على الرغم من التقدم الكبير في مجال توليد الطاقة المتجددة، ما زلنا بحاجة إلى إيجاد طريقة قابلة للتطوير بشكل مرن لتخزينها، وخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي تختلف بشكل كبير اعتماداً على ظروف الطقس وضوء النهار.
وتشكّل الطاقة المتجددة أهمية مركزية في إستراتيجيات إزالة الكربون في العديد من البلدان، التي تنشد الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050، مع مضاعفة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة ثلاث مرات لتحقيق أهدافها الطموحة في الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض ووقف الآثار السيئة للتغير المناخي.
وعلى الرغم من انتشار تقنيات الطاقة المتجددة وانخفاض أسعارها، إلا أنها لا تزال تعاني من مشكلة جوهرية تتمثل في ضمان توافرها في جميع أوقات النهار وعلى مدار السنة، أي عندما لا تهب الرياح أو لا توفر الشمس الضوء الكافي، أو عند انخفاض مستوى المياه في السدود الكهرومائية.
ويعتمد تخزين الطاقة الكهربائية المنتجة من الموارد المتجددة بشكل رئيسي على حزم من البطاريات الكيميائية الضخمة، التي تصنع بشكل أساسي من معدن الليثيوم، لكن ارتفاع أسعار هذه البطاريات، والأثر البيئي المحتمل لها خلال دورة حياتها من التصنيع إلى الإتلاف، وصعوبة التخلص منها، دفعت عدداً من الشركات الواعدة للتفكير بطرق مبتكرة بديلة لتخزين الطاقة الناتجة عن مصادر الطاقة النظيفة بعيداً عن أوعية التخزين الكيميائية، وإعادة استخدام هذه الطاقة لإنتاج الكهرباء عند الحاجة.
الأثر البيئي لبطاريات الليثيوم
يوفر تخزين الطاقة في بطاريات الليثيوم مجموعة من المزايا التي يمكن أن تساعدنا في تحقيق أهداف الاستدامة من ناحية كفاءة استخدام الطاقة، إذ يمكن لبطاريات الليثيوم تخزين الطاقة من الموارد المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتيارات المد والجزر والوقود الحيوي والطاقة الكهرومائية، لفترات طويلة.
ومع ذلك، فإن المعادن الداخلة في تصنيع هذه البطاريات، مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل، تمثل تحديات بيئية جديدة، ويمكن أن تكون العمليات المستخدمة لاستخراج هذه المعادن ضارة للغاية بالبيئة والمجتمعات المحلية، إذ يتطلب تعدين وتنقية مواد البطاريات كميات كبيرة من الطاقة التي تولد انبعاثات غازات الدفيئة.
كما تؤدي عمليات استخراج المواد الخام أيضاً إلى تدهور التربة، واستهلاك كميات كبيرة من المياه، وفقدان التنوع البيولوجي نتيجة إزالة الغطاء النباتي والأشجار في مواقع التعدين، والإضرار بالنظم البيئية.
أيضا تحتوي بطاريات الليثيوم على مواد كيميائية مثل المنغنيز والكوبالت والنيكل، وهي مواد ضارة بالبيئة عندما لا يتم التعامل معها بشكل صحيح، وقد تتسرب لأنظمة إمدادات المياه وتسبب تلوثها.
وتتحول بطاريات الليثيوم لاحقاً إلى نفايات إلكترونية، وينتهي الأمر بها غالباً في مدافن النفايات، أو قد يتم تفكيكها أو حرقها بشكل غير آمن للحصول على مكونات صغيرة ذات قيمة، وهو ما يشكل مخاطر إضافية على صحة الإنسان والنظام الأحيائي.
ما بدائل البطاريات الكيميائية؟
يعد تخزين الطاقة الحرارية (Thermal Energy Storage) بديلاً رخيصاً يجمع الطاقة على شكل حرارة في مواد سائلة أو كتل صلبة، مثل الماء أو الزيوت أو الصخور.
ومن الطرق التي يتم اختبارها بشكل فعّال؛ تخزين الحرارة الناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة عن طريق تسخين كتل من الصخور أو الطوب أو الرماد البركاني في أوقات الذروة، للاستفادة منها خارج أوقات الذروة لتشغيل المضخات الحرارية التي يمكنها إنتاج الطاقة الكهربائية الرخيصة.
وفي حين أن كلمة “البطارية” تشير على الأرجح إلى النوع الكيميائي الموجود في السيارات والإلكترونيات، إلا أن أنظمة الصخور الساخنة تخزّن حالياً عشرة أضعاف الطاقة التي تخزنها بطاريات الليثيوم أيون في جميع أنحاء العالم، وقد تم تطوير هذه الأنظمة بالاستفادة من فكرة اختراع قديم يعود إلى القرن التاسع عشر يعرف باسم موقد كوبر، وهو عبارة عن أبراج ضخمة من الطوب المكدّس، تمتص الحرارة المهدرة من أفران مصانع الصهر والصب حتى تسخن إلى ما يقرب 1500 درجة مئوية، وتستخدم هذه الحرارة في تسخين تيارات هوائية يتم دفعها بضغط مرتفع عبر الطوب لرفع درجة حرارة الهواء إلى 1200 درجة مئوية، ويتم دفع الهواء الساخن إلى قاع الفرن للاستفادة من طاقته الحرارية في صهر الحديد الخام.
وبحسب تقرير نشر في مجلة إيه سي إس أوميغا ACS Omega وجد فريق من العلماء أن بعض عينات الحجر الأملس والغرانيت الموجودة في تنزانيا تناسب تماماً تخزين حرارة الشمس، وتتميز بكثافة طاقية عالية وثبات في درجات الحرارة المرتفعة.
وتتواجد صخور الغرانيت والحجر الأملس في جميع أنحاء العالم ما قد يجعلها مواد مفضلة لتخزين الطاقة الحرارية.
تجارب ناجحة
تقوم عدة شركات في الوقت الحالي بإنتاج أنظمة بطاريات تستخدم صخوراً شائعة يمكن دمجها مباشرة بأنظمة توليد الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية.
ففي ولاية كاليفورنيا الأميركية على سبيل المثال تستخدم بطارية روندو الحرارية عناصر تسخين كهربائية (مثل تلك الموجودة في فرن الطبخ)، لتحويل الطاقة المتاحة من مصادر نظيفة إلى حرارة عالية.
وعند توفر الطاقة، تتوهج السخانات الكهربائية ويتم تسخين آلاف الأطنان من الطوب مباشرة بواسطة هذا الإشعاع الحراري عند درجات حرارة تصل إلى 1500 درجة مئوية، وتخزين الطاقة لساعات أو أيام مع معدل فقد منخفض جداً (أقل من 1٪ يومياً).
وعند الحاجة إلى توليد الطاقة، يتدفق الهواء عبر كومة الطوب ويتم تسخينه إلى أكثر من 1000 درجة مئوية، وبعد ذلك يستخدم الهواء الساخن الناتج لغلي السوائل وتحويلها إلى بخار يعمل على تشغيل توربينات المولدات لإنتاج الكهرباء.
ومن خلال مشروعها التجريبي وتشغيله في منشأة في كاليفورنيا، تخطط شركة “أنتورا إنرجي” التي يدعمها بيل غيتس، لشحن هذه التكنولوجيا إلى المشترين الأوائل في عام 2025.
ويعمل نظام البطارية الحرارية في “أنتورا” على إبقاء الطاقة الكهربائية كحرارة داخل صندوق معزول، مملوء بأكوام من الغرافيت، وهي المادة السوداء المستخدمة في أقلام الرصاص، ووشائع تسخين تحول الكهرباء إلى حرارة، يمكن للغرافيت بعد ذلك تخزين تلك الحرارة وإطلاقها بشكل مستمر لمدة 50 ساعة كشعاع من الحرارة والضوء من خلال نافذة في جانب الحاوية، واستخدام هذه الحرارة، على سبيل المثال، لتسخين أفران صنع الأسمنت.
وتتعاون مختبرات سانديا الوطنية الأميركية مع شركة سي سول باور CSolPower ومقرها نيو مكسيكو، في البحث وتطوير استخدام الحصى الطبيعية كوسيلة لتخزين الطاقة الحرارية لمصادر توليد الطاقة المتقطعة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وقد صممت سانديا مشروعاً تجريبياً صغيراً بقدرة 100 كيلووات في الساعة، واختبرت سريراً صخرياً عن طريق شحنه بهواء ساخن تزيد درجة حرارته عن 500 درجة مئوية، وحافظت على درجة الحرارة هذه لمدة تصل إلى 20 ساعة، حيث تم تفريغ النظام بنجاح، وقالت سانديا إن أداء النظام كان متوافقاً مع النمذجة والتنبؤات.
وتعتزم الشركة الصانعة جعل المنتج جاهزاً للاستخدام على نطاق واسع، ولكنها ستقوم أولاً بتطوير إصدارات صغيرة الحجم، بحيث يمكن للعديد من مشاريع البيوت الزجاجية في شمال نيو مكسيكو الاستفادة من مشاريع أخرى لتخزين الحرارة في الطبقات الصخرية.
بطارية رملية وأخرى من البازلت
وفي بلدة نائية جنوب غرب فنلندا اختبرت شركة “بولار نايت إنرجي” أول “بطارية رملية” في العالم، وهي منشأة لتخزين الطاقة الحرارية يمكنها تخزين الطاقة النظيفة لعدة أشهر في المرة الواحدة.
يستخدم خزان التخزين عالي التقنية بشكل أساسي الكهرباء الرخيصة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتسخين الرمال، والتي تقوم بعد ذلك بتخزين الحرارة عند حوالي 500 درجة مئوية، والتي يمكن استخدامها لتدفئة المباني المحلية في أشهر الشتاء عندما تكون الطاقة في أعلى مستوياتها.
كما طورت شركة هولندية بطارية من البازلت يمكنها تخزين كميات كبيرة من الكهرباء المولدة بواسطة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، إذ يعد البازلت نوعاً شائعاً جداً من الصخور البركانية التي تمتص الحرارة بسهولة، ويعمل النظام من خلال توجيه الكهرباء المولدة بشكل مستدام من خلال أنابيب معدنية والتي تعمل على تسخين البازلت في حاوية معدنية معزولة بطبقة من الصوف الصخري بسمك متر واحد، وبفضل هذا العزل، يمكن تخزين الحرارة لعدة أشهر، وحتى سنوات، واستخدامها لتدفئة المنازل، كما يمكن إعادة تدوير جميع المواد بسهولة.