اقترح فريق علمي من جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين، نموذجا جديدا لإنتاج “الهيدروكسيلامين” بطريقة مستدامة، تعتمد على الهواء المحيط والماء، ونشروا تفاصيل الطريقة في دورية “نيتشر سيستنابيلتي”.
و”الهيدروكسيلامين” وسيط كيميائي مهم، ويُستخدم على نطاق واسع في المجالات الكيميائية الدقيقة للطب والمبيدات الحشرية والمنسوجات والعديد من المجالات الأخرى، ويُنتج بثلاث طرق تقليدية، أشهرها المعروفة باسم “راشيكج”، بالإضافة إلى طريقتي اختزال أكسيد النيتريك، واختزال حمض النيتريك.
ولكل طريقة من الطرق الثلاث عيوبها البيئية، وهو ما دفع فريق البحث بقيادة البروفيسور تسنغ جي والبروفيسور جينغ تشيغانغ، إلى العمل على تطوير طريقة جديدة مستدامة ببصمة كربونية منخفضة.
كيفية إنتاجه بالطرق التقليدية
وسميت عملية “راشيكج” التقليدية لإنتاج “الهيدروكسيلامين”، على اسم الكيميائي الألماني فريدريش راشيج، وهي طريقة كلاسيكية تتضمن تفاعل الأمونيا مع “هيبوكلوريت الصوديوم” لتكوين “الكلورامين”، والذي يُختزل بعد ذلك بواسطة “ثنائي كبريتيت الصوديوم” لإنتاج “هيدروكسيلامين”.
ورغم فعالية هذه الطريقة، فإنها معروفة بخسارة كبيرة للنيتروجين وتوليد منتجات ثانوية ضارة بالبيئة، مما يجعلها أقل استدامة في التصنيع الكيميائي الحديث.
أما الطريقة الثانية فتعتمد على اختزال “أكسيد النيتريك” مع الهيدروجين في وجود محفز لإنتاج “الهيدروكسيلامين”، وتُنفذ هذه الطريقة عادة تحت ظروف الضغط العالي ودرجة الحرارة العالية لتحقيق تحويل فعال، وتولِّد هذه العملية انبعاثات كربونية كبيرة وتتطلب مدخلات كبيرة من الطاقة، مما يثير المخاوف بشأن تأثيرها البيئي واستدامتها.
وتعتمد طريقة اختزال “حمض النيتريك” على استخدام محفز معدني مثل “البلاتين” أو “البلاديوم”، وغالبا ما يتضمن خطوة وسيطة حيث يُختزل “أكاسيد النيتروجين” إلى “حمض النيتريك”، قبل مزيد من الاختزال إلى “هيدروكسيلامين”.
وعلى غرار الطرق التقليدية الأخرى، ترتبط هذه الطريقة بارتفاع انبعاثات الكربون واستهلاك الطاقة، مما يمثل تحديات من حيث الاستدامة البيئية والكفاءة.
3 خطوات لإنتاجٍ أخضر
تجاوز الباحثون مشاكل الطرق التقليدية عبر طريقة خضراء ومستدامة تستخدم الهواء والماء فقط كمواد خام من خلال تطوير عملية جديدة، وفصّل الباحثون خطواتها في بيان نشرته جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين على النحو التالي:
- أولا: تثبيت نيتروجين البلازما
يقوم الباحثون بإدخال الهواء إلى جهاز تفريغ البلازما، حيث يوجد في الداخل سلسلة من الأطراف المتوازية التي تنشئ العديد من الصواعق الصغيرة التي تعمل على كسر الروابط القوية في جزيئات النيتروجين الموجودة في الهواء.
وتعمل هذه العملية على تحويل النيتروجين من الهواء إلى حمض النيتريك، حيث يتدفق الهواء عبر الآلة ويُحوِّل جزيئات النيتروجين إلى حمض النيتريك الذي يُمتص في محلول مائي، ويصبح هذا المحلول حمضيا عندما يتشكل حمض النيتريك.
- ثانيا: جمع حمض النيتريك
يحسّن الباحثون تدفق الهواء عبر الجهاز لإنتاج محلول بأعلى تركيز ممكن من حمض النيتريك يصل إلى 20.3 ملّي مول لكل لتر. وبعد عدة دورات مدة كل منها 30 دقيقة (إجمالي 20 دورة) يحصلون على محلول حمض النيتريك المستقر، ويُعد محلول حمض النيتريك هو العنصر الرئيسي الأول اللازم للخطوة التالية.
- ثالثا: الإنتاج النهائي
يُخفف محلول حمض النيتريك ويخلط مع إلكتروليتات محددة، ويَستخدم الباحثون بعد ذلك محفزا رقيقا من معدن البزموت لتحويل حمض النيتريك إلى هيدروكسيلامين. ومن خلال تمرير تيار كهربائي عبر هذا الخليط لمدة 5 ساعات، تمكن الباحثون من إنتاج “هيدروكسيلامين” بتركيز أقصى يبلغ 77.7 ملي مول لكل لتر.
إنتاج أخضر.. كلفة أقل
ووفق ما سبق من خطوات، فإن الطريقة الجديدة لإنتاج “الهيدروكسيلامين” تحقق العديد من المزايا البيئية والاقتصادية التي يشير إليها أستاذ الهندسة الكيميائية بجامعة الزقازيق المصرية خالد صديق في حديث هاتفي مع الجزيرة نت.
والمزايا البيئية كما أشار إليها صديق هي:
- انخفاض انبعاثات الكربون: تنطوي الطرق التقليدية مثل طرق اختزال أكسيد النيتريك وحمض النيتريك، على انبعاثات كربونية عالية بسبب استخدام الوقود الأحفوري والعمليات كثيفة الاستهلاك للطاقة، ويَستخدم المسار البديل الكهرباء والهواء والمياه، مما يقلل بشكل كبير من انبعاثات الكربون.
- تقليل فقدان النيتروجين: تؤدي عملية راشيكج المعروفة بفقدها الكبير للنيتروجين، إلى التلوث البيئي، وتَستخدم الطريقة الجديدة النيتروجين من الهواء المحيط بكفاءة، مما يقلل من النفايات والأثر البيئي.
- استخدام الهواء المحيط والماء: من خلال استخدام الموارد المتاحة والمتجددة مثل الهواء والماء، تتجنب الطريقة الجديدة استخراج المواد الخام ومعالجتها، مما يقلل من البصمة البيئية الإجمالية.
- ظروف أكثر اعتدالا: تعمل عملية التوليف الجديدة في ظل ظروف معتدلة (درجة الحرارة والضغط المحيطين)، وهو ما يتناقض مع متطلبات الضغط العالي ودرجة الحرارة العالية للطرق التقليدية، وهذا يقلل من استهلاك الطاقة والآثار البيئية المرتبطة بها.
- لا توجد منتجات ثانوية ضارة: لا تنتج هذه العملية منتجات ثانوية ضارة، على عكس الطرق التقليدية التي يمكن أن تولّد مواد ضارة بالبيئة مثل أكاسيد النيتروجين والمركبات المكلورة.
أما عن مزايا التكلفة التي يشير إليها صديق فهي:
- استهلاك أقل للطاقة: فالتشغيل في ظل ظروف معتدلة واستخدام الكهرباء يقلل من متطلبات الطاقة، مما يترجَم إلى توفير في كلفة إنفاق الطاقة.
- القضاء على المواد الخام باهظة الثمن: غالبًا ما تتطلب الطرق التقليدية مواد خام وكواشف باهظة الثمن (مثل الأمونيا وهيبوكلوريت الصوديوم والهيدروجين)، بينما تستخدم الطريقة الجديدة الهواء والماء المحيطين، وهما رخيصان ووفيران، مما يقلل بشكل كبير من تكاليف المواد الخام.
- عملية ومعدات مبسطة: يؤدي استخدام جهاز تفريغ البلازما ونظام التحفيز الكهربائي إلى تبسيط عملية الإنتاج، وقد يؤدي إلى انخفاض تكاليف التشغيل والصيانة مقارنة بالطرق التقليدية الأكثر تعقيدا التي تتضمن مفاعلات عالية الضغط ومحفزات متطورة.
- قابلية التوسع والاستقرار: أظهرت العملية الجديدة استقرارا على مدار دورات متعددة، مما يشير إلى أنه يمكن توسيع نطاقها بكفاءة دون حدوث تدهور كبير في الأداء، مما قد يؤدي إلى خفض تكاليف التشغيل على المدى الطويل.
ويظل تحقيق هذه المزايا مرهونا بإجابة الباحثين على مجموعة من التساؤلات التي تتعلق بتحديات الإنتاج على نطاق صناعي، ومنها ما يتعلق بالتحديات الهندسية الأساسية في توسيع نطاق النظام الجديد للإنتاج الصناعي، والحلول التي يمكن تطويرها لمواجهة هذه التحديات، لا سيما فيما يتعلق بتصميم المعدات.
ويقول صديق إنه يتعين على الباحثين أيضا التحديد الدقيق للفوائد الاقتصادية المحتملة لهذه الطريقة في السياق الصناعي، وحجم الإنتاج اللازم لتحقيق القدرة التنافسية من حيث الكلفة، وتنفيذ الابتكارات أو التعديلات التي يمكن أن تزيد من خفض التكاليف وتحسين الجدوى الاقتصادية.