في إجابتها على سؤال تلقته بشأن ما يتردد عن تصريحات متنبئ الزلازل الهولندي فرانك هوغيربيتس وغيره ممن ادعوا أن تنبؤاتهم بشأن الزلازل وافقت الواقع، قالت هيئة المسح الجيولوجي الأميركي: إن التنبؤ السليم يجب أن يحدد ثلاثة عناصر وهي “التاريخ أو الوقت”، ثم “الموقع”، وأخيراً “المقدار”.
ويزعم فريق بحثي دولي يضم باحثين من الصين وتركيا ومصر، أنهم نجحوا إلى حد بعيد في تحقيق الشرط الأول من التنبؤ، وهو “التاريخ والوقت”، وذلك من خلال رصد تغيرات مصاحبة للزلازل تحدث في طبقة الغلاف الأيوني “الأيونوسفير”، وأعلنوا نتائج ما توصلوا له في دراسة نشرتها دورية “ريموت سينسينغ”.
والأيونوسفير منطقة بالغلاف الجوي العلوي للأرض تمتد من حوالي 30 ميلا (48 مترا) إلى 600 ميل (965 كيلومترا) فوق سطح الأرض، وتتكون بشكل أساسي من جزيئات متأينة مشحونة بسبب تأثير الإشعاع الشمسي، وتلعب دورا حاسما في مختلف الظواهر الجوية والكهرومغناطيسية.
وقبل سنوات اقترحت بعض الدراسات وجود علاقة بين الزلازل واضطرابات تحدث بالغلاف الأيوني قبل وقوع الزلزال، مما يعني إمكانية استخدام تلك الاضطرابات كنذير لوقوع زلزال. ونشرت نتائج هذه الدراسات في دوريات البحوث الجيوفيزيائية عامي 2001 و2011، والتقدم في أبحاث الفضاء (2011).
وعلى الرغم من أن نتائج هذه الدراسات لم تلق قبولا على نطاق واسع داخل المجتمع العلمي، فإن الفريق البحثي الدولي في الدراسة الجديدة يزعم أنه وصل مستعينا بالذكاء الاصطناعي، إلى نتائج تؤكد إلى حد كبير وجود هذه العلاقة، بل إنهم أكدوا نجاحهم في تحقيق دقة وصلت إلى 89% في التنبؤ بالزلازل.
ماذا فعل الباحثون؟
يقول المدرس بقسم “الجيوماتكس” بكلية الهندسة في جامعة بنها المصرية وباحث ما بعد الدكتوراه بجامعة ووهان بالصين محمد فريشح، وهو أحد الباحثين المشاركين بالدراسة الجديدة: إن “ما فعلناه هو استخدام بيانات الأقمار الاصطناعية الخاصة بتحديد المواقع، جنبا إلى جنب مع بيانات الطقس الفضائي (مثل العواصف الشمسية والعواصف الجيومغناطيسية)، وذلك لكشف التغيرات بطبقة الأيونوسفير التى تسبق وقوع الزلازل القوية، وتوصلنا لنتائج واعدة تمثل خطوة في الطريق لإنشاء منصة للتحذير المبكر من الزلازل الشديدة”.
ويوضح فريشح في حديث مع “الجزيرة نت” عبر تطبيق “زوم”، أن هناك نوعين من الموجات الزلزالية، إحداها يكون مصاحبا للزلازل، والأخرى تسبق وقوع الزلزال بأيام، والأخيرة تتسبب بتغيرات في محتوي الإلكترون الكلي في طبقة الأيونوسفير.
ويؤيِّن الإشعاع الشمسي الجزيئات المحايدة في طبقة الأيونوسفير، مما يخلق طبقة من الإلكترونات الحرة التي تؤثر على انتشار الإشارات الراديوية، بما في ذلك الصادرة من الأقمار الاصطناعية.
ويضيف فريشح أن “محطات استقبال بيانات الأقمار الاصطناعية تستقبل نوعين من تلك الإشارات الراديوية، إحداها تسمى الموجة الحاملة، والأخرى تسمى موجة الشفرة، ومن خلال معادلات رياضية تَستخدم بيانات الموجتين نستطيع تقدير محتوى الإلكترون الكلي بطبقة الأيونوسفير”.
ويوضح أنه “من خلال الحصول على بيانات تلك الأقمار الاصطناعية خلال الأيام الطبيعية، وتلك التي سبقت وقوع الزلازل في تركيا خلال الفترة من 2012 إلى 2019، وتلك التي تشهد أحداث الطقس الفضائي (مثل العواصف الشمسية والعواصف الجيومغناطيسية)، استطعنا استخدام 75% من البيانات لتدريب شبكة عصبية اصطناعية على تمييز نمط محتوى الإلكترون الكلي بطبقة الأيونوسفير خلال الفترة التي تسبق وقوع الزلازل بخمسة أيام، وتم الاحتفاظ بـ25 % من البيانات لاستخدامها في اختبار أداء تلك الشبكة التي حققت نسبة نجاح وصلت إلى 89% في التنبؤ بأحداث زلزالية”.
والشكل التطبيقي لهذا العمل البحثي هو أن توجد منصة تجمع بشكل دوري بيانات الأقمار الاصطناعية، لحساب محتوى الإلكترون الكلي بطبقة الأيونوسفير، بحيث تُقرر عند رصد شذوذ غير طبيعي ليس له علاقة بأحداث الطقس الفضائي، أن هناك زلزالا من المحتمل وقوعه”.
رفض قاطع.. محاولة أولية
لم تنجح نتائج تلك الدراسة في حسم الجدل الذي أثارته الدراسات الثلاث السابقة، بل إن عالمة الزلازل بجامعة كورنيل الأميركية جوديث هوبارد، نصحت “الجزيرة نت” عندما أرسلت لها نسخة منها للتعليق على نتائجها، بعدم الكتابة عنها، رغم أن الدورية التي نشرتها ذات معامل تأثير مقبول علميا (5.349).
وقالت بلهجة حادة في تعليق استقبلناه عبر البريد الإلكتروني: “يمتلئ مجال التنبؤ بالزلازل باستخدام الذكاء الاصطناعي بأشخاص يقدمون ادعاءات غير علمية وسيئة التوثيق، وأعتقد أن هذه الورقة البحثية لا تختلف عن ذلك، ومن الأفضل عدم منح هذه الدراسات وقتا للكتابة عنها ما لم تكن موثقة ومدققة بشكل جيد للغاية”.
وبلهجة أكثر هدوءا، رأى أستاذ هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات بقسم هندسة البترول في كلية الهندسة جامعة القاهرة والمتخصص في برامج الذكاء الصناعي عبد العزيز محمد عبد العزيز، أن الدراسة فيها ما يستحق النقاش، رغم تسجيله بعض الملاحظات العلمية على ما توصلت إليه.
يقول عبد العزيز في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”، إن “الدراسة اعتمدت على سبعة مدخلات تؤثر على المحتوى الإلكتروني للغلاف الأيوني، ستة منها تسمى المدخلات ثنائية الأبعاد، وهي معامل المغناطيسية الأرضية ومده توزيع الأعاصير ورقم البقعة الشمسيىة وسرعة الرياح الشمسية ومعامل النشاط الشمسي ومعامل أعاصير المغناطيسية الأرضية، أما العنصر السابع فهو من المدخلات ذات البعد الواحد وهي بيانات الطقس الفضائي”.
ويوضح أنه “ليس لدي مشكلة في استخدام هذه المدخلات لبناء نموذج رياضي للتنبؤ، ولكن هذا لا يعني إهمال التفسير العلمي لسبب التغيير الذي يحدث في أحد المدخلات بسبب قرب وقوع الزلزال، فالدراسة لم تقل لنا مثلا ما الذي يحدث قبل أيام من وقوع الزلزال ويتسبب بحدوث تغييرات في معامل المغناطيسية الأرضية، وهذا أمر مهم للغاية”.
ويضيف أن “الدراسة أيضا اعتمدت على بيانات من تركيا تتعلق بالزلازل التي تبلغ قوتها 5 و6 درجات على مقياس ريختر، فماذا عن الزلازل الأقوى من ذلك مثل الزلزال الذي شهدته تركيا العام الماضي، هل سيكون النموذج الرياضي قادرا على تفسير ما يحدث بطبقة الأيونوسفير قبلها، وبالتالي فإن هذه الدراسة لا تصلح للتعميم، لأنه كان ينقصها بيانات من دول مختلفة، ومن زلازل بقوة أعلى من 5 و6 درجات”.
ويخلص عبد العزيز من ذلك إلى التأكيد أن “هذه الدراسة محاولة أولية يلزمها جهد إضافي يعتمد على بيانات من أكثر من دولة، ومن زلازل بمعدلات قوة مختلفة”.
جهد يحتاج إلى مزيد
ما طلبه عبد العزيز في ختام تعليقه، وعَد به فريشح عندما عدنا له بالملاحظات، بل إنه زاد عليها بالإشارة إلى تحديات أخرى.
يقول فريشح: “لا ندعي أن عملنا هو محاولة مكتملة، بل إن الوصف الصحيح لما توصلنا إليه هو أنه خطوة أولى، فلا يزال أمامنا عمل إضافي يستلزم إجراء دراسات أخرى تستخدم بيانات من زلازل بقوة مختلفة ودول متعددة للتأكد من أن نموذجنا صالح للتعميم، كما أن لدينا تحديات أخرى تتعلق بعناصر التنبؤ الأخرى، وهي كيفية تحديد موقع الزلزال بدقة، وكذلك معرفة قوته بالاعتماد على التغيرات في طبقة الأيونوسفير”.
ويتوقع أن يقود عملهم المستقبلي إلى التوصية بأن يكون لكل إقليم النموذج الرياضي الخاص به، فمثلا قد يكون نموذج “الصفيحة الأفريقية” مختلفا عن نموذج “صفيحة أوراسيا”.
وإلى أن يحدث ما وعد به فريشح، يرى رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر شريف الهادي في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”، أن الأدوات العلمية المعتمدة حتى الآن في مجال الزلازل هي:
- أولا: الرصد الزلزالي
نشر أجهزة قياس الزلازل وغيرها من أجهزة الاستشعار الأرضية، لتحسين قدرتنا على تحديد مواقع الزلازال بسرعة.
- ثانيا: أنظمة الإنذار المبكر
فقد نفّذت بعض المناطق المعرضة للزلازل مثل اليابان أنظمة إنذار مبكر، وتَستخدم هذه الأنظمة بيانات في الوقت الفعلي من أجهزة استشعار الزلازل لتوفير ثوانٍ إلى دقائق من التحذير المسبق قبل أن تبدأ الهزات القوية، وهذا يسمح للأفراد باتخاذ إجراءات وقائية.
- ثالثا: خرائط مخاطر الزلازل
فقد طور العلماء خرائط مخاطر الزلازل التي تقدر احتمالية النشاط الزلزالي في مناطق مختلفة خلال أطر زمنية محددة، وتساعد هذه الخرائط في إرشاد قوانين البناء وتخطيط استخدام الأراضي للتخفيف من تأثير الزلازل.