ  لـ”الجزيرة نت” عبر البريد الإلكتروني: “القنبلة الغبية -التي يُطلَق عليها أيضا القنبلة غير الموجهة- تحتوي على هذه العناصر فقط، ويتم إسقاطها من طائرة (مثل القاذفة بي2)، وتوصف بالغبية لأنها ببساطة تسقط على الأرض دون أن توجه نفسها إلى هدف محدد بشكل فعال، فهي تسقط حيثما يأخذها زخمها والرياح، فإذا أُسقطت من ارتفاع عالٍ بواسطة طائرات تحلق على مستوى عالٍ، فإن دقتها تكون منخفضة جدا، وفي هجمات الحرب العالمية الثانية ضد مدن في أوروبا، كانت القنابل تسقط على مسافة 1000 قدم من الهدف، ولكن إذا أُسقطت من ارتفاع منخفض بواسطة طائرات تغوص نحو الهدف، فإن دقتها يمكن أن تكون أعلى بكثير”.

ويوضح أرمسترونغ  أنه “على النقيض من ذلك، تحتوي القنابل الموجهة أو القنابل الذكية، على مستشعر إلكتروني (مثل الكاميرا أو نظام تحديد المواقع العالمي) وآلية توجيه (مثل الزعانف)، ونظام تحكم مدمج (حاسوب على متن الطائرة)، وهذا يتيح توجيهها نحو الهدف أثناء السقوط، وتعتمد الدقة على التكنولوجيا الخاصة بها، فعندما تعمل بشكل صحيح يمكن للصواريخ الحديثة أن تصيب أهدافا صغيرة مثل المباني الفردية أو المركبات”.

قنبلة ذكية.. كيف تعمل؟

ويشرح موقع “هاوستاف وورك” الأميركي الشهير آلية عملها قائلا: إنه “عندما تقوم طائرة بإسقاط قنبلة ذكية، تصبح القنبلة طائرة شراعية ثقيلة بشكل خاص ليس لديها أي نظام دفع خاص بها مثل الصاروخ، ولكن لديها سرعة أمامية (بحكم إسقاطها من طائرة مسرعة)، كما أن لديها زعانف طيران تولّد الرفع وتثبّت مسار طيرانها، ويمنح نظام التحكم والزعانف القابلة للتعديل القنبلة وسيلة لتوجيه نفسها أثناء انزلاقها في الهواء، وأثناء طيران القنبلة يقوم نظام الاستشعار ونظام التحكم بتتبع الهدف المحدد على الأرض، حيث يقوم نظام الاستشعار بتغذية نظام التحكم بالموقع النسبي للهدف، ويقوم نظام التحكم بمعالجة هذه المعلومات وتحديد كيفية توجيه القنبلة نحو الهدف”.

ويضيف أنه “لتشغيل القنبلة فعليا، يرسل نظام التحكم رسالة إلى المحركات التي تضبط زعانف الطيران، وتعمل هذه الزعانف بنفس الطريقة الأساسية التي تعمل بها اللوحات المختلفة الموجودة على متن الطائرة. ومن خلال إمالة الزعانف في اتجاه معين، يعمل نظام التحكم على زيادة السحب الذي يعمل على هذا الجانب من القنبلة، ونتيجة لذلك تدور القنبلة في هذا الاتجاه، وتستمر عملية التعديل هذه حتى تصل القنبلة الذكية إلى هدفها. وتقوم آلية الصمام بتفجير المادة المتفجرة، وتحتوي القنابل الذكية عموما على صمامات تقارب، والتي تفجر المادة المتفجرة قبل أن تصل القنبلة إلى الهدف مباشرة، أو صمامات صدمية، والتي تفجر المادة المتفجرة عندما تصطدم القنبلة فعليا بشيء ما”.

لماذا لا تستخدم إسرائيل القنابل الذكية؟

وتمد الولايات المتحدة الأميركية إسرائيل بشكل مستمر بهذه القنابل الذكية، فقد حصلت إسرائيل -على سبيل المثال- عام 2004 على نحو 5000 قنبلة ذكية في واحدة من أكبر صفقات الأسلحة بين الحلفاء منذ سنوات، وبلغت قيمتها 319 مليون دولار. وقبل الحرب الحالية وافقت أميركا على نقل ما قيمته 320 مليون دولار من هذه القنابل إلى إسرائيل. وقال تقرير نشرته “سي إن إن ” في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إن واشنطن تخطط لنقل هذه القنابل إلى إسرائيل لدعم حربها على حماس.

والسؤال: لماذا لم تستخدم إسرائيل القنابل الاذكية بكثافة في هذا الحرب؟ حتى إن تقرير استخباراتي أميركي نقلته شبكة “سي إن إن”، قال إن تقييما للاستخبارات الأميركية، وجد أن قرابة نصف القذائف التي قصف بها الجيش الإسرائيلي غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي هي من القذائف غير الموجهة المعروفة بـ”القنابل الغبية”.

يقول أرمسترونغ: “القوات الجوية عادة ما تفضل القنابل الموجهة (الذكية)، لأنها عادة ما تكون أكثر دقة،  لكن القنابل غير الموجهة الغبية ظلت موجودة، ولا تزال هي الأكثر وفرة، لأنها أرخص وأسهل في الإنتاج، والجيش الأميركي والإسرائيلي يمتلكان عددا منها في مخزوناته يفوق القنابل الموجهة، ونظرا لأن إمدادات القنابل الذكية محدودة، فإن القوة الجوية ستستخدمها ضد الأهداف التي من المهم ضربها أو حيث يكون من المهم عدم تفويتها، فعلى سبيل المثال، قد تستخدم لضرب مبنى عسكري في مدينة ما”.

وإذا كان الهدف المعلن من الحرب على قطاع غزة، هو انهاء حركة حماس، فإن الإسراف في استخدام القنابل الغبية التي لا تختار أهدافها بدقة، يعني أن إسرائيل تتخذ من استهداف حماس ستارا لإبادة شعب غزة، وهو ما تدعمه تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن الثلاثاء 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، والذي أقر أخيرا بأن إسرائيل قامت بـ”قصف عشوائي” في غزة.

كما نقلت مجلة “نيوزويك” الأميركية الأربعاء 13 ديسمبر/كانون الأول عن ضابط رفيع في القوات الجوية الأميركية قوله إن “هجوم إسرائيل على غزة هو في الواقع هجوم على المدنيين”.

قنابل غبية.. القانون الدولي

وتعني هذه الحقائق التي كشف عنها التقرير الأميركي أن إسرائيل أبعد ما تكون “علميا” عن التوصيف كدولة تتمتع بأنظمة ديمقراطية والتزام قوي بالقانون الدولي، حتى وإن امتلكت القنابل الذكية النظيفة الأقل استهدافا للمدنيين.

وكانت دراسة لباحثين من جامعة بنسلفانيا الأميركية نُشرت في دورية “جورنال أوف كونفلكت رزليوشن”، تتبعت عمليات شراء القنابل الذكية على مستوى العالم وأجرت تحليلا إحصائيا دقيقا دعمت به فرضيتها التي تقول إن الدول التي تواجه تهديدات أمنية -وخاصة تلك التي تتمتع بأنظمة ديمقراطية والتزام قوي بالقانون الدولي- هي الأكثر اقتناء لتلك القنابل التي لا تستهدف المدنيين، وعدّت تلك الدراسة أميركا وإسرائيل من تلك الدول. وما لم تقم الدراسة بتحليله هو معدل استخدام القنابل الذكية حال امتلاكها.

ولكن استشاري الطب النفسي بجامعة الزقازيق المصرية أحمد عبد الله، كان له تحليل نفسي ذهب فيه إلى أن قلة استخدامها يكشف عن أن إسرائيل هدفها الرئيسي من هذه الحرب هو إرهاب الشعب الفلسطيني وتدمير معنوياته وإفقاد المقاومة الحاضنة الشعبية، لذلك فإنها لا تهتم باستهداف حماس قدر اهتمامها باغتيال البشر والحجر على أرض غزة باستخدام قنابلها الغبية.

ويقول عبد الله في حديث هاتفي لـ”الجزيرة نت”: إنه “وفقا لنظرية التحليل التفاعلي للعالم الشهير إيرك برن، والتي تُستخدم في علم النفس العسكري لفهم جوانب معينة من الصراعات، فإن إسرائيل خاطبت الجانب الطفولي في الشخصية منذ بداية الحرب بترديد تصريحات ساذجة، وهي أنها تخوض حربا في غزة للقضاء على حماس، والحقيقة أن الاستقبال الواعي الراشد للرسائل الإسرائيلية يكشف سخافة القول بأن الهدف هو حماس فقط، بينما التدمير الحاصل طوال 70 يوما هو لشعب غزة، والقنابل الغبية تؤكد ذلك”.

ووفق هذه النظرية تُفهم التفاعلات البشرية من خلال ثلاث حالات هي الوالد والراشد والطفل، حيث تشير حالة الوالد إلى الأفكار والمشاعر والسلوكيات التي تبناها الفرد من شخصيات السلطة، وتشير حالة الراشد إلى الجانب العقلاني والموضوعي والمنطقي للشخص، أما حالة الطفل فهي المشاعر والعواطف والسلوكيات التي عاشها الفرد عندما كان طفلاً، ولا تزال تؤثر فيه وفي تفاعلاته.

ويوضح عبد الله أن إسرائيل “وجهت رسالتها في بداية الحرب مستهدفة الجانب الطفولي في الشخصية، ونجحت لفترة، إلى أن بدأ يحدث تغيير لدى مستقبلي رسائلها في العالم والذين اتضحت لهم الحقائق، مثل حقيقة الإفراط في استخدام القنابل الغبية، ليستقبلوا رسائلها بالجانب البالغ والعقلاني من الشخصية”.

ويضيف: “لكن للأسف، ما زال قطاع ضخم في العالم العربي يستقبل المزاعم والتصريحات والقرارات والخطط الصهيونية بالجانب الطفولي من الشخصية”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *