سعى علماء الفلك منذ فترة طويلة إلى رسم خريطة للسماء ليلا، ليس فقط لاستكمال تصوراتنا للكون الذي نعيش فيه، ولكن أيضا لدعم المزيد من الأبحاث، إذ تخدم تلك المجموعات الشاملة للأجسام الفلكية العديد من الأغراض العلمية المتعلقة بعلم الفلك والفيزياء الفلكية.
مع ذلك، يجب تحديث هذه الموارد العلمية بشكل دوري لتعكس التحسينات التكنولوجية المستمرة للتلسكوبات، وضمن هذا السياق، أنشأ علماء الفلك أطلسا تفصيليا لما يقرب من 400 ألف مجرة في جوارنا الكوني.
وتم تجميع الأطلس الذي سمي “أطلس سيينا للمجرات” باستخدام بيانات من تلسكوبات “نويرلاب” التابعة للمؤسسة الوطنية الأميركية للعلوم، وهو مصمم ليكون أطلس المجرات الرقمي المخصص للمجرات الكبيرة، ويقدم كنزا من المعلومات للباحثين الذين يدرسون كل شيء بدءا من تكوين المجرات وتطورها وحتى المادة المظلمة وموجات الجاذبية. كما أنه متاح مجانا عبر الإنترنت ليستكشفه الجمهور. وقد تم تقديم هذا الأطلس في ورقة بحثية تظهر في السلسلة الإضافية لدورية “ذا أستروفيزيكال جورنال”.
خلاصة 3 مسوحات
أطلس سيينا للمجرات، عبارة عن تجميع للبيانات من 3 مسوحات تم إنجازها بين عامي 2014 و2017، تم تنفيذها لتحديد أهداف المجرات، وتم جمع البيانات في مرصد سيرو تولولو للبلدان الأميركية، ومرصد كيت بيك الوطني، وكلاهما من برامج “نويرلاب”، وفي مرصد ستيوارد بجامعة أريزونا.
استخدمت المسوحات أحدث الأدوات في التلسكوبات التي تديرها “نويرلاب”، وتم تقديم بيانات المسوحات، بالإضافة إلى نسخة قابلة للاستعلام من “أطلس سيينا للمجرات” الكامل، إلى المجتمع الفلكي عبر منصة العلوم “أسترا داتا لاب”، وأرشيف البيانات الفلكية في مركز العلوم والبيانات المجتمعي التابع لـ”نويرلاب”.
ويحتوي أطلس سيينا للمجرات على بيانات إضافية من مسح أجراه القمر الصناعي مستكشف المسح بالأشعة تحت الحمراء واسع النطاق التابع لناسا، والذي تمت إعادة معالجته بواسطة آرون مايسنر، عالم الفلك في “نويرلاب”.
التقطت هذه المسوحات صورا بأطوال موجية بصرية وتحت الحمراء لرسم مساحة إجمالية قدرها 20 ألف درجة مربعة، أي ما يقرب من نصف سماء الليل، مما يجعلها من بين أكبر مسوحات المجرات.
وبجمع هذه الثروة من المعلومات معا في مكان واحد، يقدم أطلس سيينا للمجرات بيانات دقيقة عن مواقع وأشكال وأحجام مئات الآلاف من المجرات الكبيرة القريبة نسبيا. إلى جانب ذلك، فإن البيانات الموجودة في الأطلس تحقق أيضا مستوى جديدا من الدقة.
أطلس للباحثين والجمهور العام
يعتمد أطلس سيينا للمجرات على عدة قرون من الجهود لرسم سماء الليل. كان “كتالوج السدم والمجموعات النجمية” الشهير الذي نشره عالم الفلك الفرنسي تشارلز ميسييه عام 1774 بمثابة علامة بارزة، كما كان “الكتالوج العام الجديد للسدم ومجموعات النجوم” الذي نشره جون لويس إميل دراير عام 1888.
وفي عام 1991، قام علماء الفلك بتجميع “الفهرس المرجعي الثالث للمجرات الساطعة”، وقد تم نشر العديد من أطالس المجرات القيمة الأخرى على مدى العقدين الماضيين، لكن معظمها يعتمد على قياسات اللوحة الفوتوغرافية في الفهرس المرجعي الثالث للمجرات الساطعة، أو يفتقد أعدادا كبيرة من المجرات. وبما أن أطلس سيينا للمجرات يستخدم الصور الرقمية الملتقطة بأدوات حساسة للغاية، فإنه يمثل تحسنا كبيرا في جودة البيانات واكتمالها.
ويشرح أرجون داي، عالم الفلك في “نويرلاب” الذي شارك في المشروع، في البيان الصحفي المنشور على موقع “فيز دوت أورغ ” قائلا إن مجموعات المجرات السابقة كانت تعاني من مواقع وأحجام وأشكال غير صحيحة للمجرات، كما احتوت أيضا على معلومات عن أشياء لم تكن مجرات، بل نجوما أو غيرها. وقد تجاوز أطلس سيينا للمجرات كل هذا.
ويقود هذا المورد متعدد الاستخدامات التقدم في العديد من فروع علم الفلك والفيزياء الفلكية من خلال مساعدة العلماء في العثور على أفضل عينات المجرات للمراقبة والدراسة من قبل الباحثين. مع ذلك، يشار إلى أن الأطلس ليس مخصصا للباحثين الأكاديميين فقط؛ فهو متاح للعرض مجانا عبر الإنترنت لأي شخص يرغب في التعرف على ركننا من الكون بشكل أفضل.