أدى عمل مشترك جمع بين الهندسة المتقنة والتخطيط الدقيق، إلى صناعة الكاميرا الرقمية الخارقة “إل إس إس تي”، وإرسالها من بلد إلى آخر برحلة طويلة ووعرة وبتضاريس مختلفة، لينتهي بها المطاف في مرصد “فيرا سي روبن” أعلى قمة سلسلة جبال “سيرو باشون” على ارتفاع 2682 مترا عن سطح البحر في تشيلي.
واستغرق العمل على صناعة الكاميرا الأكبر في العالم نحو عقدين من الزمان في “مركز المعجل الخطي ستانفورد” بولاية كاليفورنيا الأميركية، للحصول على كاميرا بدقة 3200 ميغابيكسل.
ويبلغ قُطر عدسة الكاميرا العملاقة 1.5 متر، وتزن أكثر من 3 أطنان، وتطلب نقلها إلى مقرها الأخير إجراءات خاصة، لذا سعى مطوروها إلى تغليفها بمواد واقية لحمايتها من الماء والكهرباء الساكنة، ثمّ وضعوها داخل حاوية شحن بطول 6 أمتار مجهزة خصيصا بعزل ومشابك آمنة للحفاظ على استقرارها.
ويُذكر أنه في عام 2021، أجرى الفريق اختبارا تجريبيا حاسما بإرسال أجهزة محاكاة ومستشعرات لتجربة عملية النقل، فحصلوا على كافة البيانات الضرورية التي تضمن سلامة وصول الكاميرا عند تنفيذ المهمة لاحقا.
من سهول أميركا إلى جبال تشيلي
استهلّت الكاميرا رحلتها الطويلة بالانطلاق من مركز تصنيعها في مدينة “مينلو بارك” -الواقعة على السواحل الغربية الأميركية- إلى سان فراسيسكو، ومن هناك صعدت على متن طائرة بوينغ 747 في رحلة استغرقت 10 ساعات إلى أن هبطت في مطار “أرترو مرينو بينيتز” بالعاصمة التشيلية سانتياغو يوم 15 مايو/أيار الماضي.
وبعدها نُقلت الكاميرا بموكب كبير ضم 9 سيارات لإيصالها بحذر إلى قاعدة “سيرو باتشون” بحلول المساء. وفي اليوم التالي، تكفلت شاحنة مهيأة للصعود على أرضية ترابية متعرجة إلى قمّة السلسلة الجبلية بمسافة تقدر بـ35 كيلومترا، الأمر الذي استغرق نحو 5 ساعات لضمان وصول الكاميرا بسلام أخيرا إلى مقرها.
وأعرب أحد علماء المرصد “كيفن رايل” عن سعادته البالغة، وقال إن هدفهم كان التأكد من نجاح الكاميرا في الوصول إلى الهدف بالشكل المثالي. وتُظهر المستشعرات لمراقبة الصدمات الموضوعة على الكاميرا أنّ الرحلة أجريت بسلاسة.
ووفقا لفيكتور كرابيندام مدير مشروع “مرصد روبن”، فإن تنصيب الكاميرا على قمة الجبل كان العنصر الأخير والأكثر أهمية، وبمجرد الانتهاء من كافة الإجراءات الأخيرة سيكون بمقدور العلماء مراقبة السماء بمنظور مختلف وفهم أعمق للظواهر الفلكية بما في ذلك المادة المظلمة والطاقة المظلمة.
ومن المقرر بدء عمل الكاميرا في مطلع العام القادم 2025، على أن تُجري مسحا كاملا للسماء الجنوبية من الأرض كل بضع ليال بتقنية يطلق عليها الرصد الإجمالي (السينبوتيكي)، وستشمل حينها نحو 37 مليار جرم سماوي.