الهند.. تُسابق الدول العظمى في استكشاف الفضاء

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

تشهد الهند نهضة علمية وتقنية كبيرة، يشكّل برنامجها الفضائي الواعد ركناً أساسياً فيها، إذ تحققت من خلاله قفزات نوعية وضعت وخلال وقت قصير البلد الأكثر تعداداً للسكان في العالم، جنباً إلى جنب مع الدول القليلة التي غزت الفضاء، لتمتلك الآن واحداً من أكبر برامج الفضاء في العالم، وتقوم بتصميم وبناء وإطلاق وتشغيل وتتبع مجموعة كاملة من الأقمار الاصطناعية والصواريخ والمستكشفات القمرية ومسابير الكواكب.

وتُوّجت هذه النجاحات في 23 أغسطس/آب الفائت مع إنجاز تاريخي تمثل بوصول المهمة الفضائية الهندية “تشاندريان 3” إلى سطح القمر والتي تتكون من مركبة هبوط غير مأهولة تسمى “فيكرام”، ومركبة جوالة داخلها سميت “براجيان”، وذلك بعد أيام قليلة على فشل روسيا في استعادة أمجادها الفضائية إثر تحطم مركبتها “لونا 25″، وهي أول مركبة روسية تتجه إلى القمر منذ عام 1976.

ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي وافتقار روسيا إلى البعثات الناجحة خارج المدار الأرضي المنخفض، أصبحت الهند تمتلك ثالث أكثر برامج استكشاف الفضاء السحيق تقدماً على مستوى العالم.

ومع بروز الدولة المسلحة نووياً كخامس أكبر اقتصاد في العالم في العام الماضي، تسعى حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الهندي القومي بزعامة رئيس الوزراء ناريندا مودي على إظهار مكانة البلاد المتصاعدة كقوة تكنولوجية وفضائية، وتأكيد مكانتها بين النخب العالمية.

برنامج الفضاء الهندي

بدأت أنشطة أبحاث الفضاء في الهند أوائل الستينيات عندما كانت التطبيقات التي تستخدم الأقمار الاصطناعية في مراحلها التجريبية حتى في الولايات المتحدة. ومع أول بث مباشر لدورة الألعاب الأولمبية في طوكيو عبر المحيط الهادي بواسطة القمر الاصطناعي الأميركي “سينكوم 3” عام 1964، والذي أظهر القوة الفعلية لأقمار الاتصالات؛ أدرك الدكتور فيكرام سارابهاي الأب المؤسس لبرنامج الفضاء الهندي الفوائد التي ستجلبها تكنولوجيا الفضاء للهند.

كان الدكتور سارابهاي مقتنعاً بقدرة الموارد الموجودة في الفضاء على معالجة المشاكل الحقيقية للإنسان والمجتمع. وبصفته مديراً لمختبر الأبحاث الفيزيائية في أحمد آباد، جمع الدكتور سارابهاي جيشاً من العلماء البارزين وعلماء الأنثروبولوجيا والاتصالات وعلماء الاجتماع من جميع أنحاء البلاد لقيادة برنامج الفضاء الهندي.

ولأجل ذلك أنشأت الهند اللجنة الوطنية الهندية لأبحاث الفضاء عام 1962 التابعة لإدارة الطاقة الذرية، وفي وقت لاحق أنشأت منظمة أبحاث الفضاء الهندية “إيسرو” (ISRO) في أغسطس/آب 1969، عوضا عن اللجنة الوطنية.

مشاريع الأقمار الاصطناعية

قامت “إيسرو” بتطوير سلسلة من منصات إطلاق الأقمار الاصطناعية، بما في ذلك مركبة إطلاق الأقمار الاصطناعية القطبية (PSLV) ومركبة إطلاق الأقمار الاصطناعية المتزامنة مع الأرض (GSLV). وتستخدم هذه الأقمار لرسم خرائط المحاصيل ومسحها، ومراقبة الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية وتآكل التربة، وتقديم الخدمات الطبية والتعليمية عن بعد، وتوفير الاتصالات إلى المناطق الريفية النائية.

وأطلقت الهند أول أقمارها الاصطناعية المسمى “أريابهاتا” عام 1975 بواسطة منصة إطلاق سوفياتية. ونجحت في وضع أول قمر اصطناعي محلي الصنع في المدار عام 1980 وأطلقت عليه اسم “روهيني”.

تمتلك الهند الآن منظومة ضخمة من الأقمار الاصطناعية متعددة المهام مثل نظام “إنسات” (INSAT)، وهو نظام متزامن يتبع مدار الأرض فوق الهند، ويُستخدم في الاتصالات والتلفزة والأرصاد الجوية والمناخ، إضافة إلى سلسلة أقمار “آي إس آر” (ISR) المخصصة للاستشعار عن بعد.

العلماء الهنود يتابعون المهمة القمرية تشاندريان -2  في غرفة التحكم (رويترز)

استكشاف القمر

أطلقت الهند في أكتوبر/تشرين الأول 2008 مركبة تشاندريان 1 (وتعني “مركبة القمر” باللغة السنسكريتية) كأول مهمة فضائية لها خارج حدود الأرض بهدف استكشاف القمر، ووصلت المركبة بنجاح إلى مدار القمر في الشهر التالي ودارت حوله بهدف دراسة وجود جزيئات الماء على سطحه. ورغم فشلها في الهبوط عليه فإنها قدمت أدلة على وجود جليد مائي داخل الحُفر في قطبه الجنوبي في عام 2009 باستخدام أداة علمية تابعة لناسا، وساعد هذا الاكتشاف في إثارة موجة جديدة من الاهتمام باستكشاف القمر إذ يمكن استغلال الجليد المائي في المستقبل لتوفير الوقود الهيدروجيني الدافع والهواء ومياه الشرب لرواد الفضاء.

وفي مهمتها الثانية، أطلقت الهند في يوليو/تموز من عام 2019 المركبة “تشاندرايان 2” إلى مدار القمر، لكن خطتها الطموحة للهبوط قرب قطبه الجنوبي مُنيت بانتكاسة ثانية بعد فقدان الاتصال بالمركبة الفضائية غير المأهولة بعد نحو شهرين من إطلاقها.

ويمثل الهبوط الناجح في المهمة الأخيرة “تشاندريان 3” بروز الهند كقوة فضائية حيث تتطلع الحكومة إلى تحفيز الاستثمار في عمليات الإطلاق الفضائية الخاصة والأعمال التجارية ذات الصلة بالأقمار الصناعية.

وبهبوطها الآمن أصبحت الهند رابع دولة تنجح بالنزول على سطح القمر بعد الاتحاد السوفياتي السابق (1959) والولايات المتحدة (1969) والصين (2018)، وأول دولة تهبط بنجاح قرب قطبه الجنوبي، لتحقق سابقة عالمية في برامج الفضاء الدولية بالوصول إلى تلك البقعة المجهولة وغير المستكشفة كثيراً والتي من المحتمل أن تحتوي على احتياطيات حيوية من المياه المجمدة والعناصر الثمينة، وأن تكون مصدراً لتزويد القاعدة القمرية المستقبلية بالمياه والأكسجين.

وفي إعلان مفاجئ صدر قبل أيام، أعلنت منظمة أبحاث الفضاء الهندية (إيسرو) نجاح تجربة فريدة أخرى، تمثلت بنقل وحدة الدفع (PM) الخاصة بمهمة ” تشاندريان 3″ من مدار حول القمر إلى مدار حول الأرض، في اختبار هام للقدرات الأساسية اللازمة لاستخلاص معلومات إضافية للمهمات القمرية المستقبلية، بما في ذلك إعادة العينات القمرية إلى الأرض.

مهمة إلى المريخ

أطلقت الهند بنجاح مهمة “مانجاليان” في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 كأول مهمة لها بين الكواكب التي تدور حول المريخ. وبهذا الإنجاز أصبحت الهند أول دولة آسيوية تصل إلى مدار المريخ، وأول دولة على مستوى العالم تقوم بذلك في محاولتها الأولى.

وتحمل المهمة خمس حمولات علمية لدراسة خصائص سطح المريخ وتشكله وعلم المعادن والبحث عن الميثان في الغلاف الجوي للكوكب الأحمر.

نجحت “مانجاليان” في الوصول لكوكب المريخ بعد نحو 11 شهراً من إطلاقها، لتصبح الهند رابع كيان ينجح بهذه المهمة بعد أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي. وحققت الهند إنجازها الكبير بكلفة مادية زهيدة للغاية بالنسبة إلى كلفة المهمات الفضائية المعروفة، حيث لم تزد إجمالي التكلفة عن 74 مليون دولار فقط. (انظر الفيديو التالي عن أول مهمة هندية فضائية لدراسة الشمس).

مهمة إلى الشمس

وأطلقت الهند مطلع سبتمبر/أيلول الفائت، وبعد أسبوع واحد فقط من نجاح إنزال “تشاندريان 3” عند القطب الجنوبي للقمر، مسباراً لدراسة الشمس، لتخطو خطوة إضافية مهمة في مجال استكشاف الفضاء.

ومن المقرر أن تقطع مركبة “أديتيا إل 1” (Aditya L1) في رحلتها مسافة 1,5 مليون كيلومتر وتستمر 4 أشهر إلى أن تصل إلى المنطقة المسماة “نقاط لاغرانج”، حيث تبقى في وضعية ثبات تلقائي بسبب توازن قوى الجاذبية، وهو ما يقلل كثيراً من استهلاك المركبة الفضائية للوقود.

وتهدف المهمة إلى دراسة الطبقات الخارجية للشمس والرياح الشمسية التي يمكن أن تُسبب اضطرابات على الأرض مما قد يؤثر في الاتصالات الأرضية وعلى عمل الأقمار الاصطناعية، كما تساعد البيانات الواردة من المهمة في فهم تأثير الشمس على أنماط مناخ الأرض بشكل أفضل ومنشأ الرياح الشمسية.

العلماء الهنود يتابعون المهمة القمرية تشاندريان -2  في غرفة التحكم (رويترز)

رحلة مأهولة إلى الفضاء

تعمل الهند على تنفيذ برنامجها الطموح المسمى “جاجانيان” (Gaganyaan) بهدف إرسال رواد فضاء من الهند إلى الفضاء.

ويتوخى مشروع جاجانيان إظهار قدرة الهند على إرسال رحلات الفضاء البشرية من خلال إطلاق طاقم مكون من ثلاثة أفراد إلى مدار يبلغ طوله 400 كيلومتر في مهمة مدتها ثلاثة أيام وإعادتهم بأمان إلى الأرض عن طريق الهبوط في مياه المحيط الهندي.

وسيُنجز المشروع من خلال إستراتيجية مثالية عبر النظر في الخبرة الداخلية وتجربة الصناعة الهندية والقدرات الفكرية للأوساط الأكاديمية والمؤسسات البحثية الهندية إلى جانب التقنيات المتطورة المتاحة مع الوكالات الدولية، وتشمل المتطلبات الأساسية للمشروع تطوير العديد من التقنيات الحيوية، بما في ذلك مركبة الإطلاق المناسبة لنقل الطاقم بأمان إلى الفضاء، ونظام دعم الحياة لتوفير بيئة شبيهة بالأرض للطاقم في الفضاء، وتوفير الإخلاء الآمن للطاقم في حالات الطوارئ للطاقم، وتطوير الجوانب التدريبية لطاقم المهمة الواعدة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *